يعدّ مسلسل «نظرة حب» من الأعمال الدرامية التي كان ينتظرها المشاهد العربي بحماس. فكاتبه رافي وهبي صاحب قلم مميز. ومخرجه هو المصري حسام علي الذي سبق ووقّع أكثر من مسلسل جيد.
أما بطلاه كارمن بصيبص وباسل خياط فعقد عليهما المشاهد آمالاً كثيرة. فهما متناغمان من حيث شخصيتهما الهادئة وحرفيتهما ذائعة الصيت. والاثنان يمتلكان تجارب درامية حصدت نجاحات في لبنان والعالم العربي.
تجسد بصيبص شخصية الفتاة قمر التي تجتمع مع بطل المسلسل باسل خياط تحت سقف حكاية رومانسية خارجة عن المألوف. وفي هذا الدور غردت خارج سرب أدوارها السابقة، فقدمت لأول مرة دوراً مركباً تطلب منها الجهد والتفاني بأدق تفصيل له، كي تستطيع إيصاله للمشاهد على أفضل وجه.
واستطاعت بصيبص أن تحفّز المشاهد على التفاعل معها فشعر بمعاناتها، وتعاطف معها بعد أن صدق أداءها المتقن والصعب في آن.
وتحت عنوان «توأم الشعلة» يتابع مشاهد العمل قصة رومانسية تقوم على الفلسفة والماورائيات. فيبذل جهداً كي يستوعب عقد العمل وخصائصه، وكي يفهم أبعاد رواية حب غير عادية تستوجب منه التركيز التام. فتفويت أي مشهد من مشاهد العمل قد يصيب متابعه بالضياع. ولذلك حصد نسبة مشاهدة تقتصر على هواة هذا النوع من الأعمال الصعبة.
وتقول بصيبص: «لقد أنهكني دور قمر وقد تم البناء للشخصية في أول قسم منه، فتعرف المشاهد إلى ملامحها وطبيعة عملها وأفراد عائلتها. وهو ما سهل استيعابه القسم الثاني للقصة الذي تتحول فيه قمر إلى مريضة تدخل مصحاً نفسياً».
وتصف كارمن بصيبص هذا الجزء بأنه كان صعباً، إذ لم يسبق أن قدمت ما يشبهه. «لقد كان بمثابة تحدٍّ لي كي أستطيع ترجمته بمصداقية وعفوية. فأنا أحب هذا النوع من الأدوار المركبة غير السهلة التي تتطلب الغوص فيها إلى آخر حدود كي تبدو حقيقية. وهذا الصراع الذي تدور فيه الشخصية فرض عليّ خلطة متناقضة وقوية من المشاعر والأحاسيس. فقمر وعلى أثر تناولها حبوباً مهدئة رغماً عنها، وصلت إلى حد الجنون والهلوسة. ومن ناحية ثانية هذا الأمر ساعدها على تذكر مواقف وأحداث أساسية في حياتها. وهو ما تطلب مني قدرات ترتكز على جهد كبير وعمل دؤوب ومضنٍّ».
تقدم بصيبص القسم الأكبر من مشاهدها من دون أي «روتوش»، فتؤدي الشخصية بصورة طبيعية وبشكل خارجي يعتمد على البساطة. فهي اشتهرت بجمالها الطبيعي على الشاشة عكس ممثلات كثيرات يتمسكن بالعكس. وتعلق: «لكل شخصية طبيعتها التي تفرض على صاحبها الشكل الخارجي المطلوب. وبشخصية قمر وهي في المصح كان من غير المنطقي الذهاب إلى ماكياج ومساحيق تجميل نظراً لحالتها النفسية المتدهورة. وفي (عروس بيروت) كان (الكاركتر) بسيطاً أيضاً والتزمت بهذا الأمر. أما في (نظرة حب) فالماكياج اقتصر على إبراز تعبي وورم واحمرار في عيني».
أسئلة كثيرة تركها المسلسل عند متابعه خصوصاً أنه لم يفهم مرات استسلام قمر لمصيرها. وترد بصيبص: «في المرة الأولى التي تنقل فيها إلى المصح النفسي تذهب بكامل إرادتها لأنها رغبت بالعزلة. ولكن في المرة الثانية أصبح مغلوباً على أمرها وهنا استسلمت وفقدت قوتها».
منذ قراءتها لنص معالجة المسلسل أدركت بصيبص أن دورها صعب. «لقد تملكني هاجس واحد منذ تلك اللحظة. كيف عليّ أن أقدم الدور كي أجعله ثلاثي الأبعاد كما هو مكتوب ومحبوك في نصّه. واستطعت بالفعل الوصول إلى هذه التركيبة بعيد نجاحنا في البناء للدور. فأحياناً تحرص بعض القصص الدرامية على تقديم شخصية ما بوضوح منذ اللحظة الأولى. ولكن في (نظرة حب) كان الأمر مغايراً لأن المشاهد عليه الانتظار حتى الحلقة الثالثة كي يتفاعل مع أحداث العمل وشخصية قمر بالذات».
اكتنف العمل صراعات كثيرة بين قمر وعائلتها وبينها وبين نفسها. وهو ما وطد لنمط تصاعدي تحلى به العمل وأسهم في تشويق مشاهده. فالبحث عن الحقيقة شكّل محور القصة. وتوصلت قمر في النهاية إلى كشف المستور ووضع الأمور في نصابها. ولكن كيف تصف تجربتها مع المخرج حسام علي؟ ترد لـ«الشرق الأوسط»: «استمتعت بكل لحظة تصوير من المسلسل. وحسام علي يملك رؤية إخراجية قريبة إلى السينمائية. ومرات كنت أحس بالفعل أنني بصدد تصوير مشهد سينمائي. كما أنه يزود الممثل بمساحة إبداع تاركاً له القرار لإخراجها إلى النور بأسلوبه. يهتم بالممثل إلى آخر حد ويحرص على أن يكون مرتاحاً بالتعامل معه. فأحفظ من تعاملي مع حسام علي، تجربة جميلة سعدت بها».
تدور قصة «نظرة حب» في أجواء تتلون برومانسية تذكرنا بقصص حب خيالية. فالبطلان يقعان في حب بعضهما منذ النظرة الأولى. ويتشابك قلبيهما بمعالم حب صادق ولو أنه مستحيل. ويحكم قصتهما أفكار وخواطر مشتركة وكأنهما يتواصلان عبر عالم خاص بهما. وتعلق بصيبص: «هي قصة حب من النادر أن تحصل على أرض الواقع. ولكنها ذات مذاق ماورائي تربط الأرواح ببعضها وتسمح للقلوب بالتحليق في سماء شاسعة لا حدود لها. فالخروج عن المألوف يملك دائماً مذاقه ونكهته الخاصين. وهو باختصار ما رافقني طيلة هذه التجربة التي أحمل منها ذكريات جميلة لن أنساها طيلة حياتي».
وعن تعاونها مع باسل خياط تقول: «ذروة المتعة في العمل تجلت في تعاوني مع خياط. فهو ممثل محترف بشكل لافت يهتم بأدق تفاصيل المشهد الواحد. لا يدخله من دون أن يشعر بالشغف نحوه. وسرت كيمياء سريعة بيننا منذ اللحظة الأولى مما انعكس إيجاباً على أدائنا. يبرع في ترجمة العطاء بكل معانيه التمثيلية. يصغي ويستمع ويناقش انطلاقاً من هذه النقطة. إنه فنان من الطراز الرفيع واستطعنا معاً تشريح دور الحب في الحياة بطريقة فلسفية، وبأسلوب نسافر معه إلى ما وراء الحب».