مرض التوحد، أو اضطراب طيف التوحد، عبارة عن حالة ترتبط بنمو الدماغ وتؤثر على طريقة تمييز المريض للآخرين والتعامل معهم على المستوى الاجتماعي، مما يتسبب في حدوث مشاكل في التفاعل والتواصل الاجتماعي. كما يتضمن الاضطراب أنماطا محددة ومتكررة من السلوك. وقد أعلنت الجمعية العامة للأمم المتحدة بالإجماع يوم 2 أبريل بوصفه اليوم العالمي للتوعية بمرض التوحد، لتسليط الضوء على الحاجة للمساعدة على تحسين نوعية حياة الذين يعانون من التوحد حتى يتمكنوا من العيش حياة كاملة وذات مغزى كجزء لا يتجزأ من المجتمع. "سيدتي وطفلك" تطلعك، في السطور الآتية، على أسباب التوحد وأعراضه وطرق علاجه، حسب رأي الأطباء والاختصاصيين.
التوحد هو حالة عصبية مدى الحياة تظهر في مرحلة الطفولة المبكرة، بغض النظر عن النوع أو العرق أو الوضع الاجتماعي والاقتصادي. ويشير مصطلح التوحد إلى مجموعة من الخصائص. وإن من شأن تقديم الدعم المناسب لهذا الاختلاف العصبي والتكيف معه وقبوله أن يتيح للمصابين بهذا المرض التمتع بتكافؤ الفرص والمشاركة الكاملة والفعالة في المجتمع، إذا خضع المصابون به، إلى طرق تعليم خاصة، لمعالجة المعلومات الحسية.ويعتبر معدل التوحد في جميع مناطق العالم مرتفعا ويترتب على عدم فهمه تأثير هائل على الأفراد والأسر ومجتمعاتهم المحلية.
أسباب مرض التوحد
لا يوجد حتى هذه اللحظة سبب معروف لمرض التوحد، ولكن تشير بعض الدراسات إلى أن العوامل الجينية والبيئية والاجتماعية تلعب دوراً كبيراً في الإصابة بالمرض، وهناك أسباب أخرى تتعلق بوجود خلل في المناعة. حيث لا يزال التوحد مرتبطاً بوصمة العار والتمييز يشكل عقبات كبيرة في التشخيص والعلاج، وهي مسألة يتعين على واضعي السياسات العامة معالجتها في البلدان النامية وكذلك في البلدان المانحة على حد سواء.
أعراض مرض التوحد
تظهر على مريض التوحد عدة أعراض، لعل أبرزها:
- صعوبة في تكوين علاقات اجتماعية مع الآخرين، بالإضافة إلى فرط الحركة واضطراب الانتباه.
- مشاكل في التواصل والميل إلى العزلة وعدم مشاركة اللعب مع الأطفال.
- القيام بحركات رتيبة ومتكررة، كهز الرأس والقدمين والأصابع ورمش الجفون.
- عدم القدرة على الإنتباه عندما يُخاطب، رغم القدرة على السمع.
- الضحك بدون أسباب.
- عدم إبداء الخوف من المخاطر.
- الإشارة بالإيماءات، وكره العناق.
- أسلوب متحفظ.
- فتور بالمشاعر.
وقد تظهر أعراض جسدية، على الطفل المصاب بالتوحد، ومنها:
- تشوهات خلقية بسيطة.
- استخدام اليدين بنفس البراعة، وذلك لجميع الفئات العمرية.
- شذوذ ببصمات الأصابع.
علاج مرض التوحد
يعدُّ الأسلوب التأهيلي، أو برنامج تعديل السلوك، هو الأنجح بالنسبة لأطفال التوحد، وفي حين أنه لا يوجد علاج شافٍ لمرض التوحد، لكن يكمن هدف العلاج في تمكين أطفال التوحد من الاندماج في المدارس الخاصة بهم، وتعزيز علاقاتهم الإجتماعية مع الأصدقاء، وتعزيز إمكانية العيش باستقلالية عند الكِبر، وقد يكون العلاج الدوائي يهدف إلى علاج بعض سلوكيات الطفل، مثل فرط النشاط والقلق ونقص القدرة على التركيز والاندفاع، وهناك علاج تثقيفي يتم فيه إرسال الأطفال إلى مدارس متخصصة بذوي الاحتياجات الخاصة، بينما العلاج السلوكي يتم بواسطة الأهل، وذلك عبر تدريبهم على اكتساب مهارات لغوية وإدراكية واجتماعية.
