- إنفاق مليارات الدولارات، و»كود» البرمجة سقط في أيدي إيران وروسيا!
- تم اختراق كل حواسيب السلطة ومولدات الكهرباء وأغلب البنى التحتية في إيران
- مئات المبرمجين وعلماء الرياضيات وهندسة الحاسوب اشتركوا في العملية
بقلم: يوسي ملمان
في فيلم وثائقي جديد بعنوان «زيرو دييز»، والذي سيعرض غداً في مهرجان الافلام في برلين، يزعم الجنرال مايكل هايدن، رئيس الـ»سي.آي.ايه» سابقا والـ»ان.اس.ايه»، الوكالة الأميركية للأمن القومي، أن هدف الهجوم الاسرائيلي ضد ايران في حال تم، كان جر الولايات المتحدة إلى الحرب. الفيلم يقتبس عن مصادر من جمهور الجواسيس للولايات المتحدة، الذين اتهموا إسرائيل، حيث يقولون إن العمل المتسرع وبدون تفاهمات هو الذي شوش عملية سرية مشتركة كانت تهدف الى الحاق الضرر بحواسيب الخطة النووية الايرانية. وكنتيجة لذلك فان ملايين الدولارات التي تم استثمارها في الموضوع ذهبت هباء.
يقف من وراء هذا الفيلم المثير للفضول المخرج الوثائقي اليكس غفني، وهو أحد المخرجين الوثائقيين الاكثر انشغالا في هوليوود، والذي اعتبر في الماضي أحد المنتجين الوثائقيين المهمين في زمننا. وقام بإخراج افلام «الزبون رقم 9: صعود وسقوط اليوت سبيتسر» (2010) و»كذب ارمسترونغ» (2013) و»السنتولوجيا وسجن الايمان» (2015) و»ستيف جوبس: الشخص في الماكينة» (2015) و»سيارة بجانب الظلام» (2007)، الفيلم الذي فاز بفضله بجائزة الاوسكار للفيلم الوثائقي.
الفيلم الحالي، الذي يتحدث عن العملية الاستخبارية المشتركة بين اسرائيل والولايات المتحدة لافشال خطة ايران النووية، يشتمل على شهادات من رجال الـ»ان.اس.ايه» والـ»سي.آي.ايه» الذين عملوا مع نظرائهم في إسرائيل – وحدة 8200 التابعة للاستخبارات العسكرية و»الموساد» – من اجل تطوير عدد من الفيروسات القاتلة التي ستوضع في الحواسيب في موقع تخصيب اليورانيوم في «نتناز» في إيران. وقد تم تقديم الشهادات دون ذكر أسماء، وتقوم الممثلة التي تمت تغطية وجهها بقراءة هذه الشهادات.
حسب الادعاءات في الفيلم، ألحق العمل المتسرع من قبل إسرائيل الضرر بتنفيذ عدة عمليات تم التخطيط لها من اجل الاضرار بالحواسيب في الموقع الثاني الاكثر حماية لتخصيب اليورانيوم في «فوردو». ويكشف الفيلم أيضا عملية سرية مستقبلية أخرى لحرب السايبر والكود السري لها ان. زد (الاحرف الاولى لكلمات افشال زيوس. «لقد أنفقنا على هذه العملية المليارات»، كما جاء في الفيلم، «والتي كانت تهدف الى تخريب كل الحواسيب في ايران في حال حدوث حرب. دخلنا الى كل اجهزة السلطة وخطوط الكهرباء ومولدات الكهرباء واغلبية البنى التحتية في ايران».
