جاءت تصريحات زعيم الأغلبية الديمقراطية في مجلس الشيوخ الأمريكي تشاك شومر، ضد رئيس وزراء دولة الكيان العدو نتنياهو، كـ "صاعقة مفاجأة"، مضمونا وقيمة من قائلها بشكل خاص وفي توقيت هو الأكثر حساسية لحكومة تثير غضب غالبية دولية.
مطالبة شومر بأن يرحل نتنياهو كونه بات "عقبة في طريق السلام" ورافضا لـ "حل الدولتين" ومناديا بالذهاب لإجراء انتخابات جديدة في الكيان العدو، هي الأولى في تاريخ العلاقات الأمريكية الإسرائيلية، فلم يسبق أبدا، أن طالب مسؤول أمريكي، بهذه المكانة الرفيعة برحيل رئيس حكومة إسرائيلية، مرتبطا بأنه أصبح خطرا على السلام وليس على الكيان، فتلك هي السابقة التاريخية.
رد فعل التحالف الفاشي الحاكم على أقوال شومر، ورغم أنها بدأت كتحدي رافض لها، لكن الحقيقة كشفت هشاشة فريدة عندما ربطت موقفها بتعبير أن "إسرائيل ليست جمهورية موز"، وهي المرة الثانية التي يستخدم بها ذلك التعبير خلال أقل من شهر زمني، بعدما رد البعض منهم على تصريحات الرئيس الأمريكي بايدن بوصفه أن سياسة نتنياهو خطر على إسرائيل، وأن حكومته لا تمثل مصالحها.
استخدام تعبير "جمهوريات الموز" في الرد على الرئيس الأمريكي، ومن ثم على أعلى منصب برلماني للديمقراطيين، بديلا لما كان سائدا منذ عام 1948 وحتى عام 2024، بالحديث عن "علاقات استراتيجية عضوية لا فكاك منها ولها"، هو التحول الأبرز الذي يستحق التدقيق السياسي، كونه يستبدل رؤية بأخرى، ويفتح باب بعض "خراب سياسي" غير معهود، وشق طريقا لن يكون ترميمه بذات "السهولة السياسية" التي كانت تتم في محطات "تباين سابقة"، فما صدر فعل ورد فعل لم يكن له مثيل بينهما.
الأهمية السياسية لأقوال شومر أمريكيا وإسرائيليا، يراها الغالبية بأنها أكثر خطورة وأثرا من تصريحات الرئيس بايدن ذاته، ارتباطا بالشخص الذي أطلقها، فهو يعتبر أعلى منصب ليهودي أمريكي في الولايات المتحدة، الى جانب أنه الأكثر دعما لدولة الكيان طوال تاريخه السياسي، وأيام قبل تلك التصريحات كان يتحدث بكل انحياز لدعمها، وهو من وقف في مواجهة باراك أوباما 2015 رافضا الاتفاق مع إيران دعما لموقف حكومة دولة الاحتلال، وكان نتنياهو في حينها رئيسا لها.
تصريحات شومر، أصابت منظمة "الآيباك"، اللوبي اليهودي الأهم في الولايات المتحدة، بارتباك شديد، فهي تعلم يقينا "القيمة السياسية" له، ولذا لجأت الى أن تنأى بنفسها عن أي نقد صريح لما قاله، مكتفية بالحديث عن الدعم والدور الذي يجب أن يكون لصالح دولة الكيان، وهي محاولة لتخفيف الضرر فيما لو حاولت "العناد" السياسي، خاصة وأنها سقطت في أول اختبار تصويتي بعد انتخاب مرشح عن الحزب الديمقراطي على حساب من دعمت، ما يمكنه تعزيز مكانة "اليهود التقدميين" داخل الحزب الديمقراطي – تيار بيرني ساندرز.
تصريحات شومر، ذات دلالة سياسية تخدم موضوعيا مسار الموقف الفلسطيني بكل عناصره، خاصة بعدما ربط خطر نتنياهو بعملية السلام، وبأنه العقبة التي عرقلت الوصول اليه، ومعطلا تنفيذ "حل الدولتين"، ناقلا جوهر النقاش الدولي العام، من التلامس الناعم لمسؤولية دولة الكيان، الى الوضوح الكامل، وخاصة بعدما ربط ذلك بضرورة رحيله وإجراء انتخابات جديدة في إسرائيل.
ربما تمر تصريحات شومر، دون الاستفادة الوطنية الفلسطينية، في ظل واقع الحالة الرسمية – الفصائلية الغارقة ببحر الذات السياسية، وبأن معاركها تنحصر في حماية "مصالحها"، لكن أثرها سيبقى تفاعليا داخل دولة الكيان، وستترك بصمتها بشكل كبير لاحقا على مستقبله، رغم أن الآنية السياسية جاءت لصالح نتنياهو، من واقع "الخوف المسكون" الذي يحكم سكان دولة الكيان اليهود، من جبروت أمريكي لو وصل الى "نقطة الغضب" كما عبرت عنه غولدا مائير عام 1973، بعد حرب أكتوبر، لكنها أقواله لن تذهب كغيرها.
جوهر مطالبات شومر، بدأت تجد طريقها في دوائر يهودية في أمريكا ودول أوربية، وهي من المرات النادرة التي بدأ بعض اليهود الصهاينة يعلنون مواقفهم بذلك الوضوح السياسي، انطلاقا بما يمثله نتنياهو وتحالفه الفاشي من خطر على دولة الكيان، ومصالح الدول الاستعمارية في المنطقة، خاصة مع افتضاح جرائم الحرب والإبادة الجماعية، وما تركته مداولات "محكمة العدل الدولية" التي كسرت "محظورا" حول التعامل مع إسرائيل وفضح حقيقتها في بث مباشر للعالم أجمع.
تصريحات شومر ضد نتنياهو وخطره على المنطقة والسلام تمثل "شهادة سياسية ذهبية"، رغم أن معركة "تحالف فتح" مع "تحالف حماس" حول ملمح اليوم التالي أضعف بعضا من قيمة استخدامها، لكنها تبقى سلاحا مضافا في معركة الفلسطيني مع العدو الاحتلالي.
ملاحظة: حكومة العدو تتلاعب بقضية صفقة وقف الموت المؤقت لأهل قطاع غزة..رغم أن الأمريكان اعترفوا ان حماس تنازلت وبدأت منسجمة مع مطالب فريق باريس..لكن نتنياهو يراها غير هيك، لانه مش "مزنوق" وكمان بدوا يقول أنه مش "حاكم بسكوت"..والباقي عندكم!
تنويه خاص: مكانة رئيس المجلس الوطني الفلسطيني يجب أن تبقى "قبلة سياسية جامعة"..ومش لازم تنكسر هيبتها وسط "زوبعة برم فصائلي" مش كل حسبته وطنية.. القصة مش اللي كتب الكتاب بل المكتوب له وعليه..وهاي بدها حكي تاني!