مفاوضات القاهرة مراوحة في المكان ....والتصعيد المدروس قائم ومستمر

nTx3Z.jpg
حجم الخط

بقلم راسم عبيدات

 

لا يبدو في الأفق بأن المفاوضات الدائرة في القاهرة حول وقف أطلاق النار والإنسحاب الإسرائيلي الشامل من قطاع غزة وما يتصل بهذين العنوانين من عناوين فرعية جوهرية الإغاثة والإيواء واعادة الإعمار ورفع الحصار وفتح المعابر وصفقة تبادل الأسرى،مطالب المقاومة الفلسطينية وفي القلب منها حركة حماس،وبين مطالب " اسرائيل وامريكا وقوى الغرب الإستعماري، المتركزة على العمل على إطلاق سراح المأسورين " الإسرائيليين" من جنود ومدنيين عند المقاومة مقابل توسيع إدخال المساعدات الإنسانية غذائية وطبية الى القطاع،مقايضة ورقة الأسرى مقابل المساعدات الإنسانية ...وهذا ما يجري التركيز عليه من التيار المتصهين في الإدارة الأمريكية،تصريحات وزير الخارجية الأمريكي بلينكن ومستشار أمنها القومي جاك سُلفيان وحتى الرئيس الأمريكي نفسه ومعهم كل قادة الغرب الأوروبي الإستعماري...ولذلك يبدو بأن الظروف حتى اللحظة ليست ناضجة لحصول اختراق جدي في مفاوضات القاهرة،لا على مستوى الخيارات ولا الإتجاهات السياسية ولا الميدان،ومعركة " رفح" التي لا يجري فقط التلويح بها،بل وضعت وجهزت الخطط التنفيذية للقيام بها، تأتي لخدمة ورقة باريس "اسرائيلياً وليس بديلاً عنها ..


عمليات الطرد والتهجير للشعب الفلسطيني وتغيير الواقع الديمغرافي في فلسطين التاريخية لصالح المستوطنين، كانت دائماً حاضرة في العقل السياسي " الإسرائيلي" وكذلك الأمني،سواء عبر الأساليب الناعمة او الخشنة ،عبر "قوننتها" و"دسترتها" وشرعنتها، أو عبر الحروب وما ينتج عنها من مجازر،ولذلك منذ بداية الحرب العدوانية على قطاع غزة في 7 أكتوبر الماضي وحتى اليوم الخامس والثلاثين بعد المئة للعدوان المستمر على قطاع غزة، اعتمدت "اسرائيل" سياسية تفريغ قطاع غزة من سكانه والتهجير الممنهج من الشمال نحو الوسط ومن الشمال والوسط نحو الجنوب،ومن ثم دفع اكبر عدد من النازحين الى مدينة رفح ذات المساحة التي لا تزيد عن 55كم2 ،بحيث يتكدس في كل كم2 27 الف إنسان،والذين ستبقى الخيارات مع بدء المناورة البرية " الإسرائيلية" والتي هي قائمة وآتية ،لتضع سكان رفح أمام خيارات الموت الجماعي او الهجرة نحو البحر او الى سيناء المصرية ،فقادة دولة الإحتلال سياسيين وعسكريين وامنيين لا خلافات بينهم على استمرار الحرب وعدم الإنسحاب الشامل من قطاع غزة ،ولكن الخلاف يتركز على اولويات هذه الحرب،هل سيكون لإستعادة الأسرى لدى المقاومة بقبول وقف مؤقت لإطلاق النار،وتحريرهم أحياء،ام ان تتواصل الحرب بشكل شامل كما يريد نتنياهو وبن غفير وسموتريتش،قائلين بأن الضغط العسكري على حماس والمقاومة سيمكن من تحرير الأسرى والقضاء على حركة حماس والمقاومة وفرض واقع جديد في القطاع.


المناورة او العملية العسكرية ضد رفح ،هناك موافقة وضوء أخضر أمريكي عليها،مع تعهد زائف بتجنب قتل المدنيين،أي أن يكون هناك قتل "ملطف"،وهذا معنى قول بايدن بأن تكون المعركة "مخططة ودقيقة"،والقتل" الملطف"،لم يتحقق حتى مع صدور قرار محكمة العدل الدولية منذ 26 كانون ثاني الماضي، فإعداد القتلى من المدنيين في إزدياد مستمر.والبعض يحاجج بأن عملية رفح ،هي تأتي من أجل زيادة الضغط على المقاومة الفلسطينية من اجل تخفيض سقف مطالبها وشروطها للتبادل ووقف إطلاق النار،هذا وإن كان صحيحاً ولكنه لا يأتي في المرتبة الأولى ،بل ربما الثانية أو الثالثة،فنتنياهو وأمريكا يبحثان عن نصر او صورة لم يتحقق حتى الان،ولذلك وقف هذه العملية والحرب العدوانية، يحتاج الى نصر أو صورة نصر تحفظ لنتنياهو وأمريكا وقوى الغرب الإستعماري ماء وجهها.


