ما زال الخبراء ومراكز الأبحاث وصنّاع القرار في إسرائيل يُحاولون سبر غور حركة حماس، وإلى أين تتجّه، في ظلّ المستجدّات الأخيرة في الشرق الأوسط. فالإسرائيليين، من المستويين السياسيّ والأمنيّ، يُقّرون أنّ الجيش، وخلال أكثر من خمسين يومًا من الحرب مع حماس وباقي الفصائل الفلسطينيّة في عدوان صيف العام 2014، لم يتمكّن من كسر شوكة حماس، لا بلْ بالعكس، فالحركة واصلت قصف إسرائيل حتى الدقيقة التسعين. علاوة على ذلك، لا يُخفي الإسرائيليون قلقهم العميق من تعاظم قوة حماس العسكريّة، وهي التي باشرت بترميم ترسانتها العسكريّة مباشرة بعد أنْ وضعت الحرب أوزارها.
إضافة إلى ذلك، أعرب قادة الجيش الإسرائيليّ عن خشيتهم العميقة من القوّة البحريّة، التي أقامتها حركة حماس، والتي تهدف إلى ضرب منشآت إستراتيجيّة في العمق الإسرائيليّ، من إيلات في الجنوب وحتى رأس الناقورة في الشمال، وقد وصفها المُعلّق للشؤون العسكريّة في صحيفة (يديعوت أحرونوت) أنّها،، عبارة عن نفقٍ طويل يمتّد من جنوب إسرائيل حتى شمالها، طبعًا مرورًا بمركزها، ونقل عن المصادر الأمنيّة التي وصفها بالرفيعة في تل أبيب، قولها إنّ هذه القوّة البحريّة أُقيمت وتتدرّب كما هو الحال في أكثر الدول تقدّمًا في هذا المجال. في السياق ذاته، رأى المُستشرق د. تسفي بارئيل، مُحلل شؤون الشرق الأوسط في صحيفة (هآرتس) الإسرائيليّة، أنّ التغييرات في موازين القوى والاضطرابات في العلاقات العربيّة ـ العربيّة فاجأت إسرائيل، في الوقت الذي كانت تقوم فيه بإحصاء عدد الصواريخ الموجهة إليها وإقامة تحالفات جديدة قد تُوفّر لها الفرصة السياسية من نوع ما.
وتابع قائلاً إنّه إذا أصبحت حماس جزءً من تحالف سعوديّ ـ مصريّ ـ أردنيّ، فإنّه لن يعود لإسرائيل احتكار السيطرة على غزة، وأن مصر، سوية مع السعودية، هما اللتان تقرران ماذا يدخل وماذا يخرج من القطاع، على حدّ تعبيره.
وساق د. بارئيل قائلاً إنّه رغم أنّ المملكة العربيّة السعودية تعتبر حركة الإخوان المسلمين تنظيمًا إرهابيًا، إلّا أنّه فيما يتعلق بحماس يبدو أنّ سياستها تختلف عن مصر. فالملك السعودي الذي يتطلع لتشكيل محورٍ سُنيّ يُقلّص تأثير إيران في الشرق الأوسط، لا يُمكنه الاكتفاء بمحور دول، بل إنّه يحتاج لأنْ يمنح بطاقة تأهيل أيضًا لمنظمات سنية، مثل منظمة حماس، التي ما زالت تجد صعوبة في التقرير بشكل نهائي فيما كانت ستعود إلى محور إيران أوْ تتهرب منها وتنضّم إلى الدائرة العربية، حسبما ذكر. ولفت بارئيل أيضًا إلى أنّه في نفس الوقت، فإنّ إيران نفسها لم تقرر حتى اللحظة، فيما إذا كانت ستبذل جهدًا من اجل تقريب حماس مجددًا إليها، أوْ الاستمرار بالقطيعة السياسيّة والاقتصاديّة مع التنظيم الذي انفصل عن سوريّة. فحماس الآن تشبه المركبة التي تفرد أشرعتها بانتظار مسار الريح المناسب لها.
وعلى ضوء ذلك، أضاف بارئيل، أنّ القرار في أيّ اتجاه هو مشكلة الأغنياء. فإيران كما هي السعودية بحاجة إلى حماس من أجل تحقيق أفضلية سياسيّة في المنطقة التي تدور بينهما فيها لعبة المحصلة صفر، والذي يُفسّر فيها كلّ مكسب إيرانيّ على أنّه خسارة سعودية، وبالعكس. ولكنّ الحيرة شديدة، برأي المُعلّق الإسرائيليّ هي كالتالي: إذا قررت حماس الالتحاق بمحور إيران، فهي ستكون مضطرة للتراجع عن انتقاداتها الشديدة للنظام السوريّ والتعاون مع حزب الله، وعندها ستفقد نهائيًا أيّ احتمال لإعادة إعمار قطاع غزة: ومعبر رفح سيبقى مغلقًا، حيث بدون دخول جديد لقوات الحكومة الفلسطينية إلى قطاع غزة فإنّ مصر لن تُوافق مجددًا على فتح المعبر، وفي غياب تعبير "الكبير مسؤول"، وأيضًا أموال المساعدة لا يمكن أنْ تصل إلى القطاع.
على النقيض، أضاف د. بارئيل، إذا قررت حماس الانضمام إلى المحور السعوديّ ـ المصريّ فهي ستكون مُطالبة بتنفيذ خطة المصالحة بين فتح وحماس، والتي تعني انهيار كبير لسلطتها في القطاع، ويكون خاضعًا لقرار مصر بالطبع، كما أنّه يتحتّم عليها الإثبات أنّها لم تعُد مرتبطة بحركة الإخوان المسلمين. وأوضح المُحلل الإسرائيليّ أنّه في المحور السنيّ، الذي تعتزم السعودية إقامته، فإنّ حماس ستكون لاعبًا هامشيًا، لافتًا إلى أنّ الهدف هو ضم تركيا أيضًا، وترى إسرائيل بنفسها شريكًا سريًّا في هذا الحلف، ولكن من شأنها أنْ تفقد هذه التطورات إذا نظرت للعلاقات التي تتراكم بين السعودية وحماس بأنها تشكيل جديد لمحور الشر، الذي يُفكك منظومة العلاقات التي تمّ تحديدها في عهد الملك عبد الله، منظومة كانت على علم مَنْ هم فيها الجيدون ومَنْ هم السيئون، ومن ضمنها حماس، الإخوان المسلمين وإيران كانوا الخصوم المعلنين.
هذا هو السيناريو الذي يمكن أنْ ينتظر تشكيل الحكومة الإسرائيليّة الجديدة، وفي حال تحقق، من شأنه أنْ يجعل من إسرائيل غير ذات صلة، على الأقّل في كل ما يتعلّق بمستقبل غزة.
وخلُص إلى القول إنّ أيّ قرار من حركة حماس سيحمل في طيّاته ثمنًا أيديولوجيًا وسياسيًا باهظًا، وهي ما زالت لا تعلم ماذا ستنال مقابل ذلك، حيث لم تضع، لا السعودية ولا إيران، لغاية الآن، أمامها تفصيلاً للتعويض الاقتصادي الذي ستكسبه إذا قررت الانضمام لإحداهما، حسبما ذكر.