بقلم: عميره هاس
منذ بداية العام، لاسيما الأسبوعين الأولين من شباط، سرعت الادارة المدنية بشكل كبير عملية هدم المباني الفلسطينية في المناطق "ج" في الضفة الغربية. في الاسابيع الستة الاخيرة فقط هدم 293 مبنى مقابل 447 مبنى في 2015 كلها. في المتوسط هدمت الادارة المدنية 49 مبنى في الاسبوع منذ بداية 2016 – مقابل 9 مبان في الاسبوع في السنة الماضية.
وبسبب الهدم في الشهر والنصف الاخير، الذي شمل على الأقل 93 مبنى سكنيا، فان أكثر من 480 شخصا، منهم 220 ولدا، فقدوا بيوتهم.
في جلسات اللجنة الثانوية لشؤون الاستيطان التابعة للجنة الخارجية والامن في الكنيست، والتي يترأسها موتي يوغف من "البيت اليهودي"، يتم الضغط بشكل معلن على ممثلي الادارة المدنية كي يزيدوا عمليات الهدم واخلاء الجاليات الفلسطينية من المناطق "ج". وهناك تشديد خاص في تلك الجلسات على الشكاوى الخاصة بالمساعدات الاوروبية للبناء الفلسطيني في هذه المناطق والمطالبة بأن تهدم السلطات المباني التي تبرع بها المجتمع الدولي وخصوصا الاوروبيين للفلسطينيين.
في جلسة مغلقة للجنة في آب 2015 تحدث منسق شؤون الحكومة في "المناطق"، الجنرال يوآف مردخاي، وأجرى نقاشاً في هذا الموضوع منذ نيسان وبمشاركة ممثلي وزارة العدل ومجلس الامن القومي.
في ذلك الشهر اصدر منسق اعمال الحكومة في "المناطق" اجراء لعلاج البناء غير القانوني الذي يتم بمساعدة من المجتمع الدولي. حسب محضر الجلسة الذي وصل للصحيفة قال مردخاي إن كل بناء غير مرخص (بتمويل اوروبي) يحصل على أمر فوري وبشكل فوري يتم ارسال رسالة الى سفارة الدولة المانحة وفيها احتجاج على "انهم يبنون بشكل غير قانوني". وحسب اقواله فمنذ كانون الثاني وحتى آب 2015 كان هناك 30 لقاء مع جهات دولية. وقد طرح الموضوع في هذه اللقاءات: "في اللقاء الاخير مع سفير الاتحاد الاوروبي قلت له إن هناك اجراءات يجب اتخاذها في البناء والتخطيط. وأي بناء ومساعدة بدون تنسيق وبشكل غير قانوني سيتم العمل وفق القانون بشأنها، وهذا ما نفعله".
ويدور الحديث عن مبان مثل المباني الزراعية، والواح للطاقة الشمسية ومبان سكنية. احدى المنظمات الاوروبية قالت إنه بالمقارنة مع المتوسط الشهري بين 2016 و2015 هناك زيادة بنسبة 230 في المئة في عدد المباني التي هدمت. وزيادة بنسبة 689 في المئة في عدد المباني بتمويل اوروبي، لا سيما تلك التي هدمت أو تمت مصادرتها. يوم الثلاثاء الماضي، 9 شباط، هدمت الادارة المدنية 15 مبنى ممولة اوروبياً في خربة طانا هي خيمتان سكن فيهما 13 شخصا، 3 حمامات وخزانا مياه و8 حظائر للاغنام. القوة التي هدمت اقتحمت القرية في الساعة الثامنة صباحا وخرجت عند الظهيرة. وشملت جرافتين بلون اصفر وتندر ابيض للادارة المدنية وعددا من الجيبات العسكرية.
