كما للصداقات الجيدة تأثير شديد الإيجابية على مساعدة الأطفال على النمو العقلي والنفسي والاجتماعي، فإن الصداقات السامة قد يكون لها تأثير سلبي على طفلك، ومن خلال السطور التالية يمكنك التعرّف على بعض العلامات التي تخبرك أن طفلك لدية علاقة صداقة سامة، وإليك كيفية التصرف في هذه الحالة.
الصداقة السامة وتأثيرها
وجدت دراسة، نُشرت في يونيو/حزيران عام 2011 بمجلة علم النفس المدرسي الدولي، أن حوالي 8% من ضحايا التنمر اللفظي أو الجسدي كانوا يصفون المعتدي بأنه "صديق" لهم، وأضافت الدراسة أن هناك نحو 12% من المعتدين وصفوا الضحايا بأنهم أصدقاؤهم.. فهل تتخيل وجود طفل متنمر في حياة ابنك يؤذيه بكلمات حادة أو سلبية في إطار علاقة قد يصفها الطرفان بأنها "صداقة"؟
وقد أوضحت دراسة، نُشرت عام 2014، أن الصداقات الصحية لها تأثير إيجابي على الصحة العامة والرفاهية، ويمكن للصداقات الصحية أن تخلق بيئة يستطيع فيها الأطفال تطوير كفاءاتهم الاجتماعية وبناء احترامهم لذاتهم، والأطفال الذين ليس لديهم أصدقاء منذ الطفولة هم أكثر عرضة بثلاث مرات تقريبا للإصابة بمستويات عالية من الاكتئاب والقلق والشكاوى النفسية الجسدية، وأكثر عرضة بمرتين للإصابة بمستويات عالية من العدوان وفرط النشاط وعدم الانتباه.
أما الصداقة غير الصحية قد تكون أكثر ضررا من عدم وجود صداقة من الأساس، فالصداقة السامة قد تدفع الطفل لارتكاب سلوكيات سلبية، وقد تجعله يفقد ثقته بنفسه أو يكف عن بعض الأفعال الجيدة التي كان يقوم بها سابقا، مثلا، قد يكون لدى طفلك صديق متنمر، ما قد يجعله يفعل أي شيء حتى لا يكون أحد ضحايا سخرية هذا الشخص، وقد تؤدي تلك الصداقات إلى شعور طفلك بالسوء تجاه نفسه أو الآخرين.
علامات الصداقة السامة
توضح أنجيلا كالدويل -معالجة مرخصة للزواج والأسرة في كاليفورنيا- لصحيفة نيوزويك أن العلامة الأولى على وجود علاقة صداقة سامة في حياة طفلك هي تخلي الطفل عن ممتلكاته الثمينة أو وقته أو صداقات أخرى من أجل هذا "الصديق"، مضيفة أن الصداقات الصحية لا تتطلب الكثير، وأن الأصدقاء الجيدين ليسوا متملكين.
وتابعت أنه مع الوقت قد يصبح الطفل متوترا بسبب هذا الصديق السام، ومن الطبيعي أن يكون الصديق الجيد مصدرا للراحة والاطمئنان وليس مصدرا للتوتر.
أيضا، تتضمن الصداقات الصحية التعاون والتآزر، ولكن نادرا ما تتواجد هذه الخصائص في الصداقة غير الصحية، بدلا من ذلك، من المحتمل أن يكون هناك صديق هو المسؤول، ويتفرد باتخاذ جميع القرارات، ورغم هذه السيطرة، قد يبذل هذا الصديق القليل من الجهد لأجل الصداقة، ويتوقع من طفلك أن يبذل لأجله ولأجل صداقته كامل الجهد.
علامة أخرى يجب ملاحظتها وهي عندما يبدأ طفلك في الشعور بالسوء تجاه نفسه، بناءً على آراء صديقه أو تصرفاته، ونصحت كالدويل الآباء بالانتباه وعدم إغفال أي تغيرات قد تطرأ على سلوك الطفل أو مشاعره، سواء أكانت هذه المشاعر حزنا أم انعزالا أم غضبا، خاصة عند دخول شخص جديد لحياته.
