مَـن يلــوي ذراع الآخـــر؟

BGh5Q.jpg
حجم الخط

الكاتب: طلال عوكل


 

بينما يشتدّ الخناق دولياً وفي الميدان على إسرائيل، يواصل الرئيس الأميركي جو بايدن وإدارته، الإعلان عن أنّه لن يتخلّى عن دعمه لدولة الاحتلال، ومدّها بالأسلحة والذخائر، وبالطبع توفير الغطاء لعملياتها الحربية ضدّ الشعب الفلسطيني.
خلاف بايدن محصور برئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، وبعض وزراء حكومته المتطرّفين، وفي هذا السياق استقبلت الإدارة الأميركية بيني غانتس، دون رضا وموافقة رئيس الحكومة، كإشارة مهمّة إلى أنّ الولايات المتحدة قد تزيد تدخّلها لتغيير نتنياهو.
هذه الإشارة لا تعني أنّ بايدن وإدارته، ستتخلّى عن دعمها لمواصلة الحرب، لكنّه يرى بصريح العبارة أنّ نتنياهو يضرّ حسب رأيه بإسرائيل أكثر من مساعدتها بجعله بقية العالم تعارض إسرائيل وما تمثّله، ويعتبر ذلك خطأً كبيراً.
خلال الحديث ذاته يقول بايدن: «لنتنياهو حق الدفاع عن إسرائيل وملاحقة «حماس» ولكن عليه الاهتمام بالأرواح البريئة التي تُزهَق نتيجة لذلك».
بايدن يُظهر ارتباكاً شديداً في رؤيته للتعامل مع الأوضاع الجارية في قطاع غزّة، فهو يحاول الظهور بمظهر المتعاطف مع المدنيين الفلسطينيين الذين يتعرّضون للقتل والتجويع، وفي الوقت ذاته يدعم استمرار الحرب، ويواصل تقديم كلّ أشكال الدعم لحكومة الاحتلال.
بايدن وإدارته، تعرّض إلى أكثر من إهانة مباشرة من قبل نتنياهو، الذي تجاهل تنفيذ الكثير من طلبات الإدارة ونصائحها، بما في ذلك أنّه أفشل محاولات الإدارة، لتحقيق صفقة التبادل، وتجاوز الموعد الذي حدّده بايدن لإتمام الصفقة قبل حلول شهر رمضان.
بايدن ومساعدوه يعرفون أنّ إسرائيل هي التي تتحمّل المسؤولية عن فشل محاولات التوصّل إلى صفقة، تؤدّي إلى الإفراج عن الرهائن وتسهيل دخول المساعدات إلى قطاع غزة.
يعرف هؤلاء أنّ نتنياهو ليس مهتماً لا بوقف الحرب، ولا بالإفراج عن الرهائن، ولذلك فإنّه يرفض منح مفاوضيه الصلاحيات للتعامل مع ملفّ المفاوضات، لكن بايدن لا يمكن أن يقول الحقيقة، ويواصل تحميل «حماس» المسؤولية عن التعطيل.
يتظاهر بايدن بأنّه سيفرض على حكومة نتنياهو القبول باقتراح، أو مشروع إقامة ميناء في غزّة لاستقبال المساعدات، عَبر خطّ بحري بين قبرص والقطاع، حيث يدّعي أنّه سيفعل ذلك إن وافق نتنياهو أو لم يوافق.
وفي الحقيقة فإنّ هذه المبادرة تتمّ بالتنسيق مع حكومة نتنياهو حيث سيتمّ تفتيش السفن المحمّلة بمواد الإغاثة في ميناء لارنكا القبرصي، كما سيتمّ تفتيشها مرّة ثانية في ميناء أسدود قبل وصولها إلى غزّة.
ولو كان الأمر كما يدّعي بايدن، لكان أمر بإدخال شاحنات المساعدات من خلال معبر رفح والمعابر الإسرائيلية الأخرى، ولكان، أيضاً، رفع الحظر عن «الأونروا»، كمؤسّسة قادرة على استقبال وتنظيم عملية توزيع المساعدات على محتاجيها.
تكاد الولايات المتحدة، تكون الدولة الوحيدة التي لا تزال تصدّق الرواية الإسرائيلية الكاذبة بشأن «الأونروا»، ذلك أنّ بقية الدول التي لحقت بقرار الإدارة الأميركية لوقف تمويل «الأونروا» عادت عن قراراتها، وعادت كذلك، لتقديم الدعم المالي للمؤسّسة الدولية.