راقبت احدى المجندات النساء والاطفال، وراقب جندي الرجال في الوقت الذي قام فيه 15 عاملا اسرائيليا من الادارة المدنية باخلاء المباني من المحتويات قبل الهدم. خربة طانا عبارة عن مغارات لرعاة الاغنام والفلاحين الذين اصلهم من قرية بيت فوريك شمال شرقي نابلس. آبار مياه عتيقة ومغارات للسكن ومسجد مبني من الحجر، كلها تُظهر أن هذه المنطقة التي تتمتع باثنين من الينابيع وتمتد فوق صخور عدد من التلال والوديان، عمرها أكثر من مئة سنة.
"في 1936 ولدت هنا في هذه المغارة"، قال رضوان قاسم، هذا الاسبوع للصحيفة، "عمري أكبر من عمر دولة اسرائيل. وهي لا توافق على بقائي هنا". في 2011 هدمت الادارة المدنية بيتا من الاسمنت مكونا من غرفتين وشرفة، بناه خارج المغارة لأن المغارة لم تعد تكفي كل العائلة. بعد ذلك هدمت الادارة المدنية الخيمة التي أقيمت بدل البيت. وعادت العائلة وأقامت خيمة هُدمت، الاسبوع الماضي. كان هذا الهدم الاسرائيلي الخامس لديهم، كما قال قاسم وهو يتمدد فوق بساط داخل المغارة التي تكومت فيها اغراض العائلة البسيطة التي تم اخراجها من الخيمة قبل هدمها: عدد من الفرشات وغاز واسطوانة غاز وخزانة وثلاجة صغيرة. هدمت الحظيرة ايضا. "جلسنا ونظرنا كيف يهدمون الخيمة والحظيرة"، قالت عفاف، زوجة رضوان، "وماذا كنا نستطيع أن نفعل؟ لقد بكيت بسبب هذا المشهد".
خيمة الجيران لعائلة نصاصرة "جاء إليها الجنود قبل وصول الجرافة. وبالسكاكين التي كانت بحوزتهم بدؤوا بتمزيق قماش الخيمة"، قالت جواهر، أم العائلة، وهي تلف قطع الجبن بالقماش وتضع عليها صينية معدنية وفوقها قطعتان من الطوب. "لقد أفرغوا خزانات المياه. في اماكن اخرى اكتفوا باسقاط الخيمة.
أما عندنا فقد دمروها بالكامل. قد يكون سبب ذلك أن زوجي قام بالجدال معهم. قال زوجي للجندي: سأعود وأبنيها. والجندي أجابه: سأعود لأهدمها". وقد تم تنفيذ الهدم عند ست عائلات. في المحصلة 23 مبنى، بما في ذلك صندوق تندر استخدم كمخزن وطابون للخبز في المغارة. بعد خربة طانا كان بانتظار الادارة المدنية والجيش يومان للتدمير في غور الاردن في 8 مواقع فلسطينية: خربة عين كرزلية، المكسر، فصايل، المصبح، أبو العجاج، خلة خضر، بردلة وعين البيضا.
لقد هدموا خياما سكنية وحظائر وشارعا وانبوب مياه بطول 2 كم كان يوفر المياه لخمسين عائلة في المنطقة ومخازن. بعض الخيام وانبوب المياه كانت بتبرع من جهات اجنبية. 59 شخصا، منهم 28 طفلا، بقوا بدون سقف، كما قالت "بتسيلم". بعد هذه الموجة من الهدم قال منسق الاعمال الانسانية والتطوير للامم المتحدة في "المناطق" الفلسطينية المحتلة، روبرت فايبر، إن "اغلبية الهدم في الضفة الغربية يتم تحت الادعاء القضائي الكاذب الذي يقول إنه لا توجد رخص بناء للفلسطينيين. لكن المعطيات الاسرائيلية تشير الى أن 1.5 في المئة فقط من طلبات الحصول على رخص البناء في مناطق "ج" تتم الموافقة عليها. ما هي، اذاً، الامكانيات القانونية المتاحة أمام الفلسطيني الذي يحافظ على القانون؟".
