توقفت عن الكتابة في المواقع والصحف في نهاية عصر الكورونا ورفضت الظهور على الفضائيات من حينه ولم اكتب سوى مقالات قليلة في المناسبات. والسبب ما قاله امير الشعر المتنبي:
حَتّى رَجَعتُ وَأَقلامي قَوائِلُ لي
المَجدُ لِلسَيفِ لَيسَ المَجدُ لِلقَلَمِ
فالكلمة فقدت أثرها منذ بداية عصر الموبايل وادوات التواصل .بل ان مقالة ما يتم اجتزاء جملة منها او عبارة من تحليل تلفزيوني فتجد جيوشا الكترونية تهب عليك من كل حدب وصوب دون ان تكون على بينة مما قلت او كتبت فهناك جموع مجهزة من الجهلاء والأغبياء تنتظر إشارة للهجوم دون مبرر. وفي الملحمة الجارية ربما لم اقل كلمتي رغم الحاح الكثيرين من الزملاء والفضائيات على استجوابي ذلك ان ما اراه قد لا يعجب احدا من دعاة المقاومة عن بعد ولا من القاعدين المتخمين كالمتفرجين ولا المناضلين اللفظيين فلا يمين سيرضى ولا يسار فالتجييش الحزبي وصل مرحلة الجمود السلبي عندنا.
أذكر هنا في آخر مقال نشرته في صحيفة خليجية وهي على شفا التطبيع انني قلت ان من يظن ان اسرائيل ستدافع عنه ضد ايران فهو واهم لأن اسرائيل أوهن مما يظنون وان اليهودي طبقا لشريعته لا يسفك دمه من اجل غير اليهودي وان الصراع بين اسرائيل وايران هو لإقتسام الكعكة العربية اي مناطق النفوذ في البلاد العربية ولن يتحاربا الا على الارض العربية. وبعد التطبيع قيل لي لم لا تواصل فقلت عما سأكتب ان بات المس باسرائيل محرما فقيل لي اكتب عن التبن او عن الصين وعن افريقيا الخ. فاعتذرت وقلت إنما الرزق على الله وهو ما تكرر مع القنوات الفضائية .
وفي حالتنا الآن قد لا تستسيغ حماس ما اقول وقد لا يستسيغ من هم على خصومة معها ما اقول.فهجوم اكتوبر يخفي الكثير مما سيبقى من الاسرار فهل وعد السنوار بتدخلات ايرانية مباشرة مثلا وهل لم يخطر بباله ان ايران لن تضحي بمكتسباتها في الجسم العربي في العراق واليمن ولبنان وسوريا من اجل رمال غزة ، فهي قد تضحي بورقة غزة لكن ليس بالأوراق الأخرى . كان السنوار يدرك ان الاحتلال لن يترك حماس تتجذر في غزة بقوة وتدعم قوتها وكان يدرك ان نتنياهو سيوجه لها ضربة عسكرية مميتة وقد كشف النقاب قبل اكتوبربسنين ان هناك خططا اسرائيلية جاهزة للإنقضاض على غزة تتكلل بافراغها من سكانها كليا ودفعهم الى سيناء ، ولذلك لاحظنا ان مسؤولين اسرائيليين تحدثوا منذ البدء عن اقامة مدن في سيناء وتوزيع اهالي غزة علي بقية الدول العربية وعرضوا خرائط ولوحظ ان الهجوم البري الاسرائيلي بدأ من الشمال وليس من الوسط قبالة خانيونس حيث تركز هجوم اكتوبر للقسام فالهدف كان تدمير غزة وتهجير السكان نحو الحدود مع مصر .ولهذا خطط السنوار للهجوم بعلم قلة في الخارج من منطلق ضربة استباقية فهو لا يستطيع الاستمرار في حالة التصالح مع الاحتلال الى سنوات مقبلة لأنه سيفقد الدافع الاساس لبقائه هو كقائد يفرض الضرائب تحت مسمى المجهود الحربي . ولم يكن السنوار يتخيل هذا الإنتصار السريع على الجيش الذي لا يقهر فقد بنى تحصيناته واسلحته تحت الارض في فترة الدولار القطري ،وكان نتنياهو طلب تدخل كوشنر ابان مسيرات العودة لوقفها وأرسل مع كوشنر موفدا منه الى قطر الصراف الآلي لجماعة الاخوان لهذا الغرض لكي تخصص قطر منحة شهرية لغزة بدلا من الحقائب التي كان ينقلها العمادي تحت نظر نتنياهو، وتم له ما أراد وظن انه بهذه الحقائب الدسمة بواسطة العمادي سيحيد حماس ويخرجها من الصراع مثلما فعل اسلافه عندما تبنوا المجمع الاسلامي في غزة وسمحوا له بجلب الاموال من الخارج واقامة المؤسسات لأن شعارهم كان محاربة منظمة التحرير العلمانية وظنوا انهم وجدوا حزبا اسلاميا الى جانبهم الى أن اندلعت الانتفاضة الاولى واضطروا الى الالتحاق بها وتغيرت الاحوال مثلما فعل الانجليز مع جماعة الاخوان في مصر ،عندما دعموها لمحاربة الاحزاب الوطنية المنادية بالاستقلال في مصربعد الحرب العالمية الاولى . نتنياهو كان يعيش وهم الهدوء وكظم السنوار غيظه وهو يشاهد الجهاد الاسلامي تتعرض للقصف اكثر من مرة ولا يشارك لأنه كان منهمكا في التخطيط لمعركته الكبرى ونجح في تهجير القيادة السياسية المدججة بالمال الى الخارج حتى لا تتطفل على انشطته وتفسد مشروعه ودخل تحت حماية المظلة المصرية بالتعاون معها في مكافحة عناصر داعش في سيناء.
