الفلسطينية هنادي حمود.. صاحبة أول فرن في مخيم شاتيلا تواجه مصاعب اللجوء بلا كلل

image-1710071509.jpg
حجم الخط

وكالة خبر

 تلفح النار وجه الفلسطينية هنادي صلاح حمود، صاحبة أول فرن في مخيم شاتيلا، أحد المخيمات في العاصمة اللبنانية بيروت، وقد واجهت لهيب الحرارة ومرارة الحياة والانتقادات معا، ولكنها لم تُبالِ في سبيل مساعدة زوجها في تأمين العيش الكريم وتعليم أبنائها، في ظل تداعيات أسوأ أزمة معيشية يشهدها لبنان منذ عدة سنوات.

وهنادي التي عاشت رحلة لجوء نكبة فلسطين والترحال من مخيم إلى آخر، نقلت الفرن معها كجزء من حياتها وأسرتها، حتى استقر بها الحال اليوم في منطقة وادي الزينة- إقليم الخروب، حيث يعيش آلاف الفلسطينيين واللبنانيين معا، وباتت أشهر من نار على علم في الفرن الذي أطلقت عليه اسم "الأصدقاء" تيمنا بمكتبة أمها التي نهلت منها القراءة والكتابة والثقافة من دون أن تُكمل تعليمها.

واجهت هنادي الكثير من التحديات والانتقادات معا لكنها واجهت الواقع بصلابة
 

رائحة الخبز ورحلة هنادي

داخل الفرن، تفوح رائحة الخبز الطازج الممزوج بالزعتر والجبنة الشهية، تأخذك في رحلة إلى قصة هنادي (50 عاما)، تلك المرأة الفلسطينية المكافحة العنيدة التي لا تستسلم أمام أي تحدٍ، فهي من بلدة دير القاسي قضاء عكا، ومن سكان مخيم شاتيلا في بيروت، وزوجة وأم لـ5 أولاد.

كل يوم وبلا عطل أو كلّل أو ملّل، تقف هنادي أمام فرنها، حيث تحيط بها نيران العمل، يخلو وجهها من مساحيق التجميل، ولا تظهر سوى تجاعيد وجه تعبر عن قصة مثابرة وإصرار.

تقول هنادي:
 

تروي للجزيرة نت بداية رحلتها وتقول، "لم أحب التعليم، على الرغم من أن والدي كان مديرا لمدرسة تابعة لوكالة الأونروا، وكان يصر على تعليمي وتعليم أخواتي. لكنني وصلت إلى الصف التاسع الأساسي وقررت ترك المدرسة، بدأت بتعلم تصفيف الشعر. وعملت في هذا المجال حتى تزوجت. بعد ذلك، توقفت عن العمل، لأنني كنت مشغولة بتربية أطفالنا الخمسة، اثنان من الصبيان و3 بنات".

وتستطرد، "صممت على تعليم أولادي بخلاف ما كنت عليه. ومع صعوبة الظروف المعيشية في ظل الأزمة الاقتصادية اللبنانية، قررت العمل لمساعدة زوجي الذي يعمل ميكانيكيا للسيارات، في تأمين احتياجات أولادنا، خاصة بعد انضمامهم إلى الجامعات وازدياد المصاريف والأقساط".

وتسترسل قائلة، "ابنتي فاطمة درست إدارة الأعمال، وابنتي سارة اختصت في دراسة الشريعة. أما ابني بكر، فقد وقفت إلى جانبه حتى أصبح مهندسا، ويعمل الآن في أوكرانيا، في حين ما زال الآخران يدرسان".

قررت أم بكر فتح الفرن لتحقيق حلمها في تعليم أولادها ليكملوا دراستهم الجامعية
 

التنقل بين مهن كثيرة

وتضيف هنادي للجزيرة نت، "قررت العودة إلى العمل وتنقلت بين مهن كثيرة، واستأجرت دكانا بمدرسة في منطقة برج البراجنة. وبعد مضي 3 سنوات وبسبب ارتفاع إيجار الدكان، قررت تركه، من هنا جاءت فكرة افتتاح فرن للمناقيش في مخيم شاتيلا، فاستأجرت محلا، واقتنيت الآلات اللازمة للعجن واشتريت الفرن وقوارير الغاز، ثم بدأت العمل".

وكونها أول امرأة تقف أمام باب الفرن، واجهت هنادي في رحلة عملها كثيرا من التحديات والانتقادات، لكنها واجهت الواقع بصلابة، "في بداية العمل في الفرن، سمعت كثيرا من الانتقادات، الناس من حولي يقولون لي لا يمكنكِ الاستمرار، هذه المهنة صعبة ولا يمكنكِ أن تتحمليها. من هنا، زاد إصراري على أن أثبت لنفسي أولا، ولمن حولي ثانيا، أن من يريد يستطيع".

هنادي تواصل عملها داخل فرنها منذ 8 سنوات ومستمرة حتى الآن
 

لماذا "فرن الأصدقاء"؟

وتقول "نزلت إلى الفرن كل يوم صباحا وبدأت بالعجن والرق والوقوف أمام النار، حتى أحيانا كنت أذهب لتوصيل المناقيش إلى البيوت"، وتضيف بثقة "لقد مضت نحو 8 سنوات منذ ذلك الحين، وها أنا أقف أمام باب النار في الفرن ومستمرة في العمل".

وأطلقت هنادي على فرنها اسم "فرن الأصدقاء"، وتقول إن "هذا الاسم يحمل معنى خاصا لي، إذ إن والدتي قامت بتأسيس مكتبة وسمتها مكتبة الأصدقاء، لذلك أردت الحفاظ على هذا الاسم الذي كانت والدتي تحبه كثيرا".

وحسب هنادي، "بات لي زبائن كثر، فالنجاح في هذه المهنة يعتمد على النظافة والخبرة والنفس الطيبة، والسعر الرخيص، والحمد لله أجمع بينهم جميعا، وأبيع منقوشة الزعتر بـ40 ألف ليرة لبنانية، ومنقوشة الجبنة بـ120 ألف ليرة لبنانية، والعجينة فقط بـ20 ألف ليرة لبنانية (الدولار يعادل نحو 79 ألف ليرة لبنانية)، كثير من الناس يحضرون معهم الزعتر والجبنة، وأنا أبيعهم العجينة، وأخبز لهم المنقوشة فقط".

ومن وقت لآخر، تمر هنادي بلحظات من التعب والإرهاق، بين العمل المتواصل لساعات طويلة خلال النار وبين الوقوف أمام الفرن وتلبية طلبات الزبائن والرد على اتصالات الطلبات "الدليفري"، لكنها لا تفقد الأمل أبدا. بدلا من ذلك، تلقي نظرة على الفرن المشتعل بالنيران، وتجد فيه القوة للمضي قدما، مدفوعة برغبتها في تحقيق النجاح وصنع فارق في حياة عائلتها.

وتردد دوما، "يكفي فخرا إنني أول امرأة فلسطينية تقف أمام باب النار في فرن داخل مخيم شاتيلا".

المصدر : الجزيرة