الحياة الضائعة بين حرب الأيام الستة وحرب الأشهر الستة

تنزيل (19).jpg
حجم الخط

بقلم  د. ناصر اللحام

 



قبل الخامس من حزيران عام 1967 كانت الضفة الغربية تحت حكم المملكة الأردنية الهاشمية ،وكان قطاع غزة تحت الحكم المصري . وبمساعدة فرنسا وامريكا وبريطانيا نجحت إسرائيل في ضرب مطارات مصر وسوريا والعراق والأردن واحتلت القدس والضفة الغربية وسيناء حتى قناة السويس .
وكتب شلومو جازيت مسؤول الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية في كتبه ( العصا والجزرة ) : قال لي الجنرال موشيه ديان تعال نقوم بجولة في سيارة الجيب العسكري لنشاهد مدن الضفة الغربية قبل ان تعيدها غولدا مئير للعرب ، وانتظرنا شهر وعدة شهور، ثم انتظرنا سنة وعدة سنوات ولكن العرب لم يطالبوا باستعادة الضفة وظلت تحت الحكم العسكري الإسرائيلي .
اما الكاتب العسكري الشهير زئيف شيف فكتب قبل وفاته : حين دخل ياسر عرفات الى مدينة غزة عام 1995 ذهبت الى هناك ، ومشيت في شارع صلاح الدين . وبما انني كنت جنديا في الجيش الذي احتل غزة لا أزال اذكر ماسورة مجاري تحطمت في القتال في حزيران 1967 ، وكم كان الامر مدهشا حين وجدت ان نفس الماسورة في نفس الشارع لا تزال مكسورة . أي ان إسرائيل احتل قطاع غزة ربع قرن ولم تقدم أي خدمة لسكان القطاع ابدا ، حتى الماسورة المكسور لم تعمل على إصلاحها ، وكان هذا كافيا لأعلم لماذا يكره الفلسطينيون الاحتلال الإسرائيلي لمدنهم .

سبعة وخمسون عاما بين حرب الأيام الستة ويومنا هذا . وتكاد الحرب على غزة تدخل شهرها السادس . ولا يزال المواطنون الفلسطينيون يعيشون أسوأ أيام الحياة التي تشمل الفقر والسجون والقمع والقتل والاستيطان والتهويد والابارتهايد . يعيشون بلا حرية ولا استقلال ولا برلمان ولا حقوق ولا انتخابات ولا سلطة وتهدر كرامتهم بلا رقيب وتقتحم بيوتهم ويقتل أطفالهم ويمنع عنهم أسباب البقاء الطبيعي !!

سبعة وخمسون عاما لا يهنأ الإسرائيليون في حياتهم يوما واحدا من دون خوف .خوف الانتقام القادم ضدهم وضد أولادهم يكبر ويكبر في الأسواق والمدراس والجامعات . يدخلون المطاعم وهم يحملون السلاح ويدخلون البحر وهم يحملون السلاح ويعيشون خلف الاسوار وخلف الاسلاك الشائكة حتى فقدوا معنى النصر ومعنى الامن والأمان .
سبعة وخمسون عاما دمرت حياة 14 مليون فلسطيني ، وأثارت قهر وغضب نصف مليار عربي ومليار ونصف مسلم . وحولت بلاد الشام من اجمل مناخ في العالم الى صناديق سلاح او صناديق موتى.
قبل وفاته قال ياسر عرفات لرئيس الشاباك الإسرائيلي : اذا فقدنا الحرية سوف تفقدون الامن والأمان .
وحين تتوقف المدفع ويعود الناس الى بيوتهم ، لن يجدوا انفسهم كما كانوا ولن يعودوا ابدا كما كانوا .. فالتاريخ لا يعيد نفسه ابدا .
ولكننا مضطرون ان نفكر في الأجيال الجديدة ، والاعمار الجديدة والحيوات الجديدة.