واذكر ان قياديا على صلة بالسنوارفي السجن وما بعده التقى معه في القاهرة في اول خروج له سنة 2018 وأسر له ان ما من قوة تزحزحه لأنه يصنع السلاح ويقيم مدنا تحت الارض. واستغربت ما نقل عنه في حينه لظني انه يتحدث عن مجرد انفاق وقلت ذلك لبعض الاصدقاء وباتوا يقتبسونه بعد معركة اكتوبر الاسطورية.
خلاصة القول ان السنوار كان يفكر وحيدا ربما مع قلة في الخارج في مشروعه وما جرى من نقاش حوله في اجتماعات قليلة شاركت فيها بعض الفصائل في طهران وبيروت قبل بدء الهجوم ، لكن السؤال هل تم تضليل السنوار من حلفائه فظل وحيدا! ام كان لا يتوقع مثل هذا الانتصار السريع ولم يكن يتوقع الرد الكثيف من الاحتلال والتجييش الغربي السريع اعلاما وعسكرة المنطقة لحماية المشروع الاستيطاني !لا اعلم فالرجل لم يقل كثيرا منذ بدء الحرب ولم يكن اي قائد عسكري حديث يدخل معركة كهذه دون حليف خارجي .
طبيعة السنوار انه مسكون بالهوس الأمني ولهذا نجح في التخطيط والترتيب والاستعداد لهجومه بعيدا عن العسس الاحتلالي واجهزته الحديثة . منذ نعومة اظفاره كان يكره العملاء والجواسيس ويظهر ذلك في روايته التي هي سيرته الذاتية التي نشرها سنة 2004 وكان التركيز على كشف العملاء والخونة اهم من العمل المقاوم لأن العمل المقاوم لا يفسده سوى العسس وهم اخطر على المقاومين من الاحتلال كما نفهم من كتابه ذاته. ولعل في حكاية ابن عمه ابراهيم الحمساوي والتخلص من شقيقه حسن المتهم بالعمالة تعطي صورة عن صبره وجلده في مراقبة ثم التخلص من حسن اولا وفايز الصديق الحميم لابن عمه ابراهيم فقد كان ابن عمه قدوته ومعلمه في هذا المسار بعكس اخيه الفتحاوي المهندس محمود خريج مصر الذي كان على خلاف مع ابراهيم لأن الإخوان المسلمين تآمروا على عبد الناصر.
ومثلما فعل السنوار برفقة ابن عمه في كشف العميل فايز وصبروا عليه طويلا وظلوا يعاملونه باحترام ويدخل بيتهم مثل عادته لمدة طويلة الى ان حانت اللحظة وقام ابن عمه بتصفيته في ظروف جعلته وكانه قتل برصاص الاحتلال فقد مارس السنوار الخديعة نفسها مع نتنياهو فاقتصر العداء معه على قصف متبادل في اماكن فارغة وعندما اشتبكت الجهاد مع اسرائيل مرتين لم يتدخل فهو يريد الحفاظ على الهدوء الذي طلبه العمادي وفي اثناء ذلك وافق على التنسيق الامني مع الاحتلال لحماية الحدود وكانوا يطاردون ويعتقلون من يطلق رصاصة او صاروخ .ثم للتمويه اشرف على انتاج مسلسل تلفزيوني حول التحرير في عملية عسكرية اسطورية حتى انها تتطابق في مشاهدها مع فصول هجوم اكتوبروكأنه اشرف شخصيا على كتابتها واخراجها ، وقام بتكريم الممثلين الذين شاركوا في المسلسل وأغلبهم استشهد في الحرب الحالية مع المخرج ، بل اردف ذلك بحلقات دراسية اكاديمية عن ما بعد التحرير وادارة المدن والمصانع في المدن المحررة .ولم يعر الاحتلال هذه الاعمال الدراسية ولا المسلسل ولا المناورات التي كانت تجريها كتائب القسام قرب السياج اهتماما جديا من الاحتلال واجهزته الالكترونية في الرصد ولا التحذيرات لأن نتنياهو الذي كان يعتبر الانقسام الفلسطيني ذخرا استراتيجيا له يمنع قيام دولة فلسطينية كان غارقا في احلام اليقظة ،وكان يحسب وقادة اجهزته العسكرية الف حساب لمناورات حزب الله في جنوب لبنان وتسليحه من ايران.بل ان السنوار في جلسات الحوار في القاهرة لم يعترض مع الشهيد العاروري على تشكيل حكومة ذات سلاح واحد وقال انه يضع سلاح حماس تحت تصرف الحكومة المقبلة وهو ما استغربه الراعي المصري للحوار وابدى ارتياحه.