لسنا وحدنا من يدفع الثمن

BGh5Q.jpg
حجم الخط

بقلم : طلال عوكل

 

فيما يتكشّف المزيد من أعراض جريمة الإبادة الجماعية والتجويع في قطاع غزّة والضفة الغربية، يتزايد عناد «مجلس الحرب» على متابعتها، والإمعان في ارتكاب المزيد من الجرائم بحقّ المدنيين الفلسطينيين.
بعد انسحاب قوات الاحتلال من خان يونس، وإخراج أكثر من ثلاثمائة جثّة في مقابر جماعية في حرم مشفى ناصر، يعود الناطق العسكري باسم جيش الاحتلال للنفي، وكأنّ انتشال هذه الجثامين قد تمّ في السرّ، ودون شهادة وسائل الإعلام.
قبلها أنكر الاحتلال ارتكاب مجازر مشابهة في مشفى الشفاء الذي تحوّل إلى مقبرة جماعية، ومبانيه إلى ركام، وأيضاً تحت نظر وسائل الإعلام، والاحتلال ينكر، كذلك مجزرة الإبادة الجماعية التي ارتكبها في مخيم نور شمس شرق مدينة طولكرم، الذي تعرّض نصف مبانيه وبنيته التحتية للدمار، فضلاً عن أكثر من خمسة عشر شهيداً، وقبلها ما تعرّضت له جنين ومخيّمها وتتعرّض له مدن وبلدات ومخيمات فلسطينية أخرى في الضفة.
مع ذلك، تواصل الإدارة الأميركية التنكُّر لكّل هذه الجرائم، وتواصل الادّعاء بأنّها لا أساس لها من الصحّة، وأنّ ما تملكه من أدلّة لا يرقى إلى مستوى الإقرار بهذه الجرائم.
الإدارة الأميركية لا تزال تجازف بسمعتها ومصالحها ودورها، واستقرارها الداخلي، وتجنّد نفسها لحماية دولة الاحتلال، ومنحها الغطاء لاستمرار جرائمها.
في مواجهة طلبة جامعة كولومبيا، وجامعة نيويورك، والشرارة تمتدّ إلى جامعاتٍ أخرى في الولايات المتحدة الأميركية، توجّه إدارة جو بايدن للطلبة تهمة معاداة السامية، وتقوم الشرطة باعتقال المئات منهم.
يبدو أنّ إدارة بايدن لا تدرك مدى أهميّة الحراك الطلّابي في الجامعات الأميركية، ومدى تأثير هذه الشريحة النشطة من الشباب على مستوى الرأي العام الأميركي.
يبدو أن بايدن، أيضاً، أخذ يفقد الثقة بإمكانية فوزه في الانتخابات الرئاسية، وأنّ سنده الوحيد هو اللوبي الصهيوني، ولذلك فإنّه لا يتوقّف عن استرضاء دولة الاحتلال. 
هو لا يدرك أن بنيامين نتنياهو لن يمارس تأثيره على اللوبي الصهيوني لصالح بايدن، الذي تخالف معه كثيراً، وانتصر عليه كثيراً، وأنّ بلاده تدفع أثماناً مجّانية لصالح حرب فاشلة لم تحقّق أياً من أهدافها بعد أكثر من مئتي يوم.
الحراك الطلّابي في بداياته، والأرجح أنّ تأثيراته ستمتدّ إلى معظم الجامعات الأميركية وتهدّد احتفالات التخرّج هذا العام.
في المقابل، وبينما يستمرّ الجدل حول انتقال الحرب الدموية إلى رفح، وفي ظلّ ممانعة دولية واسعة وتتسع يوماً بعد آخر، يعود جيش الاحتلال الإسرائيلي للعمل في شمال قطاع غزة، وكأنّه لم يقضِ أشهراً هناك وبعد أن أدّعى أنّه أكمل مهمّاته.
في إسرائيل بدأت كرة الثلج تتدحرج ابتداءً من إعلان رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية أهارون هاليفا، استقالته من منصبه، على خلفية اعترافه بفشله في 7 تشرين الأوّل/ أكتوبر 2023.
قائد «المنطقة الوسطى» في جيش الاحتلال هو الآخر يبلغ رئيس الأركان هرتسي هاليفي نيّته الاستقالة من منصبه في آب المقبل. 
يحصل هذا قبل أن تنتهي حرب الإبادة الجماعية والتجويع على القطاع، وعلى غير العادة، ودون انتظار لجان التحقيق بينما يستمرّ نتنياهو في رفضه الاعتراف بمسؤوليته وإلقاء اللوم على الجيش والأجهزة الأمنية.
هذه مجرّد بدايات، وربما سيتّضح بعد وقت أنّ أعداداً أخرى من الضبّاط قد استقالوا، أو تهرّبوا من الخدمة. لكن استقالة هاليفا تفتح الباب أمام استقالة آخرين من المستوى المتقدّم في المسؤولية.
وعدا التداعيات، الهائلة التي تحدث في إسرائيل على مستوى التفكّك الاجتماعي، والسياسي، والتكاليف الباهظة للحرب الإجرامية، والأوضاع الاقتصادية والاستثمارية، يلفت النظر، تصريح دبلوماسي «غربي» أشار إلى أن طالبي الحصول على جوازات «غربية» تضاعفت خمس مرّات عن العام السّابق.
نعم هناك نزوح، وتهجير في قطاع غزة، ولكن هناك مئات الآلاف من الإسرائيليين الذين غادروا، ويغادرون من دون رجعة، والأيّام ستكشف ذلك، بعد أن تضع الحرب أوزارها.
هذا يعني أنّ الفلسطينيين ليسوا فقط من يدفع ثمن الحرب، ذلك أن دولة الاحتلال هي الأخرى تدفع أثماناً باهظة من رصيد بقائها كدولة وكمجتمع.
ربّما يشكّل هذا جزءاً من عزاء مستحق للمعاناة الرهيبة التي يتكبّدها الفلسطينيون في الضفة وغزّة.
في المجالين السياسي والدبلوماسي لا بدّ من النظر بتفاؤل واحترام طبعاً لاعتراف دولة جامايكا بنظيرتها فلسطين، خصوصاً وأنّ دولاً أوروبية أخرى من بينها إسبانيا وإيرلندا، وبلجيكا، أخذت تبشّر بإمكانية الاعتراف بدولة فلسطين.
وبالإضافة إلى ذلك، لا بد من رؤية التطوّر في مواقف الاتحاد الأوروبي الذي يحاول أن يشتقّ سياسة ومواقف مستقلّة عن المواقف الأميركية بعد عديد الروايات الكاذبة التي سوّقتها دولة الاحتلال، وتبنّتها أميركا، يأتي تقرير فريق الخبراء المستقلّ برئاسة وزيرة الخارجية الفرنسية السابقة كاترين كولونا، بشأن زيف الادّعاءات الإسرائيلية بشأن «الأونروا»، ليضع إسرائيل وشريكتها أميركا في الزاوية.
العالم كلّه بما في ذلك الاتحاد الأوروبي رحّب بالتقرير، ومعظم الدول وآخرها ألمانيا أعلنت استئناف دعمها لـ»الأونروا»، إلّا الإدارة الأميركية التي استبقت التحقيق والتقرير بالتوقّف عن دعم «الأونروا» حتى العام 2026.
الدنيا تتغيّر لصالح فلسطين وقضيتها وشعبها، والتحوّلات الجذرية تجاه تفهّم ودعم الرواية الفلسطينية، يغزو المجتمعات «الغربية» بما في ذلك الولايات المتحدة.