سأبدأ أولاً برواية المسافر الصهيوني المجتزأة والمضلِّلة، المنشورة في معظم الصحف الأميركية والإسرائيلية يوم 5-5-2024 ، سأرجئ ذكر الحقيقة إلى الأسطر الأخيرة في المقال!
اسم راكب طائرة شركة، (جت بلو) الأميركية هو باول فوست، يبلغ الرابعة والخمسين من عمره، وهو مالك شركة معلوماتية كبيرة وناشط على شبكات التواصل الاجتماعية، كانت وجهة سفره من فلوريدا إلى لاسفيغاس، ادَّعى قائلاً: «سافرتُ على متن شركة الطيران الأميركية (جت بلو) يوم 28-4-2024م، طلبتُ من مضيفة الشركة تقديم الشراب، لاحظتُ أنها تعلق على صدرها عدة دبابيس تحمل شعارات، منها دبوس يحمل علم فلسطين، مكتوب عليه (فلسطين حرة)!
كانت تجلس إلى جواري راكبةٌ يهودية أميركية اسمها، راشيلي الماغور، انشغلنا بالنقاش حول التظاهرات الطلابية الجارية في أميركا والحرب في غزة، عندما حضرت المضيفة لتقديم وجبة الطعام لا حظتُ أنها نقلت دبوس، الحرية لفلسطين إلى مقدمة صدرها، قلت لها: هذا الشعار يزعجني، غير أنها تجاهلتْ اعتراضي، ذهبتُ إلى غرفة المضيفات وشكوتُ فعلتها للمسؤولة عن المضيفات، قلت لها: أنا من زبائن الشركة منذ عشر سنوات، أُسافر عدة مرات على متنها، ومن الأفضل أن تأمري المضيفة بإزالة شعار (فلسطين حرة) المعلق على صدرها، لأنه أمرٌ حساس يستفزني، ويشعرني بعدم الراحة، بالإضافة إلى أن هذا التصرف هو لاسامية! ومنعاً لإحداث ضجة في الطائرة فإنني سوف أشكوها عند الهبوط، وطلبت منها ألا تنقل المحاورة إلى قائد الطائرة!
واصل باول فوست قائلاً: هبطتْ الطائرةُ في المطار، شاهدتُ المضيفة تحادث رجلاً وتشير بإصبعها عليَّ، اقترب مني رجل وطلب أن أسير معه إلى غرفة خدمة الزبائن، اتهمني بأنني سببتُ إزعاجاً للمضيفة وللرحلة، ما دعا كابتن الطائرة أن يأمر باحتجازي!
أُصبت بالصدمة لأن رجل الأمن طالبني بإبراز هويتي وهددني بإحضار الشرطة، رفضت إبراز هويتي وغادرت المكان!
كان مفروضاً أن أعود في اليوم التالي إلى فلوريدا، فوجئت أن حجزي على متن هذه الشركة قد أُلغي» .
انتهت شهادته!
وفي اليوم التالي نشر قصته في بوست في «إنستغرام» طالب فيه جميع القارئين والمتابعين بمقاطعة شركة «جت بلو» للطيران، لأنها شركة تنشر اللاسامية!
انضم إليه فوراً 26000 مناصر، أبرزهم الناشط الرقمي اليهودي الأميركي المشهور، داف روبن، اسمه الحقيقي، دافيد يهوشوع روبين المولود عام 1976، وهو من أبرز ناشطي الإعلام الرقمي وإنتاج الأفلام، وهو داعم رئيس لإسرائيل على الرغم من أنه يدعي أنه من دعاة الحرية والديموقراطية، وهو ينتمي للحزب الديموقراطي الأميركي، هو يحظى بمتابعة مليون ونصف من زوار صفحته، طالب بعدم شراء تذاكر سفر شركة «جت بلو»، لأنها تضطهد اليهودي المسالم!
انضم إليه كثيرون طالبوا بمقاطعة الشركة متهمين المضيفة بأنها من أنصار «حماس»، وأن اتهام، باول هو اتهام زائف بسبب يهوديته!
أما راشيلي الماغور الجالسة إلى جواره في الرحلة فانضمت إلى جوقة المؤيدين لروايته المختزلة والمحرّفة، وقالت: نعم كان الشعار الموضوع على صدر مضيفة الطائرة مستفزاً لي أيضاً، ولم يُسبب باول أي إزعاج لركاب الطائرة، وعززته بروايتها الخاصة قالت: «فقدتْ ابنتي صديقها المخطوف في غزة يوم السابع من أكتوبر، بأول كان على حق»!
انضم مسافرٌ صهيوني ثالث وشهد أنه لم يلاحظ أن سلوك باول كان إزعاجاً لركاب الطائرة!
أُجبرت الشركة على الاعتذار عما حدث، وقال مسؤول الشركة: «منذ سنوات تسمح الشركة للعاملين فيها بأن يضعوا الشعار المحبب لهم وفق قانون اتحاد العاملين، وقد أرسلنا رسالة لرئيس الاتحاد، جون صموئيلسون لكي يغير هذه السياسة تغييراً كاملاً، لذلك قامت الشركة يوم 3-5-2024 بحظر إلصاق الشعارات المسببة للحساسية والاحتجاج، لمنع إزعاج الركاب، وأن الشركة ستغير سياستها ولن تسمح باستخدام شعارات تثير غضب المسافرين على متنها»!
حاولتُ أن أعيد قراءة القصة مرة أخرى فاستوقفتني جملة واحدة، وهي ما صدر عن الراكب باول ول فوست قال: «اتهمتني المضيفة صاحبة دبوس (فلسطين حرة) تهمة زائفة وادعتْ أنني قلت لها إذا كنتِ تشجعين غزة فاذهبي إليها لتموتي هناك»!
تأكيداً لتهديده السابق للمضيفة الذي أنكره، راجعتُ ملف باول فاوست، وجدتُ فيديو له قبل هذه الحادثة يُعلق فيه على الاحتجاجات في الجامعات الأميركية وغيرها التي اندلعت بسبب عملية استئصال غزة وساكنيها يقول باول في الفيديو: «يجب على كلِّ من يناصر الفلسطينيين أن يُشحن ويُنقل إلى معتقل غوانتنامو ليُسجن مع الإرهابيين»!