"رحلة الحياة، هي رحلة نحو النضج والتطور، وكل صدمة وكل ذكرى تشكّل جزءاً لا يتجزأ من هذه الرحلة". بهذه الكلمات اختزلت "رواية الرقص على نغم الرصاص" صدمات الحياة. إن جميع الأشخاص معرّضون للصدمات التي تشكّل ذواتنا، وقد تتفاقم الصدمة وتمتد لدى البعض، وتسبب لهم اضطراب ما بعد الصدمة أو الكرب، الذي يصعُب التخلُّص منه.
«سيّدتي» التقت الاختصاصي النفسي حازم بن عيدان؛ للتعرّف على اضطراب ما بعد الصدمة والطرق العلاجية.
تعريف الاكتئاب الذي يلي الصدمة
يُعرّف الاختصاصي بن عيدان اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD ) على أنه حالة صحية تتطوّر عند الاستجابة لتجربة أو مشاهدة حدثٍ محزن، يحدث على شكل تهديد بالموت أو الأذى الجسدي الشديد. تشمل الأحداث المؤلمة التي يمكن أن تؤدي إلى اضطراب ما بعد الصدمة، على سبيل المثال: الاعتداء الجسدي والعنف الجسدي، ويمكن أن يحدث اضطراب ما بعد الصدمة أيضاً في أعقاب حادث سيارة، أو كارثة طبيعية مثل: حريق، زلزال، أو حالة طوارئ طبية، أو أيّ حادث مفاجئ أو تخريبي.
يمكن لأيّ شخص نجا من تجربة مزعجة للغاية، أن يصاب بأعراض اضطراب ما بعد الصدمة. يعاني كلُّ مصاب باضطراب ما بعد الصدمة بشعور القلق أو الخوف؛ حتى في غياب الخطر أو الحدث الأساسي المسبِّب للاضطراب.
قد تظهر لدى بعض المصابين أعراضٌ تشبه القلق أو اضطراباً في النطق أو الغضب والعدوان، أو مزيجاً من تلك الحالات. وغالباً ما يجد أولئك الذين يعانون من اضطراب ما بعد الصدمة، أنهم مكتئبون ويعانون من صعوبة في العمل بشكل طبيعي في الحياة اليومية.
ما مدى شيوع اضطراب المشاكل النفسية بعد الصدمة؟
يعاني الكثير من الأفراد من حدثٍ صادم في مرحلةٍ ما من حياتهم، لكن نسبة صغيرة منهم فقط يصابون باضطراب ما بعد الصدمة. حسب آخر الدراسات في الولايات المتحدة، قد يعاني حوالي 3.5 في المئة من الأشخاص، من هذا الاضطراب، بمن في ذلك الأطفال. بالنسبة للبعض؛ فإن المحفّز ليس حادثاً مؤلماً واحداً، ولكنه سلسلة من الحوادث التي تحدث على مدى فترة من الزمن، كما هو الحال مع الاعتداء الجسدي خلال مرحلة الطفولة. ويُعتبر انتشار الاضطراب أعلى بين قدامى المحاربين في القتال؛ حيث يتراوح من 10 إلى 30 في المئة. يتعافى حوالي نصف المصابين باضطراب ما بعد الصدمة في غضون ثلاثة أشهر، ولكن بالنسبة للآخرين، تصبح الحالة مُزمنة.
ما هي أسباب اضطراب ما بعد الصدمة؟
ويعدد الاختصاصي حازم بن عيدان، أعراض اضطراب ما بعد الصدمة، الذي يطال الأشخاص من عمر 6 سنوات فما فوق؛ نساءً و رجالاً. ولعل أبرز أعراضه:
- الذكريات المؤلمة المتكررة عن الحدث الصادم.
- أحلام مؤلمة ومتكررة عن الحدث الصادم.
- الإحباط النفسي الشديد أو لفترات طويلة.
- حالة اكتئاب شديدة، قد يفقد معها المريض رغبته في الحياة.
- الحالة العاطفية السلبية المستمرة، على سبيل المثال: (الخوف، الرعب، الغضب والشعور بالذنب).
طرق علاج اضطراب ما بعد الصدمة
يمكن أن يساعد علاج اضطراب ما بعد الصدمة على استعادة الشعور بالسيطرة على حياتك. العلاج الأساسي هو العلاج النفسي (العلاج المعرفي السلوكي)، وقد يلجأ أحياناً الاختصاصي إلى وصف بعض الأدوية؛ للمساعدة على التخلص من هذا النوع من الاضطرابات.
وتشمل بعض التقنيات التي يستخدمها المعالجون عند تطبيق العلاج المعرفي السلوكي، ما يلي:
1- تعديل التشوّهات المعرفية.
2- تعريض المرضى للتذكير بالصدمة، بطريقة خاضعة للرقابة؛ لتمكينهم من مواجهة مِحنهم بدلاً عن تجنُّبها.
3- تثقيف المريض حول ردود الفعل الشائعة على الصدمات، والتخطيط للأزمات المحتمَلة، وتعليمه إدارة الإجهاد وتعزيز الاسترخاء.
تهدف هذه الطرق إلى مساعدة المريض المصاب باضطراب ما بعد الصدمة، على اكتساب فهْمٍ أكثر موضوعية لتجربته المؤلمة، وإعادة شعوره إلى السيطرة، والثقة بالنفس، وتحسين قدرته على التأقلُم والحدّ من سلوكيات التجنُّب.
المهارات المكتسبة من العلاج السلوكي المعرفي
يساعد العلاج المعرفي السلوكي باكتساب عدة مهارات لدى المصاب، تساهم بمساعدته مستقبلاً في حال تعرُّضه مرة أخرى لمثل هذا النوع من الاضطرابات، والتعرّف على طرق التخلُّص منها. ولعل أبرز هذه المهارات هي:
1- تعليم المصاب المهارات اللازمة لمعالجة الأعراض.
2- التفكير بشكل أفضل وإيجابي للمريض تجاه نفسه والآخرين والعالم.
3- تعلُّم طرق للتعامل مع الاضطراب في حال ظهور أيّة أعراض مرة أخرى.