كان لا بد من نص واضح و صريح لوقف اطلاق نار شامل في غزة ، تتمسك به حماس ممثلة لبقية الفصائل ، نص لا يحتمل اللبس او إساة الفهم او احتمالية التفسير او إمكانية التأويل ، صحيح أن الفلسطينيين عموما مروا بتجارب نصوصية مريرة ، أهمها اتفاقية أوسلو المريعة و المروعة، وقبلها قرار 242 الذي نص على انسحاب من أراض محتلة، بدلا من الأراضي المحتلة.
السؤال الذي يدور على ألسنة العارفين و الفاهمين من الأصدقاء والاعداء على حد سواء : ما الذي يدفع حماس للموافقة على نص منقوص مشبوه ملغوم بعد مضي سبعة أشهر من الحرب الابادية التدميرية التجويعية بجيش إسرائيل القوي العرمرم (360 ألفا من الاحتياط)المصفح بالجيش الأمريكي و النأي العربي، للقضاء على حماس (إجتثاث) في برهة لا تتجاوز عدة أسابيع، و ها هي اليوم تدخل شهرها الثامن، و كتائب حماس القسامية ما زالت توقع فيمن من تبقى من الجيش العرمرم عديد القتلى والجرحى. خلال هذه المدة الاستثنائية في كل حروب إسرائيل، انتقل نتنياهو للتحدث التلقائي من النصر المطلق والاجتثاث، الى تحذير حكومته و مجلس حربه من "الاستسلام لشروط حماس يعني انتصارها و هزيمة إسرائيل"، سموترتش حذّره من ان يرفع "الراية البيضاء" امام السنوار.
الوضع الداخلي في إسرائيل الذي يتجاوز مظاهرات ذوي المحتجزين، إلى مظاهرات ذوي الجنود المقتولين، إلى الحريديم، إلى حكومة يأتي تأمين بقائها من أكثر ما يهدد نسيج مجتمعها (بن غفير و سموترتش)، و يأتي انهزامها من مجلس حربها الذي تم تشكيله مع بداية الحرب لتحقيق أهدافها بإعادة المخطوفين واجتثاث حماس. الصفقة ستعيد هؤلاء المخطوفين، بمعنى انها ستحقق 50% من أهداف الحرب، و هذا أفضل من تحقيق صفر أهداف في حالة قتلهم.
الخلاف الأمريكي الإسرائيلي، صحيح أنه مؤقت أو طاريء، لكن نبتته في أرض بكر قد غرست، و لسرعان ما ستنمو و تكبر، الصفقة ستحد من هذا الخلاف، و لسوف تساعد في وقف الاحتجاجات الشعبية و الطلابية الجامعية،
الخلاف الأمريكي العربي، يتعمق طرديا مع إطالة عدم توقيع الصفقة، والعكس صحيح، سيتبدد، بل ستقترب السعودية من الاعتراف بإسرائيل، ما كتبه الصحفي الشهير توماس فريدمان لإسرائيل: إما رفح و إما الرياض.
بقية الجبهات ، أسند أمرها حسن نصر الله لحماس، في اليمن التي أعلن أنصار الله هناك أنهم سيستهدفون البحر الأبيض بعد الأحمر. الصفقة ستوقف هذا القتال الإسنادي، و قد تعود الحياة الى بلدات الشمال الحدودي .
أما المتباكون من أهل البيت على الأطفال و الأبرياء، واضعين مسؤولية حياتهم على حماس خصوصا والمقاومة عموما، فهؤلاء و كأنهم يبرئون الوحش الابادي من جرائمه التي سيواجهها عاجلا ام آجلا في المحاكم الأممية، و هم في الحقيقة يبكون على أنفسهم التي جللها عار ما ارتكبوه بحق شعبهم ووطنهم عندما ظلوا يتفرجون و ينتظرون "اجتثاث" حماس ثمانية أشهر .
ومن يدري ان تأتي المقاومة في المرة القادمة ، و من باب رد الوفاء بالوفاء ان تطالب بضرورة اطلاق سراح ألفي طالب امريكي اعتقلوا على خلفية احتجاجاتهم ضد إسرائيل .