يوم الأحد سوف تقسم الحكومة الفلسطينية التاسعة عشرة اليمين الدستورية أمام الرئيس محمود عباس.
ونظراً لأن الحكومة تشكلت بمرسوم منه، ولعدم وجود برلمان يمنح أو يحجب الثقة عنها، فإن ثقة الرئيس بها تكفي، وبالفعل أُعلن عبر مرسوم رئاسي عن ثقته بها.
الحكومة التاسعة عشرة ولدت بعد إلحاح دولي بتشكيلها كي تؤدي مهام اصلاح حال السلطة الوطنية، لتكون قادرة على حمل أعباء المرحلة القادمة، وهي الأكبر والأثقل في تاريخ الشعب الفلسطيني منذ بدء قضيته الكبرى قبل ثلاثة أرباع القرن.
هذه الحكومة التي تشكلت بمرسوم رئاسي ومطلب دولي، خلت من الأسماء التي تنتمي إلى الطبقة السياسية التي عنوانها الفصائل.
وهذا بحد ذاته أهم الشروط التي وضعها العالم للقبول بها، دون تحديد واضح بما سيلتزم به من دعم مباشر وفوري لها، خصوصاً وأن هذه الحكومة ستبدأ عملها من دون الصفر، فهي ترث حكومات أثقلت كاهل الفلسطينيين بالديون، بما في ذلك ديون منتسبيها أي الموظفين الذين يصل عديدهم إلى ما يقارب المائتي ألف، إضافة إلى ديون البنوك التي بلغت المليارات، ذلك مع تناقص فادح في دعم المانحين واقتطاعات أكثر فداحة من المداخيل التي تتحكم بها حكومة الاحتلال، وإلى جانب ذلك كله فإن خسائر الحرب المتواصلة على غزة، تعاظمت على صعيد الضفة من خلال فقدان أحد الموارد الأساسية للاقتصاد الفلسطيني وهو العائدات الضخمة للعمال الذين وللشهر السادس على التوالي لم يضخوا في عجلة الاقتصاد الفلسطيني "شاقلاً" واحداً.
المواطن الفلسطيني لن يحاسب الحكومة التاسعة العشرة على عدم وفائها بالمهام الكبرى التي تضمنها كتاب تكليفها مثل استعادة وحدة الوطن والإشراف على ادخال المساعدات لاهل غزة، وتنظيم وإدارة عملية إعادة الاعمار، فتلك أمور أكبر بكثير من إمكانيات حكومة تقنية، بل ربما أكبر من إمكانيات العالم كله.
ولأن مطحنة الأحداث ودوامة المصائب التي حلّت بالشعب الفلسطيني وما تزال فرضت عليه أن يكون واقعياً في مطالبه ورهاناته سوف يخضع حكومته التاسعة عشرة إلى قاعدة تقويم موضوعية أساسها إحداث تغيير إيجابي في حياته، وبالقدر الذي يطمئنه على حاضره بحدوده الدنيا ومستقبله كذلك.
وحين يكون جزء من شعب الحكومة والسلطة معرضاً للإبادة، وتحويل بلده إلى مكان لا يصلح للعيش فيه، والجزء الآخر مهدد بالتهجير القسري تحت ساتر كلمة الطوعي، ومهددة أرضه بالمصادرة والاستيطان، على نحو يجعلها كمجموعة سجون مغلقة من كل الجهات، فإن ترف عزل الحكومة عن كل هذا تحت مسمى حكومة تكنوقراط، يبدو الوصفة الحاسمة للفشل، مهما صدقت النوايا وارتفعت الكفاءات المهنية فيها.
ليست المرة الأولى التي وضع العالم مواصفات محددة لحكومة فلسطينية تحظى بتبنيه ودعمه، أولها ويا لمصادفات القدر حكومة استقلت عن عرفات وشكلها محمود عباس.
الدعم الدولي الموعود لتلك الحكومة تبخر وتلاشى والتغول الإسرائيلي عليها تعاظم واتسع وما كان من رئيسها آنذاك محمود عباس إلا أن قدّم استقالته بعد أقل من أربعة أشهر.
مياه كثيرة جرت منذ ذلك الوقت في الأنهار، وأحداث كبرى تعاقبت على فلسطين والمنطقة، منذ تعثر عملية السلام حتى انهيارها، وتحولها إلى حرب دامية هي الأفدح في تاريخ الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، منذ التعثر ثم الانهيار، والعالم كله يقف عاجزاً عن انقاذ الشعب الفلسطيني من المقتلة التي تنفذها إسرائيل في غزة والضفة بلا توقف، إلا من وعود كبرى، معلقة على نتائج الحرب الأخيرة، التي لم يظهر حتى شهرها السادس ما يشير إلى أنها في طريقها إلى نهاية تنقل الفلسطينيين من حال إلى حال أفضل.
الفلسطينيون الذين تقودهم طبقة سياسية تنتمي إلى اعتبارات الماضي المتناقضة مع حقائق الحاضر، لم يعد لدى قياداتهم سوى الرهان على خلاص يأتي من العالم المنقسم أصلاً، بعضهم يتطلع نحو أمريكا بذريعة أنها وحدها القادرة على حمل إسرائيل على التساهل والتنازل، وبعضهم الآخر يتطلع نحو ما سمى نفسه معسكر الممانعة بقيادة إيران، وفي هذه المعادلة المستحيلة الكل بعرف الحقيقة إلا أنه مضطر لتجاهلها ومواصلة الرهان عليها.
لا أنصح بالهجوم على الحكومة التاسعة عشرة، ولا بكيل الاتهامات لها من العجز إلى التساوق مع مؤامرة، بل أنصح بأن يأخذ المنطق الواقعي مجراه، ليكون التقويم مبنياً على مقياس أكثر صدقية وواقعية، فالحكومة جزء من حالة فلسطينية شاملة، تواجه تحديات كبرى بل مصيرية، فهل بوسع هذه الحالة بكل مكوناتها أن تنجو مما تبيّته إسرائيل لها؟
وفي هذا الأمر تتساوى الحكومة مع الرئيس ومع الطبقة السياسية، ومع دافعي الثمن.... الناس.
المائة يوم الأولى للحكومة التاسعة عشرة تصلح لتقويم التحسن النسبي في حياة شعبها، وما قبل ذلك وبعده، يكون التقويم على أساس ما وصلت إليه الحالة الفلسطينية بإجمالها من تقدم أو تأخر وهذا ما يتطلب المراقبة والانتظار.