يقول خبراء إن السعودية تسير على حبل مشدود للتوفيق بين نهج "السعودية أولاً" بما يتضمن الحفاظ على استقرار المنطقة من جهة وبين رغبة الرياض في زيادة دعمها لسكان غزة وقيام دولة فلسطينية مستقلة من جهة أخرى.
تلقي حرب إسرائيل على قطاع والشعب الفلسطيني بظلالها بشكل كبير على سياسات السعودية على الصعيدين الخارجي والداخلي.
وفي مقابلة مع DW الالمانية، قال سيباستيان زونس، كبير الباحثين في "مركز البحوث التطبيقية بالشراكة مع الشرق" (CARPO) ومقره في مدينة بون الألمانية: "لقد أضحى الوضع بالنسبة للسعودية بمثابة عمل حثيث لتحقيق توازن دقيق". وأضاف: "توفر الحرب الحالية إمكانية لتصحيح مسار امتد لسنوات من الالتزام السعودي القليل نسبياً تجاه الفلسطينيين، لكن في الوقت نفسه، تواصل السعودية - حارسة الحرمين الشريفين - جهود التطبيع مع إسرائيل".
ويرى مراقبون أن السعودية وإسرائيل قد اعتبرتا منذ وقت طويل أن عملية التطبيع تقدم مزايا سياسية واقتصادية لكلا البلدين بما يصب في صالح تعزيز الاستقرار في الشرق الأوسط.
ورغم عدم توقف قطار التطبيع، لكنه تعثر عقب هجوم 7 اكتوبر وحرب الابادة الجماعية التي تشنها اسرائيل على الشعب الفلسطيني وفق متابعة صدى نيوز.
وتلى هجوم 7 اكتوبر، قيام إسرائيل بشن عمليات عسكرية مازالت جارية في قطاع غزة أسفرت حتى الجمعة (16 شباط/فبراير 2024) عن اسنشهاد أكثر من 29 ألفا معظمهم من الاطفال والنساء، بحسب وزارة الصحة الفلسطينية.
ماذا عن التطبيع؟
ومع ذلك، يرى سامي حمدي، مدير شركة "إنترناشونال إنترست" للاستشارات الدولية ومقرها لندن، أن "الإصرار الواضح على أن التطبيع لا يزال ممكناً، رغم حصيلة القتلى الفلكية في غزة، يشير إلى أن السعودية ليس لديها في الواقع أي خطوط حمراء تدفعها إلى التخلي عن التطبيع (مع إسرائيل)".
ورغم ذلك، فإن الدعم السعودي للقضية الفلسطينية ينعكس بشكل متنامي على نهج الرياض تجاه عملية التطبيع.
وفي مقابلة مع DW، قال بيتر لينتل، الباحث في "معهد دراسات الشؤون الأمنية والدولية" في برلين (SWP): "لقد لاحظنا تهميشاً للقضية الفلسطينية خلال عملية التقارب بين السعودية وإسرائيل، لكن بعد الحرب، أصبحت العلاقة المحتملة مع إسرائيل مرتبطة مرة أخرى بالحل السياسي (للقضية) الفلسطينية".
وفي هذا الصدد، أفادت تقارير بأن الرياض قد أبلغت واشنطن في وقت سابق من الشهر الجاري بأنها لن تقيم علاقات مع إسرائيل، إلا إذا جرى الاعتراف بدولة فلسطينية مستقلة وانسحاب القوات الإسرائيلية من قطاع غزة.
وتجلى الموقف السعودي في بيان صدر عن خارجيتها للتحذير من "تداعيات بالغة الخطورة" في حالة حدوث هجوم إسرائيلي وشيك على مدينة رفح في أقصى جنوب قطاع غزة التي تستضيف أكثر من 1.3 مليون نازح.