الفيروس القاتل، الذي تم ادخاله الى «نتناز»، سمي من قبل رجال حماية الحواسيب باسم «ستوكسانت»، رغم أن اجهزة الاستخبارات في اسرائيل والولايات المتحدة أطلقت عليه اسم آخر لم يكشفه الفيلم. واسم العملية التي كشف عنها الصحافي ديفيد سنجار من «نيويورك تايمز» كان «العاب اولمبية». وقد كانت التقديرات هي أن ادخال الفيروس يشير الى دخول دولتين للمرة الاولى في حرب السايبر ضد دولة ثالثة. وحتى ذلك الحين كانت معظم الهجمات تنفذ من قبل قراصنة افراد من اجل التسلية أو لدوافع سياسية أو مجرمين من اجل الخداع وسرقة الاموال أو شركات تجسس تجاري وصناعي.
وقد تم الاقتباس عن نائب الرئيس جو بايدن في الفيلم، الذي اتهم الاسرائيليين بأنهم «غيروا الكود» لخطة الفيروس القاتل. وحسب الفيلم فانه نتيجة لذلك، خلافا لما خطط له، انتشر الفيروس من حواسيب المشروع النووي الى كثير من الحواسيب الاخرى في ايران، ومن هناك الى العالم. وأضر ايضا بحواسيب شركات أميركية. الانتشار غير المخطط له للفيروس تسبب في الكشف عن العملية ومكّن الايرانيين، بمساعدة الخبراء من روسيا وبلاروس، من ايجاد «تحصين» لحواسيبهم والدفاع من خلال دفاع أفضل عن خطتهم النووية.
حسب الفيلم، الكشف المبكر عن الفيروس بسبب سلوك اسرائيل، أدى ايضا الى انكشاف خطة الفيروس التي كانت الاكثر تقدما وسرية في العالم أمام الاستخبارات الروسية والايرانية. «المفارقة كانت أن الصيغة السرية لكتابة الكود وبرمجة الفيروس قد سقطت في أيدي روسيا وايران – الدولة التي وضعت الخطة من أجلها».
إن ميزة الفيروس كانت أنه في لحظة دخوله الى الحواسيب، سيعمل بشكل مستقل دون الحاجة الى أي تدخل. وهذا الامر يشبه القنبلة التي تعمل بمفردها. والفيروس كان يفترض أن يعمل في اليوم الموعود، يوم الصفر.
كسب الوقت
إن تطوير فيروس ستوكسانت وتخطيط عملية «الالعاب الاولمبية» بدءا في العام 2006 في عهد الرئيس جورج بوش الابن، الذي سعى الى افشال المشروع النووي الايراني. مايكل هايدن، الذي كان منذ العام 1999 رئيسا لـ»ان.اس.ايه» والـ»سي.آي.ايه»، يكشف في الفيلم أن «الرئيس بوش لم يرغب بخيار الحرب فقط».
وحسب الفيلم فقد وصل خبراء من الدولتين الى فكرة الحاق الضرر بالمنشآت النووية الايرانية ولاسيما الحواسيب. إن ما ساعد على جمع المعلومات حول الحواسيب كانت الصور التي تم بثها من زيارة الرئيس الايراني في حينه، محمود احمدي نجاد، لموقع «نتناز». حيث ظهرت في الصور الحواسيب بوضوح وكذلك انواعها وتفاصيلها. وقد شكلت هذه النقاط فرصة لادخال الفيروس. وقد رافق الرئيس الايراني في جولته خبراء نوويون ايرانيون، أحدهم، الذي تم تصويره وهو يقف الى جانب نجاد، قتل بعد بضع سنوات في عملية تنسب حسب مصادر اجنبية لـ»الموساد».
حسب الموافقة التي منحها بوش، تم بناء نماذج مشابهة في الولايات المتحدة واسرائيل لاجهزة الطرد المركزي التي كانت في «نتناز». وأقيمت النماذج في المختبرات في مدينة اوك ريدج في ولاية تنسي، والتي تستخدم ايضا لانتاج السلاح النووي وفي المفاعل النووي في ديمونا. وتم ادخال الفيروس القاتل الى اجهزة الطرد المركزي حيث كسرت وأصيبت. وقد أحضر رجال الاستخبارات القطع المحطمة الى البيت الابيض ليشاهدها الرئيس بوش، وقاموا باعادة عرض العملية أمامه. الرئيس بوش تحمس وقال اذهبوا ونفذوا التجارب. وأمر بالاستثمار أكثر من اجل حرب السايبر الهجومية السرية وأعطى المصادقة للعملية.
