عبثية اغتيال قيادات "التحرر الوطني": العاروري مثالا

e.jpg
حجم الخط

بقلم د أسعد عبد الرحمن

 

لطالما كانت الحلول العسكرية أو الأمنية الإسرائيلية لإدامة الاحتلال أمرا عبثيا. وعلى رأس هذه الحلول تأتي سياسة اغتيال وتصفية القيادات الفلسطينية والعربية والإسلامية التي ترى فيها تهديدا لمشروعها التوسعي الاستعماري/ "الاستيطاني"/ الإحلالي، حيث لم تكن هذه السياسة عفوية في يوم من الأيام، بل حظيت بتأييد رؤساء ووزراء الحكومات الإسرائيلية على اختلاف أفكارهم الأيديولوجية.


التجربة الإنسانية وتجربة حركة التحرر بشكل خاص وعلى رأسها تجربة فلسطين، تؤشر على أنه حتى لو تم اغتيال أو الحكم بمؤبدات على قيادات التحرر الوطني، فهذه الحركات قادرة دائما على إفراز قيادات جديدة. ففي الماضي البعيد والقريب، اغتالت دولة الاحتلال عددا من القيادات الأولى والبارزة سواء في حركة "فتح" أو "حماس" أو الجهاد الإسلامي أو الجبهة الشعبية أو الجبهة الديمقراطية أو بعض الفصائل الأخرى، ولن يكون صالح العاروري ووسام طويل آخر هؤلاء.


ورغم كل ما سبق، إلا أن مسألة اغتيال دولة الاحتلال شخصية قيادية مثل العاروري أو طويل، في هذا التوقيت كانت مؤلمة وتقهر، بل لعله من المؤكد أن العاروري نفسه وغيره من قيادات حركة "حماس" أو حزب الله كانوا يتوقعون استهدافهم في ظل "طوفان الأقصى" والعدوان الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة. فالعاروري، الذي قتل لعدة أسباب أبرزها دوره العسكري القتالي وخاصة مسؤوليته عن انتفاضة "الجبهة الثانية" المفتوحة ضد الاحتلال في الضفة الغربية، الأمر الذي دفع الدولة الصهيونية إلى وضعه على رأس قائمة المطلوبين للاغتيال. وكذلك الحال مع طويل وغيره.


الشهيد صالح العاروري، الذي قضى 18 عاما في سجون الاحتلال وأبعد عن فلسطين، هو من أسس كتائب عز الدين القسام في الضفة الغربية عام 1991. وكان قد وضع هدفين أمامه عند خروجه من السجن: أولهما، التحرير عبر تثوير الضفة الغربية التي كانت هادئة نتيجة عوامل عديدة يتقدمها القمع الإسرائيلي، والهدف الثاني إخراج رفاقه من السجن.

 

 ومعروف أن الاحتلال يتهم العاروري بتأسيس "عرين الأسود"، أو أنه لعب الدور الرئيس في ذلك التشكيل، وهو ما يخيف الكيان ، فلقد كان السؤال الأهم عندهم: كيف استطاع العاروري أن يجمع كوادر وعناصر من "فتح"و"حماس" و"الجهاد" و"الشعبية" وغيرهم في تشكيل واحد؟ بمعنى أن العاروري كان قادرا على تجاوز التباينات بين الفصائل والعصبية الحزبية والتفتيش عن المشتركات وهي صفة اكتسبها خلال سنوات سجنه الطويلة، ومعايشته أفراداً من كل الفصائل. وبحق، كان العاروري من أبرز رجال الوحدة الوطنية والداعين لها. كما أن العاروري كان على رأس المطلوبين للاحتلال، إذ يوصف بـ "مهندس" الهجمات في الضفة الغربية المحتلة ضد جنود الاحتلال والمستعمرين/ "المستوطنين"، وإطلاق الصواريخ من قطاع غزة ولبنان. كما أن الإعلام الإسرائيلي وصفه بـ "كابوس إسرائيل وعرّاب العلاقات مع إيران وحزب الله"، وهو مدرج على قائمة الإرهابيين الدوليين الأميركية!!!


عمليات الاغتيال التي ينفذها الاحتلال ضد قيادات ورموز الشعب الفلسطيني والعربي والإسلامي، سواء داخل فلسطين أو خارجها، لن تفلح في كسر إرادة وصمود هذا الشعب، أو النيل من استمرار مقاومته. والماضي، والحاضر، بل والمستقبل شهود على ذلك.