متى يبدأ طفلك تجربة الصوم؟

GettyImages-1216359872-1710516462.webp
حجم الخط

وكالة خبر

تظل مسألة صوم الأطفال أمرا خلافيا بين مؤيد ومعارض، حيث الكثير من الحيرة بشأن تدريب الأطفال على الصوم تدريجيا أو الانتظار حتى سن البلوغ لبدء تجربة الصوم الكامل، ليبقى السؤال مع دخول شهر رمضان كل عام، حول السن المناسبة للصيام، والطريقة المثالية لشرح معناه الديني والأخلاقي للأطفال، بحيث لا تكون التجربة شاقة.

أسئلة عديدة وإجابات أكثر تسوقها الدراسات العلمية من ناحية وأطباء الأطفال من ناحية أخرى، بشأن الصيام وتأثيره على الأطفال من النواحي المعرفية والإدراكية والبدنية، كل بحسب عمره وصحته.

متى يصوم الأطفال؟

عشرات الأسئلة تمطر أطباء الأطفال بشأن السن المناسبة لصيام الأطفال، من بينهم الدكتور محمود بشير، استشاري طب الأطفال، وعضو الكلية الملكية بلندن، يقول للجزيرة نت: "ليس هناك دليل طبي واضح للرد على الأسئلة المتعلقة بصيام الأطفال بنسبة 100%، لذلك ألجأ أنا وغيري من الأطباء إلى خبراتنا، وتجاربنا الطبية القائمة على الملاحظة والمعايشة مع الأطفال في هذا الشأن.

يفرق بشير بين نوعين من صيام الأطفال، الصيام كفكرة وفعل، يقول: "حصر فكرة الصيام في منع الأطفال عن الطعام هو نقطة البداية من أجل حسم الحيرة التي تسيطر على الآباء والأمهات بشأن السن المناسبة لهذه التجربة، بينما الصيام كفكرة يجب أن نبدأ في تعليمها للطفل بمجرد اكتمال إدراكه وقدرته على الفهم والتواصل".

وتابع "هكذا يبدأ الوالدان في شرح معنى الإيمان والعزيمة، والثبات أمام المغريات، والتمسك بالأخلاقيات وكبح جماح النفس، والصيام عن الأفعال السيئة في سن مبكرة، ليتعلم الطفل جوهر فكرة الصيام، ومع الوقت، وتقليدا لمن حوله، سيحاول أن يصوم فيبدأ بالصيام التدريجي لعدة ساعات وصولا إلى العمر الذي يمكن أن يصوم فيه صياما كاملا".

وأضاف "بشير"، "هنا تختلف الآراء حيث يرى البعض أنه ببلوغ الطفل عمر الـ10 سنوات يمكنه أن يصوم صياما كاملا، إن كانت حالته الصحية تسمح بذلك، بينما يرى آخرون أن الصيام الكامل يتزامن مع البلوغ، وهو ذاته سن التكليف وهو في المتوسط عند 12- 14 عاما تقريبا، ولا أنصح أن ينتظر الأهل كل هذا الوقت لزرع فكرة الصيام ومعناه عند الطفل".

وينصح عضو الكلية الملكية بلندن بالبدء، عند السن المناسبة عقب التأكد من الحالة الصحية الجيدة للطفل، بالصيام التدريجي، منذ الصباح الباكر وحتى الظهر ثم إلى العصر، أو بالعكس من العصر إلى المغرب، ثم من الظهر إلى المغرب وهكذا حتى يشارك الطفل الأسرة لحظة الإفطار، مع التشديد على ضرورة الرجوع إلى الطبيب في حالة إصابة الطفل بأمراض مزمنة.

تأثير الصيام على الوظائف المعرفية للطفل

بعنوان "آثار شهر رمضان على الوظائف المعرفية لدى الأولاد الصغار"، اختبرت دراسة منشورة في مايو/أيار 2023 فرضية أن الصيام خلال شهر رمضان والذي يتضمن الامتناع عن الطعام والشراب من الفجر وحتى غروب الشمس، قد يؤثر على الوظائف المعرفية الأساسية للتطور الفكري لدى الشباب.

