أثناء كتابة المقال صباح اليوم، واصوات المدافع الاسرائيلية على خان يونس التي لم تتوقف منذ ليلة أمس، وتسمع في رفح بشكل مرعب.
حضرت جارتنا في مكان نزوحي وطلبت من شقيقي تحضير العجين لانها ستشعل النار في فرن الطينة للخبز بعد ساعتين. فسألها أخي، بنفع الورق بدل الكرتون، (للاحماء) قبل اشعال النار للخبيز، (الكرتون بتكون ناره خفيفة لا بحرق الخبز). فردت بنفع البني آدميين، هي "اليهود" احموا، وبحموا فينا من زمان.
كتب المعلق السياسي والصحفي المعروف رونين بيرغمان اليوم في يديعوت أحرونوت: أن دولة إسرائيل، ومؤسساتها الأمنية بما فيهم الجيش والشاباك والموساد وحاشية نتنياهو مثل شخص مفرط بالثقة بالنفس يدخل قاعة القمار ويدفع فقط العملات المعدنية بدون تحقيق الفوز.
وفي ذات الاطار يعبر محللين اسرائيليين عن حيرة واحباط في تحليل يوميات الحرب وأهدافها، والانجازات المزعومة التي تم تحقيقها، وسلوك المستوى السياسي والعسكري خاصة بعد إعلان الجيش الاسرائيلي الانتقال من المرحلة الثانية إلى الثالثة، في شمال قطاع غزة، بعد انسحاب قوات الجيش من هناك، حيث أعلن الجيش الإسرائيلي، السيطرة العملياتية على المنطقة وانتهاء العملية البرية المكثفة.
والتناقض في تصريحات وتحذيرات قادة الجيش الاسرائيلي بالقضاء على المقاومة وقدراتها العسكرية، وكل ما تم تحقيقه انجازات تكتيكية.
وما زالت العملية البربة مستمرة في خان يونس وهي ضمن ما يسمى المرحلة الثانية، وهي نسخة من حرب الابادة والتدمير والانتقام في غزة وشمالها.
إسرائيل تكذب على جمهورها بشأن انتهاء المرحلة الثانية وبدء الثالثة، ولا يوجد تغيير ، فالقتل والتدمير وتجويع الناس في غزة وشمالها والاوضاع الانسانية كارثية.
وحسب ما تتناقله وسائل الاعلام والمحللين العسكريين الاسرائيليين، لم ينجح الضغط العسكري في الافراج عن الأسرى في غزة وشمالها. فكيف سينجح في خان يونس، وانجاز الهدف الرئيس للقضاء على قادة المقاومة؟ ولا يوجد انجاز واضح في الحرب على غزة ويستمرون على أمل تحقيق واحد فقط إما الوصول للسنوار أو تحرير أسرى أحياء، ولكن لم يتحقق شيء من ذلك خاصة في خان يونس التي تتعرض لحرب ابادة وتدمير ممنهج.
حديث الانجازات والانتقال من مرحلة إلى أخرى والتصلب في المواقف دفع بعض المحللين القول: إلى أن كل ذلك كذب ويجب القول بصراحة للجمهور الاسرائيلي أن ذاك لم بتحقق.
تحذيرات رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، هرتسي هليفي، من تآكل ما وصفها بـ الإنجازات العسكرية في إطار حرب الإبادة البربرية الإسرائيلية على قطاع غزة، في ظل غياب إستراتيجية سياسية للحكومة الإسرائيلية بشأن ما أصبح يعرف إسرائيليا بـ اليوم التالي للحرب المستمرة على قطاع غزة منذ 103 يوم. هي ادعاءات.
وأن إسرائيل بقواتها وأجهزتها تقف أمام ماكينة القمار رغم أنها تخسر مرارا وتكرارا وتربح على الأكثر القليل من العملات المعدنية لكنها في المجمل مع رصيد صفر وتفعل الشيء نفسه تماما على أمل وإيمان أنه ستأتي لحظة وسيتحول الحظ وستكون النتائج بفوز كبير .. لكن مع إصرارها على الفوز تترك الحياة تمر دون أن تلاحظ أنها تخسر كل الأموال ولا تفهم أن الكازينو يفوز دائما في النهاية، وفقاً لـ رونين بيرغمان.
هذه التحذيرات ومخاوف قائد الجيش من أن تعيد حركة حماس تنظيم صفوفها شمال قطاع غزة، وتآكل للإنجازات التي حققت حتى الآن في الحرب، لأنه لم يتم وضع إستراتيجية لليوم التالي.
ومماطلة رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، في بلورة خطة حول "اليوم التالي" للحرب.