كذلك، غالبا ما تتضمن العلاقات السامة الكثير من "الدراما"، إذا كان يبدو دائما أن هناك شيئا دراماتيكيا يحدث في صداقة طفلك بشخص ما، مثلا، قد يقوم الصديق بمشاركة معلومات خاصة درامية أو الكذب أو التلاعب بطفلك عاطفيا، أو إشعار طفلك الدائم بالذنب أو العبوس المستمر في وجهه للحصول على ما يريد.
الغيرة أيضا قد تكون عنصرا أساسيا في الصداقات غير الصحية، سواء كانت الغيرة هذه تتمثل في شكل حسد على لعبة جديدة أم ضيق من إنجاز حققه طفلك، أو غيرة من وجود صديق آخر، والثابت هنا هو أن الصداقات غير الصحية نادرا ما تكون داعمة أو مشجعة.
كيف يمكنك مساعدة طفلك؟
توضح ميشيل ريسر، أخصائية الصحة العقلية، أن الأطفال الصغار قد لا يفهمون كيف تكون الصداقات السامة، وقد لا يدركون أن صداقتهم غير صحية، وتضيف أنه في حالة الأطفال الأكبر سنا، فيمكن أن يساهم ضغط الأقران، أو الرغبة في الاندماج وسط مجموعة من الأصدقاء أو حتى ضغط وسائل التواصل الاجتماعي في أن يتورط الطفل في مواقف وعلاقات اجتماعية غير صحية.
لمساعدة طفلك على تجنب الصداقات السامة سيكون عليك تعريف طفلك من الأساس ما المقصود بالصداقة وما أهميتها في حياته، ثم تعريفه المقصود بالأصدقاء "الجيدين" ودورهم في شعور المرء بالمشاركة، ومساندته في أزماته، ومشاركته في أوقات الفرح والشعور به، واحترام مشاعره.
توضيح هذه المفاهيم بإمكانه مساعدة طفلك على تحديد الأشخاص الذين قد يكون من الجيد قضاء الوقت معهم.
بعد هذه الخطوة الأولى سيكون من المهم التعرّف أكثر على شخصية طفلك وسماعه، وملاحظة كيفية تفاعله مع أصدقائه، وتحديد المشكلات التي قد تواجهه في علاقاته، كما أن الاستماع لطفلك واستخدام الأسئلة المفتوحة بينكما يُبقي التواصل الفعّال معه، وعند توافر التواصل الفعّال هذا من المرجح أن يلجأ إليك طفلك ويتحدث معك حول أي مشاكل قد تطرأ في علاقاته خارج المنزل.
إذا كان طفلك قد تورط بالفعل في علاقة صداقة سامة، فسيكون عليك تشجيعه على وضع مسافة بينه وبين صديقه، كما يجب أن يدرك طفلك أن البقاء واستمرار التواصل مع صديق لا يعامله بلطف واحترام هو أمر يمكن أن يُسبب له الكثير من التوتر والألم.
هنا يجب التحلي بالصبر والحكمة للتعامل مع الأمر بهدوء، لأن طفلك قد يبدي بعض المقاومة، ويرفض فكرة الابتعاد عن صديقه، وقد يكون من المفيد مساعدة طفلك على رؤية ما يحدث بوضوح، وكذلك مساعدته على تسمية مشاعره ومناقشة مخاوفه بشكل مباشر بشأن هذا الصديق.
وإذا لم يكن طفلك يستجيب للنهج المباشر، يمكنك أن تكوني أقل مباشرة، وأن تتحدثي معه بشأن التغييرات التي لاحظت أنها قد طرأت عليه مؤخرا، ثم اطلبي منه أن يوضح لك سبب هذه التغيرات من وجهة نظره.
أثناء محاولة الابتعاد عن الصديق السام، سيكون عليك أيضا أن تساعدي طفلك على إقامة علاقات صحية مع أشخاص آخرين، وتشجعيه على تجربة أنشطة جديدة أو استكشاف اهتمامات جديدة، وشغل نفسه بالعديد من الأشياء، حتى يتمكن بسلاسة من الانسحاب من الصداقة السامة.
المصدر : الجزيرة + مواقع إلكترونية