اغتيال على حافة الهاوية ..!

حجم الخط

 

 

كان على إسرائيل أن تلقي بعود الثقاب في مخزن البارود ... هل كانت تفعل ذلك باغتيال الرجل الثاني في حركة حماس ونائب رئيس مكتبها السياسي في الضاحية الجنوبية ؟ أغلب الظن أن الفعل الإسرائيلي كان يخطط لتوسيع المعركة مستغلا ما توفر لديه من معلومات لينفذ التصفية وخاصة أن هناك تصريحا سابقاً للأمين العام لحزب الله بأن إقدام إسرائيل على اغتيال أي شخصية لبنانية أو غير لبنانية على أرض لبنان هو خط أحمر يفهم منه أنه إعلان حرب.
المعركة مفتوحة على جانبي الحدود وهي تحت السيطرة لكن كان يجب زيادة الجرعة لتنتقل من معركة إلى حرب، ولا شك في أن جرعة بحجم الشيخ العاروري تتكفل بالأمر هكذا كانت الحسابات الإسرائيلية ...أم أن الأمر لم يكن أكثر من حصول إسرائيل على المعلومات في إطار تصفية كل من شارك في السابع من أكتوبر وهي تعتبر أن العاروري وهو حلقة الوصل مع إيران هو من أشرف على تزويد الحركة بغزة بكل الإمكانيات اللازمة للقيام بما فعلته في ذلك اليوم الذي اعتبر أسوأ ما حدث لإسرائيل منذ تأسيسها.
هناك من يقول إن إسرائيل تبذل جهدها لتحييد الساحات الأخرى للاستفراد بحربها على غزة عائدة بالنصر الذي تبحث عنه هناك بعد أن تمكنت حركة حماس من نزع ماء وجهها في ذلك اليوم، في هذا شيء من المنطق والذي ساد في بداية الحرب وكأنه تم ترجيحه مع الضربات المتبادلة على جانبي الحدود دون أن تتطور إلى ما هو أبعد.
وفي المقابل كان هناك سيناريو آخر وهو الأكثر ترجيحا وهو أن إسرائيل تسعى لإشعال حرب إقليمية تمتد إلى لبنان فهي فرصة لإنهاء كل هواجسها دفعة واحدة بعد أن صدمها السابع من أكتوبر ليفتح عينها على الشمال حيث من الممكن أن يتكرر من قبل حزب الله الذي يملك أضعافا كثيرة مما تملكه حماس وقد هدد أمينه العام سابقاً بنفس السيناريو واجتياح المدن الواقعة في الشمال.
كانت إسرائيل تتكئ على ثلاثة عوامل تدفعها لإشعال الحرب الإقليمية وتنهي أزماتها وهواجسها «الوجودية» دفعة واحدة فهي فرصة لن تتكرر، وأول تلك العوامل هو توفر صورة الضحية يوم السابع من أكتوبر، والضحية لا تُسأل عما تفعل وعلى الجميع أن يتعاطف ويتضامن لحمايتها والمساعدة في ضرب المعتدين عليها، والعامل الثاني هو توفر رأي عام رسمي مساند وبقوة وداعم بالسلاح والمؤسسات الدولية، والعامل الأهم هو الوجود الأميركي المسلح الذي جاء من بعيد على حاملتي طائرات وغواصة نووية جاهزا للمعركة بكل ما يملك من عتاد بل جاء خصيصا لها.
منذ أكثر من عقدين وإسرائيل تدير حملة دولية لضرب إيران ولم يكن يقنعها مجرد حصارها ومعاقبتها بل تريد معركة عسكرية يقوم بها العالم نيابة عنها، وتصرفت بمنطق أنها على وشك الضرب إذا لم يقم العالم بذلك وأكثر من مرة سربت تقارير عن الاستعدادات وقرار الحرب.
ويمكن القول إن هذا الملف كان مسيطراً على أجندة الأمن القومي ومراكز دراساته ومؤتمراته الإستراتيجية، ولكن العالم وبالتحديد الولايات المتحدة كان له رأي آخر جسده باراك أوباما بالاتفاق مع إيران وليس ضربها، وهو ما أثار نتنياهو ليخطب محرضا على الرئيس الأميركي في الكونجرس ليحرض وريثه دونالد ترامب على الانسحاب من الإتفاق وقد تم.
توريط العالم، هذا كان الهدف المبكر لنتنياهو قبل أن تندلع الحرب على غزة لكنه لم يحدث، الآن تتوفر الفرصة وكل المناخات اللازمة لجعله حقيقة فلماذا تفوتها اسرائيل ؟  
للمرة الثانية يجد حزب الله نفسه أمام لحظة حرجة تفرضها عليه ظروف الحرب، فلا هو يتمنى حربا تجد معارضة كبيرة في لبنان، ولا هو قادر على الصمت بعد الحديث المكثف عن وحدة الساحات وترابطها وخوضها المعركة بشكل مشترك أو هكذا كانت الانطباعات بعد الاجتماعات المكثفة التي كانت تعقد على مدار أشهر طويلة خلال العام الماضي، لذا كان يتحرك منذ بدء الحرب بمعادلة بين مستويين «أكثر من صمت وأقل من حرب» في محاولة للسير بين خطين متوازيين يحرص ألا يلامس أي منهما الآخر جاء اغتيال العاروري ليزيد معادلته المعقدة تعقيداً آخر.
إسرائيل تتصرف كالثور الجريح، فهي تهاجم بلا عقل وتريد توريط العالم في أزمات كانت قد ورطت نفسها فيها بفضل عمى القوة الذي أدخلها في هذا النفق لتجد نفسها ليس أمام تهديدات أمنية كما اعتادت بل تهديدات تعتبرها وجودية وتعود بعد خمسة عقود ونصف العقد تتحدث عن حروب استقلال. فهل تستطيع أن تجر العالم لحرب موسعة ؟ هذا سؤال اللحظة الذي فرضته لحظة الاغتيال.
هناك طرفان للإجابة عن السؤال الأول الولايات المتحدة والثاني حزب الله، أما عن الأولى فهذا آخر ما تريده بعد توريطها بحرب غزة وخسارتها الخارجية والأكثر فداحة الخسارة الداخلية للحزب الديمقراطي، أما الطرف الآخر حزب الله الذي لم تستشره حركة حماس كما قال أمينه العام في خطابه الأول، وكان خطاب أول من أمس يشير إلى الحفاظ على نفس المعادلة الدقيقة التي سار عليها مع التلميح لرد جاء في البيان الأول. لكن يبدو أن المعركة التي وجد نفسه فيها دون أن يتمناها تدفعه لرد محافظا على البقاء بين المستويين. فهل سيضمن أن لا يحدث خطأ يؤدي إلى انفجار ؟ فالسير على حافة الهاوية دوما خطر.