آخر ما هدّد به رئيس حكومة الحرب المتطرفة الإسرائيلي بنيامين نتنياهو هو شن الحرب على رفح، وذلك في حال لم تنجز صفقة التبادل قبل حلول شهر رمضان، وإنجاز الصفقة يعني وفق منطقه أن توافق «حماس» على «إطار باريس»، هذا مع العلم أنها لم تشارك في صياغته، فيما شاركت إسرائيل مع الوسطاء في التوصل لذلك الإطار، عبر كل من مسؤولَي جهازَي «الموساد» و»الشاباك»، اللذين يتبعان مباشرة لنتنياهو، أي عملياً كان هو شخصياً الذي يحدد الموقف الإسرائيلي في مباحثات الإطار، لذا فليس من حق إسرائيل أن تعترض على الإطار، فيما من حقها فقط أن تناقش ملاحظات «حماس»، وليس من حقها أن تطالب بفرض ذلك الإطار على «حماس».
بالطبع يمكن النظر لذلك التهديد على أنه مجرد ورقة ضغط على «حماس» لتقبل إطار باريس كما هو، أو مع تعديلات طفيفة لا تغير من جوهره أو محتواه، حيث تظل العقدة هي ما بين قبول إسرائيلي أميركي بوقف مؤقت أو إنساني للحرب، وبين مطلب «حماس» بإنهاء الحرب، وعودة نازحي شمال ومدينة غزة إلى منازلهم بعد أن أجبرتهم النيران الإسرائيلية على تركها إلى جنوب القطاع، وبشكل محدد إلى رفح المكتظة بالسكان من مواطنيها، مضافاً إليهم أكثر من مليون نازح من مدينة غزة وشمال القطاع.
والحقيقة أنه لا شيء مخفياً مما يحدث في الحرب، لا ميدانياً حيث تتداول الفضائيات والسوشيال ميديا معظم التفاصيل، ولا سياسياً، لا على جانبَي الحرب ولا في إطار العناصر الأخرى المشاركة فيها بهذا القدر أو ذاك عسكرياً، كما هو حال كل من أميركا وبريطانيا مع إسرائيل، أو «حزب الله» والحوثي مع «حماس»، لذا فإن التهديد من قبل نتنياهو بشن الحرب على رفح المكتظة بالمدنيين في رمضان، لا ينطوي على «حماس» بالطبع، فهو تهديد فاشل، ذلك لأن معظم العالم يطالب بعدم مواصلة الحرب، هذا إذا لم يمكن وقفها، خاصة في رفح، وبالتحديد في رمضان، ومن ضمن هؤلاء شركاء إسرائيل، أميركا وبريطانيا، وشركاء نتنياهو من أجهزة الأمن التي تحذر من استمرار الحرب في رمضان، وهذا من دون رفح، إضافة بالطبع إلى مطالب جماهير متزايدة داخل إسرائيل، بعقد صفقة التبادل، أي أن الضغط بعقد الصفقة دون الرؤية الإسرائيلية التي ما زال يمثلها نتنياهو، إنما هو على نتنياهو، وليس على «حماس».
والضغط على نتنياهو يتزايد بالطبع، دولياً وداخلياً، وأميركا تريد الصفقة لاعتبارات انتخابية، كذلك فإن هناك عناصر ضغط أخرى، منها اقتراب استحقاق تقديم إسرائيل لتقرير ينفي عنها مواصلة حرب الإبادة، وذلك في ظل تزايد عدد الدول التي تنضم لجنوب إفريقيا في دعم ملفها القضائي، منها نيكاراغوا وإيرلندا، بلجيكا وإسبانيا، وأخيراً مصر، وما تعنيه مصر الشيء الكثير، خاصة حين يتعلق الأمر بفصل الحرب الأكثر دموية وإرهاباً إسرائيلياً، أي شن الحرب على رفح، في ظل تكدس السكان، وما يعنيه شن الحرب عليها من إيقاع ضحايا مضاعفة، وذلك بعد نحو خمسة شهور على الحرب، أي ليس في أولها، ولا بعد السابع من أكتوبر مباشرة.
وشن الحرب على رفح يعني أيضاً أن ورقة التوت تسقط عن إسرائيل هذه المرة، فهي أطلقت حربها المسعورة على شمال ومدينة غزة، في ظل ادعاءات بأنها وفرت ممراً آمناً للسكان، عبر مطالبتهم بالتوجه إلى الجنوب، ورغم أنها كانت تقصف الوسط، والجنوب أي خان يونس ورفح، في نفس الوقت، بل وتستهدف النازحين وهم يسيرون على الأقدام في شارع صلاح الدين أو شارع الرشيد، إلا أن شركاءها توافقوا معها على أنها وفرت ملجأ آمناً، لكن بشن الحرب على رفح، ليس هناك من ملجأ آمن تدعيه إسرائيل، فهي مضطرة لمطالبتهم بالنزوح مجدداً إلى الجنوب، الذي هو هذه المرة سيناء، أي أنها تطالبهم بتجاوز الحدود لداخل مصر، وهذا ما تعتبره مصر خطاً أحمر، تهدد بالرد عليه بتعليق اتفاقية كامب ديفيد، كأهون إجراء، فيما سيناريوهات إسرائيل الأخرى، غير عملية وتحتاج وقتاً، نقصد إقامة 15 مخيماً على الشاطئ، يضم كل واحد 15 ألف خيمة، وهي تعني حشر مليون ونصف المليون في مساحة أضيق من هذه التي هم محشورون فيها أصلاً، أي الـ 60 كم2، فيما يبقى الخيار الآخر هو عودتهم إلى منازلهم في مدينة غزة وشمال القطاع، وهذا ما لا تريده إسرائيل، لأنه يعني تماماً عكس هدفها الحقيقي وهو التهجير.