حرب السايبر الهجومية ضد ايران، حسب الفيلم، تصاعدت خلال عهد الرئيس باراك اوباما الذي خشي من خروج اسرائيل الى عملية عسكرية بقيادة رئيس الحكومة نتنياهو ووزير الدفاع، ايهود باراك. ويكشف هايدن في الفيلم أن التخوف الأميركي كان من أن «الهدف الحقيقي للهجوم الاسرائيلي ضد المنشآت النووية الايرانية هو توريطنا في الحرب»، لأن قدرة اسرائيل على الضرب محدودة. «يوجد لاسرائيل سلاح جو ممتاز لكنه صغير»، قال هايدن في الفيلم، «المسافة كبيرة وقد وزعت المواقع في ارجاء ايران».
على هذه الخلفية ومن اجل تهدئة اسرائيل واثبات أن الادارة الأميركية تعمل بتصميم على افشال المشروع النووي الايراني، أمر الرئيس اوباما الاستخبارات بزيادة الجهود بل والتعاون مع «الموساد» ووحدة 8200، رغم وجود شك حول العملية. وحسب الفيلم فان اوباما أبدى قلقه من أن «الصينيين والروس سيفعلون الشيء ذاته له»، ويدخلون الفيروسات الى المواقع النووية والاستراتيجية الاخرى في الولايات المتحدة. لكن قلق الرئيس الاكبر كان الهجوم الاسرائيلي. «كان الهدف هو كسب الوقت من اجل اجبار ايران على المجيء الى طاولة المفاوضات»، كما قال هايدن.
وحسب الفيلم، الاستخبارات البريطانية كانت مطلعة على الاسرار «لكن الشريك الرئيسي كان اسرائيل. وفي اسرائيل أدار «الموساد» الموضوع، وكانت المساعدة التقنية من وحدة 8200. اسرائيل هي المفتاح في كل هذه القصة».
دون ترك بصمات
حسب الفيلم، أدى الفيروس دوره في البداية. «لم يتم قول كل شيء لنا. وقد تم ادخال الفيروس الى الحواسيب من قبل الموساد، من خلال الدخول الى شركتي برمجة في تايوان عملتا مع ايران»، جاء في الفيلم من شهادات رجال الـ»ان.اس.ايه».
كانت الطريقة هي أن يلحق الفيروس الضرر بصناديق الكهرباء الرقمية والمحوسبة من نوع سيمنز الألمانية والتي كانت متصلة مع الحواسيب وقامت بتشغيل اجهزة الطرد المركزي. تضرر ما بين1000 الى 5000 جهاز طرد مركزي دون أن يفهم الايرانيون ما الذي يحدث أو ما هو مصدر الخلل. «الخطة فعلت ما كان يفترض أن تفعله»، جاء في الفيلم من قبل رجل استخبارات أميركي. «تفجرت اجهزة الطرد المركزي دون ترك بصمات».
كان هناك هدف نفسي ايضا للعملية: اشعار القيادة الايرانية والعلماء بأنهم عديمو الحيلة دون فهم ما يحدث. هدف آخر كان اثارة الخلاف بين القيادة السياسية والعسكرية وبين العلماء، حيث اتهم الايرانيون الخبراء عندهم وبدؤوا باقالة البعض وتهديدهم.
حسب الشهادات التي أحضرها منتجو الفيلم، في قيادة الـ»ان.اس.ايه» وقيادة السايبر التي توجد في فورت ميد في ولاية ميريلاند الأميركية، عمل مئات المبرمجين وعلماء الرياضيات وهندسة الحواسيب في مجموعات سميت «تاو». هم فقط كان مسموحا لهم الدخول الى حواسيب خارج الولايات المتحدة بما في ذلك الحواسيب التابعة لايران.
