الأمنية الثالثة والأخيرة ..

تنزيل (19).jpg
حجم الخط

بقلم  د. ناصر اللحام

 




لا أذكر ابدا انني طلبت الامنيتين السابقتين . قمنا نمسح الغبار عن كل " قمقم " وجدناه في طريقنا ، وحتى أباريق الشاي وأباريق الوضوء لم تسلم من اصابعنا الصغيرة وعيوننا التي تنشد الامل في هذه الحياة ، ولم يظهر لنا جان ولا انسان يسألنا عما نريد وما تتمناه نفوسنا المنقوعة في الجوع وفي الطفولة .
ألقوا بنا في مخيمات عجيبة وقليلة الموارد ، ومن مخيم الى مخيم حتى صار المخيم والخيام والنزوح واللجوء هو قصة حياتنا كلها ولم يأت أي " عفريت " ولم يسألنا ماذا نريد ولا ما نطلب ونتمنى !!
جاء صديقنا غسان وقال لنا ناصحا : لا تنظروا أي عفريت فهو لن يأت . ولن يعود . فكابرنا وانكرنا وبكينا وصرخنا في وجهه : بل سوف يعود . بل سوف يأتي . هو يظهر لكل الناس ولكل الأطفال ، فلماذا لا يظهر لنا ؟
كنا جوعى ومتعبين ونحمل أجسادنا عنوة . وفجأة اطلّ علينا عفريت العمر يسألنا : وهذه هي الأمنية الثالثة والأخيرة لكم . اطلبوا وتمنوا ما تريدون .
قلنا : ولكنك لم تسألنا بعد عن الأمنية الأولى ولا الثانية يا سيد عفريت ؟
فقال : كنت اعلم انكم مشاكسون والطمع يعمي ابصاركم والجشع يسيطر عليكم منذ كنتم أطفالا . الحياة معكم صعبة ، وفوق كل هذا تجادلونني بكل وقاحة ؟
اعتذرنا للعفريت واعتذرنا لعفاريت الأرض كلها . نحن نتأسف على كل شيء ، ونتأسف على كل ما لم نفعله حتى الان . هل تسمح لنا ان نطلب الأمنية الثالثة والأخيرة ؟
قال : حسنا اقبل اعتذاركم وتوبتكم ، وانتظروني هنا في نفس المخيم ، ولسوف اعود .
انتظرنا ، وانتظرنا ٧٦ عاما . ولم يعد .
مع اننا جاهزون ونحمل معنا امنيتنا الثالثة والأخيرة !!