وهذا ما حذر منه وزير الأمن الإسرائيلي، يوآف غالانت، بالقول أن التردد السياسي الذي قد يؤدي إلى الإضرار بالنشاط العسكري، وإن إنهاء الحرب في غزة يجب أن يرتكز على تصور سياسي. والتوجه والقرار السياسي هو الذي يقود العمل العسكري. غياب القرار السياسي قد يضر بسير العمل العسكري.
في إسرائيل من يحذر من أن تصبح الحرب كوضع طبيعي، مع أن الوضع غير طبيعي للبشر ، وقدرتهم الفائقة أيضاً على التكيف.
وفي ظل الخلافات الاسرائيلية حول الحرب وما يسمى باليوم التالي، وأن إنكار الواقع هو سمة إسرائيلية، بانكار حقوق الشعب الفلسطيني وقمع طموحاته بالحربة وعدم الاعتراف بحقه في تقربر المصير ، وقمع وجود 5 ملايين فلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة، الذين انفجروا في وجه دولة الاحتلال في السابع من تشرين الأول/ اكتوبر .
والجيش الاسرائيلي أعلن أن عام 2024 سيكون عام الحرب، يعني الحرب على الفلسطينيين التي ربما تستمر لعقد قادم.
كما أن استمرار الحرب دون استراتيجية خروج ليس أمراً إلهياً، كما يقول بعض المحللين الاسرائيليين، وليس ضرورة من الواقع.
حرب بلا نهاية وبدون أهداف واقعية. اقتصاد حرب وهمي، يعني تدمير العناصر الإنتاجية، وإغلاق الأسواق العالمية، واستعباد الاقتصاد لـ احتياجات الحرب.
وفي حين يتم استغلال الصدمة "الوطنية"، والغضب الجماعي، والإحراج الاستراتيجي، ومع محنة قمة المؤسسة الأمنية، فإن نتنياهو يضع إسرائيل في دوامة تدميرية طويلة لا نهاية لها.
قد تكون اهداف نتنياهو السياسية للبقاء في السلطة، وانه لم يتخذ قراراً بشأن ما يسمى اليوم التالي، وإنهاء الحرب، وبالتالي فمن الممكن أن الجيش الإسرائيلي لن يحقق أهداف الحرب الاستراتيجية، بل سيضطر إلى العودة إلى اليوم السابق، والقتال مرة أخرى في المناطق التي سيطر عليها. واين هي الانجازات واين هو الانتصار وتحقيق الاهداف؟
الواقع أن المسألة لا يتعلق فقط بغزة وحرب الابادة، بل هذا هو بالتحديد موقف إسرائيل الاستراتيجي تجاه القضية الفلسطينية، وتجاه الشعب الفلسطيني برمته، وما زالت إسرائيل في اليوم التالي منذ النكبة وحتى يومنا هذا وفي المستقبل أيضاً.
وهي نفس السياسات للحكومات الاسرائيلية المتعاقبة، وحافظت على الاحتلال العسكري في اطار حكم استعماري استيطاني عنصري،
ودولة بدوم حدود، وتحاول التوسع من خلال سطوة الاحتلال العسكري، والخداع والاحتيال والإنكار وعنف وارهاب المستوطنين، ومصادرة الاراضي، ومشاريع الاستيطان، وملايين الفلسطينيين، بدون حقوق، ويعيشوا تحت حكم عسكري عنصري فاشي ونظام تطهير عرقي طويل الامد، والاضطهاد، والقتل اليومي والحرمان من حربة التنقل والوصول خارج وطنهم، وكذلك داخله.
دولة الاحتلال تعيش بشكل فظيع حالة الصدمة، وهذا عزز موقف نتنياهو وسياسته المسماة إدارة الصراع.
وفي ضوء ذلك يغيب الموقف الفلسطيني الرسمي، العاجز والخائف من نتائج السابع من تشرين الاول/ اكتوبر، وما زال يتبرأ منها، وترك القضية للاخرين البحث في ما يسمى اسرائيلياً وأمريكياً اليوم التالي والتقرير في مصيرنا.
الواقع الجديد وعدم الاعتراف به من الرسمية الفلسطينية، وربما رفضه، ومحاربته، هو التسليم بالاستمرار بالمرحلة السابقة، والعودة إلى أحضان الخطط الامريكبة المتعلقة بسلطة فلسطينية محدثة، واستبعاد حماس والفصائل الفلسطينية المختلفة. ما يعني استمرار حرب الابادة باشكال مختلفة وخطط التهجير القسري، وحالة الانكار وإدارة الصراع لسنوات عديدة من الغرق في وهم السلام الامريكي المزعوم.