العملية البرية ضد رفح يجري التحضير لها على قدم وساق،ودون الإلتفات الى اعداد المدنيين الذين سيقتلون بها،رغم كل التحذيرات العربية والإقليمية والدولية والمؤسسات الأممية ،وكذلك ما سيترتب عليها من مواقف مصرية، فالحديث عن ان مصر ستعلق او تجمد إتفاقية كامب ديفيد ،لأن من شان تلك العملية ان تهدد أمنها القومي،لأنها ستجري على حدود بواباتها،ولكن يبدو ان " اسرائيل" ستضع مصر أمام الأمر الواقع ولاحقاً عبر أمريكا سيتم إرضاءها ومنحها حزمة من المساعدات الإقتصادية.


المقلق في قضية العملية البرية على رفح، هو جبهات الإسناد الممتدة من اليمن الى العراق فسوريا فجبهة الجنوب اللبناني،حيث القرار هنا واضح ،وقف عمليات الإسناد واستهداف القواعد الأمريكية في سوريا والعراق ومنع مرور السفن التي تحمل البضائع الى " اسرائيل" عبر الأحمر ،ومنع المستوطنين الذين تم اخلائهم من مستوطناتهم في الشمال من العودة اليها لن يتحقق، قبل أن يتوقف العدوان على قطاع غزة،وما يحمله "الحجيج" الكثيف لقادة سياسيين وعسكريين وامنيين وما يسمون انفسهم بالوسطاء وما يحملونه من رسائل تهديدية وترغيبية ومشاريع قرارات لتسويات سياسية على الجبهة اللبنانية، لن يتم الرد عليه والبحث فيه قبل توقف العدوان على قطاع غزة،والحزب يدرك بأن هدف كل هذا " الحجيج" حماية دولة "اسرائيل" وضمان عودة المستوطنين الى مستوطناتهم.


جبهات الإسناد لديها خطوط حمراء وقرارات واضحة، بأنها لن تسمح بهزيمة المقاومة في قطاع غزة،والهزيمة هنا تعني عدم قدرة المقاومة على المجابهة والمواجهة،فكلما زاد الضغط العسكري على قطاع غزة واقتربت المعركة البرية على رفح،كلما رفعت وزادت جبهات الإسناد من عملياتها التصعيدية،ولعل قيام حزب الله اللبناني يوم الثلاثاء13/2/2023 بإستهداف قواعد ومنشأت عسكرية حساسة في صفد،بمجموعة من الصواريخ النوعية والدقيقة،وكذلك ما سبقها بإستهداف مقر شرطة مستوطنة " كريات شمونة" بهذه الصواريخ التي لم تتمكن لا " القبب الحديدية" ولا "مقلاع داود" ولا منظومة " حيتس" الصاروخية من اعتراضها ،وجرعات التصعيد هذه والتي تجاوزت الخطوط الحمراء وقواعد الإشتباك المعمول بها على الجبهة اللبنانية ،تنذر بتحول نوعي في تلك القواعد وزيادتها بشكل كبير،خاصة إذا ما بدأت الحرب البرية على مدينة رفح،وعمليات التصعيد على الجبهة اللبنانية،والتي جزء منها أتى ويأتي كرد على إستهداف العدوان "الإسرائيلي" للمناطق المدنية في النبطية وبلدة حدرا في طرابلس وغيرها من المناطق والبلدات الجنوبية،والتي أدت الى سقوط أكثر من 11 شهيداً وعدد من الجرحى،كذلك واحد من اهدافها دعم وإسناد وتخفيف الضغط العسكري على جبهة قطاع غزة،وخطابي السيد حسن نصر الله يومي الثلاثاء والجمعة الماضيين ،وجه رسائل حاسمة في هذا الإتجاه، بالقول بأن لا مقايضة بوقف النار وأية ترتيبات سياسية على الحدود اللبنانية والسماح بعودة المستوطنين لمستوطناتهم،دون وقف إطلاق النار في قطاع غزة،وان الحزب لا يسعى لحرب شاملة،ولكن اذا ما أرادها الإحتلال " الإسرائيلي" فالحزب لن يخشاها وجاهز ومستعد لها،وسيلقن الإحتلال دروس لن ينساها،وتهديدات وزير حرب " اسرائيل" غالانت بأن طائراته في الجو وتحمل قنابل ثقيلة،ومستعدة للقصف لمسافة 50كم لن تخيفنا،ونحن خبرنا هذه التهديدات جيداً ولا نخشاها،وسيجد غالانت ومعه رئيس وزرائه، بأن عدد المستوطنين المهجرين لن يكون فقط 100 الف مستوطن،بل سيصبحان مليونين.


ولذلك ما نستطيع قوله حتى اللحظة بأنه على صفيح ساخن تتأرجح المنطقة، حيث فرضيات التفاوض على الطاولة للتوصل الى تهدئة تفتح باب إنهاء الحرب، ومقابلها مخاطر التصعيد تلوح في الأفق من جبهات غزة ومخاطر استهداف رفح والنازحين إليها. وبالتوازي التصعيد على جبهة لبنان ومخاطر اشتعالها، فيما جبهة اليمن تواصل استهداف السفن المشمولة بقرار المنع.