وفي تعليقه، قال "سيباستيان زونس" إن بيان السعودية "وادانتها الحالية لإسرائيل يحملان في طياتهما مؤشراً جلياً على أن الرياض تحاول تقوية موقفها"، لكن مراقبين أشاروا إلى أن الغموض مازال يكتنف تداعيات ذلك على مسار التطبيع.
تنامي الدعم الشعبي لحماس
وأضاف مراقبون أن موقف الرياض يتزامن مع تغير المزاج العام في السعودية بشكل عام. ويقول مراقبون إن قطاعات من الشعب السعودي، الذي يدعم بشكل تقليدي الفلسطينيين وسعيهم إلى إقامة دولة مستقلة داخل حدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، باتت تعبر عن دعمها لحركة حماس المدعومة من إيران والتي تعتبر خصم الرياض اللدود رغم التقارب السعودي الأخير مع طهران بوساطة صينية.
ورغم عدم توافر بيانات رسمية عن اتجاهات المزاج العام في السعودية في ضوء أن السلطات لا تصدر استطلاعات رأي منتظمة أو موثوقة، إلا أن استطلاع أجراه "معهد واشنطن" البحثي والمعروف بدعمه إسرائيل وفق متابعة صدى نيوز، كشف عن أن الآراء الإيجابية تجاه حماس بين السعوديين قد تزايدت من 10% إلى 40% خلال الشهرين الأخيرين من العام الماضي 2023.
وفي ذلك، قال سيباستيان زونس إن "حماس تجسد المقاومة ضد إسرائيل، وبالتالي فهي أكثر شعبية بين السعوديين بعد السابع من أكتوبر/ تشرين الأول مقارنة بما كانت عليه قبل ذلك".
يتزامن هذا مع مساعي السعودية إلى تحقيق أجندة سياسية ترتكز على إعطاء الأولوية للمصالح السعودية، ما يعني أنها تقف على طرف النقيض من الأهداف الإقليمية للجماعات الإسلاموية المدعومة من إيران مثل حماس.
تحديات أمنية واقتصادية
وقال سامي حمدي، مدير شركة "إنترناشونال إنترست" للاستشارات الدولية إن "حل الأزمة الاقتصادية الوجودية عبر رؤية 2030 تمثل الأولوية رقم واحد للسعودية في الوقت الراهن".
وتشمل "رؤية 2030" الطموحة إصلاحات اجتماعية واقتصادية واسعة طرحها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان عام 2016 في إطار جهوده الرامية إلى جعل السعودية أكثر حداثة وتقليل اعتمادها على النفط كمحرك رئيسي للاقتصاد، إضافة إلى جعلها بيئة قادرة على استقطاب السياحة والأعمال التجارية وفق متابعة صدى نيوز.
وأضاف سلمي حمدي أن الأولوية الثانية تتمثل في أن "السعودية تعتقد إنها مازالت تواجه أزمة أمنية وجودية مع زحف الميليشيات الموالية لإيران على حدودها (مع اليمن)، لذا ترى الرياض أن تطبيع العلاقات مع إسرائيل سيساعد في إقناع الولايات المتحدة على إبرام ميثاق أمني مع الرياض على غرار الناتو من أجل الوقوف أمام النفوذ الإيراني". وشدد على أن السعودية لا ترى إمكانية في "التضحية بهاتين الأوليتين من أجل الفلسطينيين".
من جانبه، يعتقد سيباستيان زونس، كبير الباحثين في "مركز البحوث التطبيقية بالشراكة مع الشرق" (CARPO) أن الرياض قد تحاول ربط "أهداف السياسة الداخلية في إطار رؤية 2030 مع أهداف السياسة الخارجية بمعنى أن يكون الطرح المحتمل قائماً على القول بأن الأمر لم يعد يتعلق فقط بالتقدم الاقتصادي والتغيير الاجتماعي في السعودية بل يمكن أن يشمل خارطة طريق لإحلال السلام والتقدم في المنطقة بأسرها".