اكتشفت الشعوب العربية فجأة انها بلا حول ولا قوة ، بلا قيم او مباديء قادرة على تجسيدها بشكل جماعي حين يجد الجد، كالجد المستطير في قطاع غزة الذي يطول كل مظاهر الحياة بالأسلحة الفتاكة على مدار ستة أشهر. لم تنجح الشعوب العربية في نصرة هذا الشعب الشقيق الفقير المحاصر منذ عشرات السنين، ولم تنجح حتى في ادخال مساعدات بسيطة كالخبز والطحين والماء لكي يكسروا بذلك سطوة التجويع التي تتفنن الدولة العاتية مدعية الاخلاق والديمقراطية والدين السماوي الأول والجيش الذي لا يقهر ، في فرضه على الناس، وحتى عندما يهرعون لالتقاطه من السماء يتم قتلهم بالعشرات. لم تنجح هذه الشعوب الشقيقة في أبسط اشكال التضامن الاخوي كالخروج في المظاهرات حتى بعد أدائهم لصلاة الجمعة، معتقدين ان اداءهم صلاة الجمعة او أي صلاة أخرى هو هدف بحد ذاته، ولذلك يؤدونها وينفضّون بعدها كل الى منزله او مصلحته.
هكذا ينظرون الى صيام شهر رمضان الذي يحل علينا هذا العام ونحن في أسوأ حال، لا يدركون ان شعب غزة يصوم مجبرا عن الطعام والشراب منذ ستة اشهر في النهار والليل، ولا يجدون ما يكسروا به جوعهم حتى ولا على بصلة، دون أي جرم ارتكبوه او حتى فكروا في ارتكابه. ان غالبية من قتلوا أصلا هم أطفال لا يمتلكون ناصية الفكر والتفكير. قد لا أبالغ اذا قلت ان هذا الشعب المظلوم في غزة، وهو يفطر رمضان ليسد جوعا بهيميا هيمن على أمعائه وقتا طويلا، احب الى الله من الغالبية العظمى من صائمي جموع هذه الامة التي تجوع في نهارات رمضان لكي ترضي الله، متجاهلة عن عمد او عن جهل، ان الصيام ليس هدفا بحد ذاته، بل وسيلة لتحقيق هدف سام هو الشعور بجوع الفقراء الذين يعانونه على طول السنة وربما طول العمر. ما قيمة هذا الصيام نهارا و تناول ما لذ وطاب من الأطعمة ليلا ، وما قيمة ان يهدر الصائمون كل هذه الموائد الرمضانية، حتى ان رئيس بلدية في محافظة بيت لحم قال ان حجم النفايات في رمضان يزيد عن باقي الأشهر احد عشر ضعفا. ما قيمة صيام رمضان الذي كان رسول العرب و الإسلام يحب صيامه في الصيف و يجاهده بحد السيف، حتى عندما قامت فصيلة متدينة بمكافحة العدو نصرة للاقصى، انبرى لها أصحاب الدين الرسميين في أروقة الحكم ومنابر المساجد يتوعدونها بالحساب والعقاب ، ويحملونها مسؤولية ما ارتكبه الاحتلال ضد غزة من قتل وتدمير وتجويع ، وبت تسمع على لسان الجموع التي لا تفهم من رمضان الا الجوع في النهار والشبع حد التخمة في الليل، تكرار هذه الجملة التي سربها الاحتلال للإمام فمررها الأخير للقطيع. ان الكفار "احرار العالم" الذين لا يصومون رمضان ويخرجون في شوارع العالم نصرة لمظلوميتنا الطاغية، وقد تحرك الحيوانات في غابها، هم اقرب الينا من اخوتنا الصائمين الساكتين الخانعين.
مطلب أخير .. ان تخففوا من غلواء برامج الطبيخ على فضائياتكم، فنحن لا نملك حتى ان نشم رائحتها.