بعد الاستعراض الجوّي، لإسقاط مواد الإغاثة الذي بدأته دول عربية وبالتأكيد من خلال التنسيق مع إسرائيل، والتحاق فرنسا، ودول أخرى بما في ذلك الولايات المتحدة، لجأت الأخيرة إلى مبادرة نقل مواد الإغاثة بحراً، ما يثير الكثير من الشكوك حول أبعاد وأهداف هذه المبادرة، والجهة أو المؤسّسة التي ستقوم بتنسيق ذلك في القطاع، بعد استبعاد شرطة «حماس» و»الأونروا» والمؤسّسات الدولية.
الخوف من أن تكون أهداف هذه المبادرة، تحقيق ما فشلت فيه إسرائيل بالحرب من تحقيقه، بحيث تعمل السفن على اتجاهين: تفريغ مواد الإغاثة، والعودة بمن يرغبون أو يضطرُّون للهجرة.
الإدارة الأميركية تروّج إلى خطرٍ قادم، في شهر رمضان، في حال لم يتمّ وقف إطلاق النار المؤقّت، حيث يمكن أن تؤجّج الحرب مشاعر الفلسطينيين في الضفة الغربية و»الداخل»، وفي عموم العالمين العربي والإسلامي، ما يشكّل خطراً يهدّد بتوسيع الحرب على نحوٍ لا يمكن السيطرة عليه.
لذلك يُصرّ بايدن على متابعة المفاوضات، ويطلب من الوسطاء العرب الضغط على «حماس»، من أجل إبداء مرونة كافية، بينما يتجاهل دور إدارته في ضرورة كسر الخطوط الحمراء التي يطرحها نتنياهو وهي التي تتسبّب في فشل التوصّل إلى اتفاق.
كلاهما، بايدن ونتنياهو، لا يريدان لهذه الحرب أن تتوقّف قبل تحقيق أهدافها كما تعلنها الحكومة الإسرائيلية، لكن نتنياهو يريدها، مستمرة دون توقّف، بينما يريدها بايدن أن تتوقّف لأسابيع محدودة.
في الواقع فإنّ الميدان لا يسمح لنتنياهو بالمناورة، فهو لا يستطيع فتح ملفّ الحرب على رفح، لأسباب عديدة، منها أنّ ثمة ما يمكن اعتباره إجماعاً دولياً على رفض ذلك، ومنها أنّه بحاجة إلى خطّة لإخلاء مئات آلاف النازحين لكنّ الأهم هو سؤال: «ما بعد رفح؟».
هذا السؤال، سيضرب رأس نتنياهو وجيشه في الحائط طالما أنّه يروج بأنّها المعركة الأخيرة في مسلسل القضاء على «حماس» ولكن ماذا لو أنّه ذهب إلى رفح، وكرّر سيناريوهات غزّة وشمالها وخان يونس، حيث أعلن أكثر من مرّة عن أنّه دمّر قدرات «حماس» بينما الميدان يقول غير ذلك، بدليل استمرار الاشتباكات، واستمرار الخسائر في جيش الاحتلال؟
هل سيعلن نتنياهو الفشل والاستسلام، أمّ أنّه سيواصل حرب الإبادة الجماعية وحرب التجويع على السكّان في كافّة مناطق القطاع. في هذه الحالة فإنّ المرجّح أن يذهب نتنياهو لتوسيع دائرة الحرب في شمال فلسطين المحتلّة، مع مواصلة عملية الإبادة الجماعية في غزّة، وربما، أيضاً، تصعيد حربه على المسجد الأقصى، وفي الضفة الغربية.
المؤكّد أنّ الحرب مستمرّة، حتى لو تمّ الاتفاق على صفقة تبادل ترغم نتنياهو على قبولها والنزول عن الشجرة، ذلك أنّ المقاومة الفلسطينية لا تستطيع التخلّي عن شروطها، وما تملكه من أوراق قوّة.
إن كان التعب يظهر على جيش الاحتلال، فإنّ المقاومة لم تظهر أيّ إشارة على ضعفها، وقدرتها على المواصلة، وهو ما سيجبر الإدارة الأميركية على تشديد الضغط على حكومة الاحتلال من أجل إبداء المرونة اللازمة لإنجاح اتفاق الصفقة.