كما أن عودة النازحين من رفح لغزة ولشمال القطاع، يعني أن تعود معهم المقاومة، وأن تلك العودة تعني أيضاً إفشال المخطط الأمني الإسرائيلي، المتمثل بإقامة المناطق العازلة شرق وشمال قطاع غزة، وتعقيد محاولة إسرائيل إعادة مستوطني الغلاف لبلداتهم التي اضطروا للهرب منها، تحت وابل صواريخ المقاومة، أي أن خيارات إسرائيل بإرفاق قرار شن الحرب على رفح، بخطة تحمي المدنيين، كما تطالب واشنطن على الأقل، هي مستحيلة، لذا فإن إقدام نتنياهو على شن تلك الحرب قد يعني قلب الطاولة تماماً عليه، وحينها إن لم تتحرك واشنطن بموقف حقيقي أو بضغط كاف لوقف الحرب كلها، فإنها - أي أميركا - وليس إسرائيل، لن يكون بمقدورها الاستمرار في منع تطور الحرب إلى حرب إقليمية طاحنة ستحرق أصابع واشنطن، ولن تقتصر الحرب في إدخال مدن الغلاف في الجنوب والشمال الإسرائيليين فقط، بل ستدخل كل إسرائيل في حرب لم تجربها من قبل، حين كانت تشن حروبها على أرض الغير، فيما يبقى داخلها في منأى عنها، أي بلا خسائر لا بشرية ولا اقتصادية تذكر، وفقط كانت تخسر بعضاً من جنودها، وبعض معداتها وذخائرها التي تطلقها بالطبع، وهذه الخسائر، أي التي في العتاد والاقتصادية سرعان ما تعوضها عنها أميركا وغيرها، كما تفعل الآن أيضاً.
والتهديد بشن الحرب على رفح، يترافق مع توسيع نطاق وإطار الاشتباك مع «حزب الله»، والذي وصل مع قصف الحزب لصفد قبل أسبوع، والرد الإسرائيلي بمجزرتَي النبطية والصوانة، حيث وصلت دائرة الاشتباك إلى 40 كيلومتراً، على الجانبين بعد أن كانت نحو نصف هذه المساحة، وترافق ذلك مع تهديد «حزب الله» بأن الحرب تعني أن تصل صواريخه إلى إيلات، أي أن كل إسرائيل وليس فقط الجنوب والشمال ستدخل حرباً لا أحد يعرف مداها، وكل هذا إن حدث في رمضان، فإن كل ما جرى حتى الآن من إدارة للحرب بحيث بقيت في هذه الحدود، أي حرباً إسرائيلية على قطاع غزة، مع جبهات اشتباك مساندة، تتمثل في الضفة الفلسطينية وفي جبهتَي «حزب الله» وأنصار الله الحوثيين، والحشد الشعبي العراقي، مقابل المشاركة الأميركية والبريطانية في العتاد والاستخبارات في غزة، وفي صد الرفض العالمي بمجلس الأمن، وضرب الحوثي والحشد الشعبي عسكرياً.
أما فيما يخص الإعداد لمواجهة استحقاق شهر رمضان، الذي عادة ما يترافق مع مواجهات ميدانية حامية في القدس بالتحديد، فقد طالب وزير ما يسمّى الأمن القومي في حكومة نتنياهو بمنع صلاة أهل الضفة والداخل، أي كل من هو ليس من سكان القدس بالصلاة في المسجد الأقصى، وهذا أمر غير مسبوق، ذلك أن الحرم القدسي هو أولى القبلتين وثالث الحرمين، وليس مجرد مسجد محلي، يهم مسلمي المدينة فقط، ثم ما زال الأمر في دائرة الحوار الداخلي الإسرائيلي، بين المستوى الأمني، ممثلاً بالأجهزة الأمنية والجيش والمستوى السياسي ممثلاً خاصة ببن غفير، باعتباره مسؤولاً عن الشرطة وعن القدس، وقد تمخض ذلك الحوار حتى الآن عن السماح فقط لمن هم فوق الخامسة والأربعين بالصلاة في الحرم، والمقصود بالطبع الصلاة أيام الجمع فقط، في حين هناك تفاصيل، من مثل صلاة التراويح، وإحياء ليلة القدر، وكل هذا يدخل إسرائيل في حالة من الصدام السياسي أولاً مع الأردن، قبل أن يتفاقم الوضع ميدانياً.
وهكذا تذهب إسرائيل لأخطر رمضان في تاريخها، وفق وصف زعيم المعارضة الإسرائيلية يائير لابيد، بكثير من الاستخفاف، فالحرب حتى الآن كافية لأن يكون رمضان كذلك، فيما إضافة فصل الحرب على رفح الأكثر دموية سيعني أن تذهب إسرائيل إلى الكارثة حقاً، وهذا ما قاله رئيس الحكومة الإسرائيلية السابق زعيم المعارضة يائير لابيد، وليس أحداً آخر، على ذلك يبدو أن الأمور تسير في اتجاه أن يمضي الوقت حتى حلول شهر رمضان دون عقد الصفقة، ودون شن الحرب، أي أن يمر الوقت في مفاوضات إضافية حول الصفقة، وتأجيل حسم الحرب بين وقفها واستمرارها، بدخولها إلى رفح بعد رمضان.