دراسات تخمّن أسباب التوحد
كشفت نتائج دراسة أجرتها جامعة Simon Fraser في كولومبيا البريطانية، أن الأطفال الذين تعيش أمهاتهم في المدن الملوثة أثناء الحمل، قد يكن أكثر عرضة للإصابة بمرض التوحد. حتى الآن، تعتبر هذه الدراسة من بين أكبر الدراسات التي تربط التلوث بالتوحد، ووجدت دليلاً واضحاً على أن مخاطر التوحد لدى الطفل تزداد مع كل 3 أشهر في الرحم تتعرض فيها الأم لمستويات عالية من التلوث، حيث أثبتت تجارب الباحثين أن تلوث الهواء يعيق نمو الجنين، وذلك نتيجة تعرّضه في الرحم بكثافة للـHydrocarbures Aromatiques Polycycliques ، وهو ما يؤثر بشكل قوي على دماغهم، ويتجلى ذلك عبر اضطراب في السلوك وضعف القدرات المعرفية.
كما وجدت الدراسة التي أجريت على أكثر من 132 ألف طفل دون سن الخامسة أن أولئك الذين تعرضوا لمستويات أعلى من تلوث الهواء كانوا أكثر عرضة للإصابة بطيف التوحد، وكانت دراسة أمريكية حديثة حذرت من أن تلوث الهواء بكل مستوياته يمثل خطورة على صحة الجنين، ويرتبط بالولادة المبكرة وإصابة المواليد بالاضطربات العصبية وأمراض الجهاز التنفسي، وتكون الأم أكثر عرضة للإصابة بحالة تسمى «التهاب الرحم» التي يمكن أن تزيد من خطر حدوث عدد من المشاكل الصحية للطفل في مرحلة الطفولة، كما كشفت أن الأطفال الذين يعيشون في المدن معرضون لخطر الإصابة بانخفاض معدل الذكاء وفقدان الذاكرة على المدى القصير بسبب تزايد معدلات تلوث الهواء.
هذا وسجل الباحثون ارتفاعاً في خطر إصابة الأطفال من الذكور بالتوحد، بنسبة 9% أي بمعدل زيادة 4 مرات، عن الإناث، ويسجل حوالي واحد من كل 100 طفل تطوراً لحالة التوحد، ولكن الأعراض لا تظهر عادة حتى السنة الثانية من العمر. يشار إلى أنّ تعريف الأطبّاء والعلماء لاضطراب طيف التوحد بأنه حالة معقدة، تحد من قدرة الأطفال على التفاعل اجتماعياً أو التواصل مع غيرهم.
دواءين على الطريق
ومع ذلك فهناك دراستان سريريتان أمريكيتان، أجرتهما جامعة كولومبيا، تبحثان في تحسين عوامل التواصل الاجتماعي لدى المصابين بمرض التوحد؛ وذلك باستخدام عقارين يعملان على استهداف وتعديل نشاط هرمون فاسوبريسين، الذي يؤثر على السلوكيات الاجتماعية المرتبطة بمرض التوحد. ورغم أن نتائج التجربتين كانت إيجابية، إلا أن الخبراء يؤكدون أن الحديث عن فاعلية هذه العلاجات لتخفيف أعراض التوحد لدى كل الأشخاص المصابين قد يكون سابقاً لأوانه.
الدراسة الأولى تركز على هرمون فاسوبريسين الذي يتم إنتاجه في المخ، وهو المسؤول عن عدد من وظائف الجسم، منها: تنظيم ضغط الدم ودرجة حرارة الجسم، وهو يشبه هيكلياً هرموناً آخر يسمى أوكسيتوسين، وقد وجد فريق البحث أن كلا المركبين مرتبطان بقوة بالسلوكيات الاجتماعية للإنسان، وهناك أدلة تشير إلى أن المصابين بالتوحد يعانون من اضطراب في كمية هذا الهرمون، التي قد تكون قليلة أو كبيرة جداً.
العقار الأول عبارة عن رذاذ هرمون فاسوبريسين، الذي يؤخذ عن طريق الأنف، وكانت العينة مجموعة صغيرة من الأطفال المصابين بالتوحد، لا يزيد عددهم على 17 طفلاً، وتتراوح أعمارهم بين 6 و12 سنة، وقد تلقوا جميعهم علاجات يومية من هرمون فاسوبريسين لمدة أربعة أسابيع، وتمَّ تقييم سلوكهم في بداية ونهاية العلاج؛ باستخدام استبيان يسمى مقياس الاستجابة الاجتماعية (SRS-2). وقد ظهر تحسن واضح في مهاراتهم الاجتماعية، كما اجتازوا اثنين من أربعة من اختبارات الإدراك الاجتماعي، ولم يرافق هذا العلاجات أية آثار جانبية خطيرة، مثل الزيادة في العدوانية.
أما الدراسة الثانية، فإنها تبحث في نتائج التجارب السريرية لعقار يسمى "بالوفابتان"، والذي يمنع مستقبلات معينة في الدماغ من الاستجابة لهرمون فاسوبريسين، على فرضية أنَّ النشاط المفرط لهذا الهرمون قد يكون مسؤولاً عن بعض سلوكيات التوحد، وقد وجدت التجارب التي أجريت على الحيوانات، أنّ حجب مستقبلات هرمون فاسوبريسين يمكن أن يقلل من الاستجابات الانفعالية المتزايدة.