وجاء في الشهادات أن الولايات المتحدة واسرائيل قامتا بتطوير عدة نسخ من فيروس ستوكسانت. كل نسخة كانت أشد من التي سبقتها. وكانت الفكرة ادخال الفيروس بالتدريج والانتقال من السهل الى الصعب. مع ذلك، قيل إن لكل دولة الحق في العمل بشكل مستقل بشرط ابلاغ الدولة الاخرى. لكن حسب ما جاء في الفيلم فانه نتيجة لضغط نتنياهو على رئيس «الموساد» لاظهار النتائج في عملية الافشال، تقرر في اسرائيل الاستخدام المبكر للخطة القاتلة.
«لقد عملنا على نار هادئة»، قال رجال الـ»ان.اس.ايه»، «أما الاسرائيليون فقد دفعوا طول الوقت باتجاه الهجوم». وبعد أن تم اطلاق الفيروس لالحاق الضرر باجهزة الطرد المركزي في «نتناز»، بدأ الفيروس، كما قال الخبير رالف لينغر، الخبير في حماية الحواسيب بـ»القفز من حاسوب الى حاسوب»، الى أن خرج عن السيطرة وانتشر في آلاف الحواسيب، بما في ذلك شبكات وحواسيب لم يكن من المفروض أن يدخل إليها، بل وصل الى حواسيب في الولايات المتحدة وأضر بها. «اصدقاؤنا في اسرائيل أخذوا سلاحا طورناه معا من اجل الدفاع عن اسرائيل، واستخدموه بشكل هستيري وفجروا العملية. ونحن غضبنا جدا».
يكشف الفيلم ايضا أن القرار الرئاسي لبوش واوباما لاستخدام سلاح السايبر يستند الى الصلاحية الممنوحة لهما باستخدام السلاح النووي. في اعقاب سابقة حرب السايبر الأميركية - الاسرائيلية بدأت ايران ايضا في تطوير وتحسين وسائل الهجوم. وقد هاجمت قبل بضع سنوات كانتقام وردع 30 ألف حاسوب لشركة النفط السعودية «عرامكو» وبنوك أميركية.
على هذه الخلفية، يتناول الفيلم مسألة فلسفية نظرية حول حاجة العالم الى وضع وثائق دولية وتحديد ما هو مسموح وما هو محظور في حرب السايبر مثل الوثائق الدولية حول الحرب.
اضافة الى مايكل هايدن، ظهر في الفيلم أميركيون آخرون منهم ريتشارد كارلاك، وهو خبير في الحرب ضد الارهاب وحرب السايبر في ادارة كلينتون وبوش. وكريس انغليس، نائب رئيس الـ»ان.اس.ايه» وغادي سمور من مجلس الامن القومي ورئيس وحدة حماية المعلومات والحواسيب في وزارة الدفاع. والصحافي ديفيد سنجر الذي كان مستشارا للمخرج ومنتج الفيلم.
من الطرف الاسرائيلي تحدث رئيس الاستخبارات العسكرية، عاموس يادلين، والوزير يوفال شتاينيتس وكاتب هذه السطور الذي كان ايضا مستشارا في النشر. ويظهر في الفيلم ايضا خبراء في حماية الحواسيب من شركة «سمانتك» الأميركية والخبير الألماني رالف لانغنر وايضا يوجين كسابراسكي الذي يعتبر أحد الخبراء المعروفين في العالم في مجال حماية الحواسيب وكان في السابق رجل استخبارات في روسيا وله علاقات وثيقة مع الكرملن.
عن «معاريف»
تفاصيل تكشف لأول مرة.. هكذا خدعت حماس الطيران الإسرائيلي
17 أكتوبر 2023