إسرائيل في «حيص بيص»

تنزيل.jpg
حجم الخط

الكاتب: هاني عوكل


 

على الرغم من انعقاد جولة جديدة من المفاوضات في العاصمة القطرية، بمشاركة رئيس الوزراء القطري، ورئيس وكالة الاستخبارات الأميركية وليامز بيرنز، ومدير المخابرات المصرية عباس كامل، ورئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي «الموساد» ديفيد برنياع، إلا أن إسرائيل تفضل استكمال العدوان على غزة حتى تحقق أهدافها أو جزءاً منها.
في الأصل لا يريد رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، الدخول في أي مفاوضات مع حركة «حماس»، ويفضل الضغط عليها بسياسة الحديد والنار، لكنه يعير انتباهاً للوضع الداخلي الإسرائيلي والأصوات المتعالية التي تدعوه لإتمام صفقة مفاوضات تفرج بموجبها الحركة عن الإسرائيليين المحتجزين لديها منذ أكثر من خمسة أشهر.
الرأي العام الإسرائيلي الذي يشاطر قيادته السياسية ضرورة القضاء على «حماس»، وتوسيع العدوان نحو رفح جنوب القطاع، معني بالمضي قدماً في إتمام صفقة لتحرير المحتجزين في غزة.
المشكلة أن نتنياهو يواجه ضغوطات من مستويات عدة أفقية وعمودية، إذ يتعرض للضغط من بعض النخب السياسية، وعلى رأسها زعيم المعارضة يائير لابيد الذي يدعو إلى إبرام صفقة سريعة لتبادل الأسرى حتى لو كانت سيئة بالنسبة لإسرائيل.
حتى أن عضو مجلس الحرب ورئيس المعسكر الوطني، الوزير بيني غانتس، مهتم بالوصول إلى صفقة للإفراج عن الرهائن الإسرائيليين، وهو يرى أن نتنياهو مكبل اليدين من قبل بعض شركائه في الائتلاف الحكومي الذين يهددون بالاستقالة وفض الشراكة معه إذا مضى في صفقة لا تحقق متطلباتهم الأمنية والسياسية.
الشارع الإسرائيلي هو الآخر بدأ يتململ من حرب باتت تستنزف من طاقته وموارده الاقتصادية، في ضوء عدم تمكن إسرائيل من تحقيق أهدافها في غزة وانعكاسات هذه الحرب على دولة الرفاه، وهذا الشارع يعيش تناقضات رهيبة بين الوصول إلى وقف لإطلاق النار وعودة الحياة إلى مجاريها كما كانت في السابق، وبين مواصلة الحرب وتوسيع نطاقها حتى تشمل رفح.
كذلك يتعرض رئيس الوزراء الإسرائيلي إلى ضغط كبير ويتزايد يوماً بعد يوم من المجتمع الدولي وعلى رأسه الولايات المتحدة الأميركية، ويجري نقاش على صعيد الدول الصديقة والحليفة لإسرائيل بشأن توقف أو إعادة النظر في مسألة إرسال شحنات من الأسلحة كما هو حال كندا.
ثم إن «خازوق» الرئيس الأميركي جو بايدن الكبير هو تدني شعبيته بفعل دعمه الكامل لإسرائيل في عدوانها المتواصل على غزة، وتنامي الأصوات في الشارع الأميركي وفي الحزب الديمقراطي الذي ينتمي إليه الرئيس بشأن وقف العدوان، والضغط على تل أبيب لقبول صفقة تجنب قطاع غزة كوارث إنسانية ومجاعية.
لهذا السبب يضغط بايدن باتجاه إتمام صفقة، يريد أن يستثمرها في إعادة تحسين صورته وشعبيته خصوصاً أمام الناخبين العرب، وفي ذات الوقت يوفد وزير خارجيته إلى الشرق الأوسط للبحث في مرحلة اليوم التالي للحرب على غزة وآفاق العملية السياسية.
تحرك واشنطن للضغط على إسرائيل يأتي من ثلاثة عوامل، الأول أن سمعتها بدأت تتآكل على المستوى الدولي وتراها دول كثيرة شريكة ومنخرطة مع إسرائيل في هذا العدوان، والثاني متصل بمخاوف توسع جبهات الصراع وتجاوز منطقة الشرق الأوسط.
العامل الثالث يتمحور حول الصين التي تلتزم الحياد في سياستها الخارجية، وفي ذات الوقت تشتغل على نفسها وتطور من إمكاناتها التكنولوجية والاقتصادية، وواشنطن تريد أن تتفرغ لبكين لتفرمل نفوذها خصوصاً في بحر الصين الجنوبي.
لكل هذه الأسباب يتعرض رئيس الحكومة الإسرائيلية لضغوطات بشأن إتمام صفقة في الدوحة، لكن قلبه وعقله يرفضانها تماماً وهو يسعى لشراء وقت حيث يمكنه تحقيق بعض الأهداف في غزة، من قبيل استهداف قيادات «حمساوية» من العيار الثقيل، أو تحجيم قدرات الحركة تماماً في المناطق التي اجتاحها الاحتلال.
حتى هذه اللحظة لا أحد يعلم إذا كان نتنياهو سيذهب بالفعل إلى رفح، وإذا كانت هناك خطط جاهزة لإزاحة النازحين الفلسطينيين من هذه المحافظة إلى ما تسمى المناطق الآمنة أو الجزر الإنسانية، أو أنه سيستجيب للضغوطات الدولية ويعتبرها منطقة مُحرّمة.
ما يفعله نتنياهو في هذا الوقت هو تغليب مصلحته الضيقة، حيث يجد في إطالة العدوان فرصة لتحسين وضعه الداخلي، خصوصاً أنه لا يريد من هذه الحرب أن يخرج بخفي حنين.. نعم نتنياهو يتطلع إلى الإفراج عن المحتجزين الإسرائيليين بأقل خسائر ممكنة، وفي نفس الوقت ضمان استقرار ائتلافه الحكومي وإنهاء حكم «حماس» في غزة.
النتيجة أنه لن يتمكن من تحقيق أحلامه في غزة، وعلى الأرجح أن حياته السياسية ستنتهي بإتمام الصفقة في الدوحة أو دونها، وكذلك ستنتهي إذا ما قرر توسيع العدوان على رفح أو تركها في حالها... العبرة في الوقت المتبقي، ونتنياهو سيترجل من منصبه لا محالة.