وقد انطلق الباحثون في هذه الدراسة من تلك الفرضية لفهم آثار الصيام على الوظائف العقلية، لدى الأطفال والمراهقين، وتحديدا على الوظائف المعرفية لدى الأطفال، بما في ذلك سرعة معالجة المعلومات، واتخاذ القرار، وعمليات الانتباه السمعي بين الأطفال والمراهقين الذين تتراوح أعمارهم بين 11 و15 عاما.

وأشارت الدراسة التي أجريت على 24 طفلا /مراهقا يتمتعون بصحة جيدة، إلى أن الصيام لم يؤثر على أي من سرعة المعالجة، أو أوقات رد الفعل المختلفة أو اتخاذ القرار، أو حتى على الاستجابة للأحداث غير المتوقعة، ما يعكس الحفاظ على الوظيفة المعرفية للأطفال في وقت الصيام.

النتائج ذاتها أثبتها مزيد من الدراسات، من بينها تلك التي بحثت أثر الصيام على التوتر والإدراك عند الأطفال من عمر 9 إلى 11 عاما، والتي خلصت إلى أن الصيام كان مفيدا في الاستدعاء الفوري للذاكرة قصيرة المدى.

مع ذلك ينصح الخبراء بمجموعة من التدابير في حال تزامن الصيام مع الدراسة، منها:

تخفيف الأنشطة البدنية والرياضية، تجنبا للجفاف والإرهاق، خاصة في الأجواء الحارة.

المرونة من جانب المدرسة والمنزل، في الواجبات المنزلية والامتحانات، عبر تخفيف الكميات، والتعاطف مع الأطفال الذين يحاولون المواءمة بين صيام أيام كاملة، ويوم دراسي كامل.

فوائد مثبتة وأضرار محتملة

برغم الفوائد المثبتة معنويا وبدنيا للصيام في السن الملائمة للأطفال الأصحاء، فإن هناك بعض المحاذير التي يتوجب الانتباه لها قبل اتخاذ قرار الصيام بالنسبة للأطفال، أهمها:

  • مستوى الحديد في الدم، حيث تشير دراسة حول الآثار الفسيولوجية والسلوكية العصبية لصيام رمضان لدى الأولاد في مرحلة ما قبل المراهقة والمراهقة، إلى أنه مقابل زيادة الأداء في مهام الذاكرة العاملة من حيث السعة والقدرة على التخطيط، كان هناك انخفاض ملحوظ في مستويات الهيموغلوبين ومصل الحديد بحلول الأسبوع الرابع من الصيام، لدى الصائمين من الأطفال في مرحلة ما قبل المراهقة، بينما كان الوضع جيدا للأطفال في مرحلة المراهقة، ما يتطلب الحيطة، ومراجعة الحالة الصحية للطفل، ونسب الحديد لديه، مع متابعة المؤشرات الخاصة به إن كان لا يزال بعد في مرحلة ما قبل المراهقة.
  • الإصابة بمرض السكري، ففي الوقت الذي يحرص فيه العديد من الأطفال والمراهقين المصابين بمرض السكري، من النوع الأول، على صيام شهر رمضان، ويستطيعون بالفعل صيام عدد كبير من الأيام، إلا أن السيطرة على نسبة السكر في الدم خلال بقية أيام الشهر، وأيضا خلال عيد الفطر تتدهور، ما يتطلب متابعة طبية دقيقة.
  • ممارسة الرياضة أثناء الصيام، قد يكون لها أثر سلبي على الأطفال الصغار، حيث يفضل أن يمارس الأطفال الرياضة عقب الإفطار في حالة الصيام، وبحسب دراسة حول آثار الصيام على قدرة الأطفال على العدْو، تبين أنه يمكن للطفل أن يستعيد نشاطه الرياضي بالنهار عقب مرور أسبوعين، على الأقل.
  • عدد ساعات نوم الطفل، فمع حلول شهر رمضان، وتغير مواعيد الوجبات، تضطرب الساعة البيولوجية لدى الكثير من الأطفال، وهو الأثر الذي تناولته دراسة أشارت إلى أنه في بعض الأحيان ينخفض انتباه الطلبة بسبب اضطراب أنماط النوم خلال شهر رمضان، وهو ما يمكن تلافيه عبر ضبط عدد ساعات النوم، وأوقاته.

المصدر : الجزيرة