مفاوضات تهدئة أم إطالة عمر الحرب

تنزيل (13).jpg
حجم الخط

الكاتب: عاطف أبو سيف

 

بات واضحاً أن الطريق للهدنة طريق طويل وصعب، وربما صار تحقيقها مطلباً أيضاً قد يغدو إنجازاً في ظل ما يتعرض له الناس من تهجير وتقتيل وما يتعرض له القطاع من تدمير وإزالة.
ومن المؤكد أن دولة الاحتلال وخطة نتنياهو بإلهاء العالم بمفاوضات التهدئة قد نجحت في حرف الأنظار عن حقيقة ما يجري من مذابح وتقتيل. فالعالم لم يعد كثيراً يتحدث عما يجري بشكل فعلي بل صارت معظم الأخبار تدور عن التهدئة المرتقبة وعن مواقف الأطراف وعن المفاوضين. لم تغب الحرب بشكل كامل ولكنها صارت تتشاطر نشرات الأخبار مع المساعي لإنهائها. وبذلك حققت دولة الاحتلال مكسباً كبيراً في أنها غطت الصورة ولو قليلاً.
من جانب آخر، لم يعد ثمة دولة تقوم بتدمير أرض وشعب وتقتل منه عشرات الآلاف ولم تبقِ آلتها العسكرية أي شيء قابل للحياة، بل الصورة الجديدة أن ثمة طرفين يتفاوضان حول تفاصيل الحرب، فالحرب فعل متبادل وبالتالي يتساوى الضحية والجلاد.
وربما أن مواقف الطرف الفلسطيني في مفاوضات التهدئة أيضاً تميل للتخفيف من الضغط العالمي عن دولة الاحتلال، فالفلسطينيون أيضاً يرفضون بعض المقترحات ولا يبدون مرونة في الكثير من المواقف، بل إنهم في الكثير من نشرات الأخبار يبدون متشددين يرفضون أن تنتهي الحرب. دققوا جيداً لتدركوا أن هذا يجري في النشرات العالمية وفيما يتم نقله للعالم. هناك طرفان يتفاوضان وطالما كانا يتفاوضان فإن تقدير موقف كل طرف هو أمر يخضع لوجهات النظر.
لم يعد الأمر أن هناك قوة احتلال تعتدي بل هناك طرفان متحاربان والعالم أو بالأحرى الأطراف الخارجية تحاول أن تحقق السلم بينهما وتنهي الحرب التي يقومان بها من خلال تقديم مقترحات مختلفة تصلح لجسر الهوة في الموقف، فهناك مواقف وهناك آراء وطالما كان الأمر كذلك فإن حقيقة الاعتداء الكامل والسافر الذي تقوم به دولة الاحتلال لا تعود موجودة وتفسح الطريق لحقيقة الاختلاف والجدل حول ماهية ما يجري.
بهذا الانزياح فإن الضغط يبدو متساوياً من أطراف التدخل للدرجة التي صارت مطالبنا هي وقف الحرب والعودة إلى ما قبل السابع من أكتوبر وهو شيء كان لنا قبل ذلك، ولا شيء لنا في الحقيقة طالما بقي الاحتلال.
مر شهران والعالم مشغول بعملية الحوار الجديدة التي لم تفضِ لشيء، بل خففت من حدة نقد العالم لجرائم الاحتلال للدرجة التي بات فيها أي قرار أممي لا ينتقدنا بل يطالب بوقف الحرب انتصارا كبيرا بالنسبة لنا. ومر الشهران دون أن ننتبه أن المئات من الشهداء ارتقوا وأن دولة الاحتلال تواصل جرائمها وتواصل التقدم في المحاور المختلفة بل إنها تعاود الدخول والخروج من الأماكن المختلفة خاصة في الشمال مثلما حدث في إعادة الهجوم على مستشفى الشفاء. كل هذا والعالم يتحدث عن مواقف الأطراف المختلفة وعن التقدم المنتظر وعن التعنت المرفوض وعن السلام المنشود، وكل ذلك لا يحدث، ما يحدث أن الحرب تستمر وعملية رفح باتت قائمة إذ إن نموذج رفح ليس بالضرورة أن يكون نفس نموذج خان يونس الذي لم يكن نفس نموذج الشمال. كل منطقة لها نموذجها الخاص. راقبوا ما يجري تجدوا أن ثمة عملية عسكرية تدور في رفح وأن عشرات الشهداء يرتقون هناك وأن حجم الاستهدافات للمحافظة يتضاعف يوماً بعد آخر وأن جيش الاحتلال بات أقرب للدخول إلى قلب الخيام رغم أن خطته قد لا تكون كذلك فهو يقوم بما يريد دون أن يضطر لتدمير الخيام فوق رؤوس ساكنيها.
من المؤكد أن أي حوار تهدئة لا يفضي لخروج القوات الإسرائيلية من غزة ليس إلا تثبيتاً لنتائج الحرب التي فرضتها إسرائيل حين دخلت قواتها قلب المدن ودمرت البنايات والمؤسسات وجرفت الشوارع وهجّرت المواطنين العزل. إن عدم خروج القوات الإسرائيلية من غزة سيعني أن هذه القوات ستظل لزمن طويل وأن الحرب ستستمر حتى لو حصلنا على تهدئة لستة أسابيع كما يطمح الوسطاء لأنها ستعني التهدئة التي سيتم بعدها تثبيت كل نتائج الحرب ومكتسباتها إسرائيلياً.
إن الفصل بين مكونات النقاش سيعني أن ثمة واقعاً جديداً لا بد من قبوله وهو الواقع الذي يمكن اختصاره أن إسرائيل ستواصل احتلالها لقطاع غزة بصرف النظر عن نتيجة الحرب أو التهدئة.
أين يمكن أن تكون نتيجة العدوان الذي يجري ضدنا في غزة؟ بعيداً عن الأمنيات التي نرجوها كلنا فإن أقرب التصورات لما ستكون عليه الحرب هو وجود ترتيبات تفضي ببقاء جيش الاحتلال بصور ومواضع مختلفة في القطاع للأسف. ويمكن للمرء أن يتخيل نموذج مناطق «أ» و»ب» و»ج» أو نموذج الخليل «أتش ا» و»أتش 2» وربما نصل لنموذج خاص بغزة يعتمد حرف الغين «غ» من غزة. لا أحد يعرف تحديداً ولكن هذه الطرق تقوم إلى تلك والمبدأ بات قائماً.
وربما تتم صياغة السؤال بطريقة مختلفة بدلاً «من أين يمكن أن تكون نتيجة العدوان؟» بالصيغة التالية «أي يمكن أن تقود مفاوضات التهدئة؟».
وبالطبع يظل السؤال القائم هل ستكون المفاوضات حول مصير قطاع غزة استكمالاً لحوارات ومفاوضات التهدئة أم ستكون مفاوضات مختلفة وحوارات أخرى مع السلطة الفلسطينية تضمن وجود ترتيبات جديدة تشبه ترتيبات أوسلو التي بموجبها تم إنشاء السلطة في قطاع غزة وأريحا قبل ثلاثين سنة بالتمام والكمال. يصعب التكهن إذ إن إسرائيل قد تدير ظهرها لكل الأطراف وتتصرف بمفردها في القطاع ويصبح وجود السلطة سواء السلطة الشرعية أو سلطة الأمر الواقع أمراً لا يهم إسرائيل حتى وإن كان موجوداً فعلاً بمعنى وجوب وجوده.