يونس قاسم (7 سنوات) من بدو الزواهرة في عين الرشاش، عاد، الثلاثاء الماضي، مبكرا من المدرسة في قرية دوما. ورأى الجرافات والجيبات والجنود (حسب احدى الشهادات كان هناك حرس الحدود ايضا) والعمال يقتحمون الخيام. وقال للصحيفة إنه خاف، رغم أن خيمة عائلته لم تهدم. كان هذا هو الهدم الاول في هذه المنطقة التي تقوم فوق اراض بملكية خاصة لسكان قرى قريبة في شرق قرية المغير وشارع ألون. هدم 43 مبنى في ساعتين في الاصل هؤلاء السكان هم من النقب، طردوا من هناك بعد حرب 1948 وانتشروا في جنوب الضفة الغربية. وفي 1990 اتجهوا شمالا. يوم الثلاثاء، بعد أن خرجت القوة التي هدمت بساعات كانت النساء والاولاد لا يزالون يتجولون بين الفرشات والبطانيات واكياس الطعام وأعلاف الاغنام، التي تكومت بين الصخور.
القطع البلاستيكية وشوادر الخيام وقطع الحديد، كلها كانت ملقاة على الارض بجانب صفائح المياه. مثل الشهادات من خربة طانا، هنا ايضا تحدثت النساء عن أن مجندة مسلحة قامت بمراقبتهم وراقبت الاولاد وراقب جندي مسلح الرجال عندما كان العمال يفرغون محتويات الخيام ويلقونها فوق الصخور. وفي عدة اماكن قام عمال الادارة المدنية بسكب اكياس الطحين والملح والسكر على الارض. وقد هدم 43 مبنى خلال ساعتين منها 10 بيوت سكنية و25 حظيرة و8 مطابخ خارجية. حوالي 60 شخصا، منهم 38 ولدا، فقدوا بيوتهم. قرى خربة طانا وبدو عين الرشاش يرتزقون من رعي الاغنام وبيع الجبن واللحوم. وقلقهم الاول بعد الهدم كان اصلاح حظائر الاغنام والعودة فورا الى روتين الرعي والاهتمام بالماشية. هاتان المنطقتان تجذبان كثيرا من السياح الاسرائيليين ومنهم المستوطنون. "حينما يعلقون بسياراتهم في الطريق الى نبع عين الرشاش نقوم بمساعدتهم ونسحب السيارة العالقة بالتراكتور". السياح يصلون بشكل دائم رغم أن الجيش الاسرائيلي أعلن عن هاتين المنطقتين مناطق عسكرية مغلقة. ويضيف السكان أنه اذا كانت هناك تدريبات فهي تتم في جزء صغير من المنطقة. توجد خربة طانا في منطقة أعلنت كمنطقة عسكرية مغلقة. وتبلغ مساحتها 42.500 دونم، يتدرب الجيش فيها على مساحة أقل من 8 دونمات. عرب الزواهرة يوجدون في منطقة عسكرية مغلقة تبلغ مساحتها 88 ألف دونم، يقوم الجيش باستخدام 2600 دونم. هذا ما كشفه وحسبه الباحث درور اتكس في بحثه "حديقة مغلقة، الاعلان عن مناطق عسكرية مغلقة في الضفة الغربية".
في المنطقة العسكرية هناك 8 آلاف دونم مسجلة كاراض خاصة لسكان القرى في المنطقة. والاعلان عن المنطقة بأنها مغلقة منع المزارعين الفلسطينيين من فلاحة اراضيهم الى أن تحولت الى اراض بور ومرعى للاغنام للعائلات البدوية. خيمة الزواهرة توجد على هذه الاراضي الخاصة، على هامش منطقة التدريب. وفي الصيف ينتقل البدو الى الغرب، خارج المنطقة العسكرية. المحامي شلومو لاكر مثّل عرب الزواهرة أمام الادارة المدنية ومحكمة العدل العليا. وقد تنازلت الدولة عن أوامر الاخلاء التي صدرت في 2010 واستبدلتها بأوامر هدم سلمت للسكان في نهاية تشرين الثاني 2015. وباسم السكان طلب لاكر في الاول من كانون الاول من الادارة المدنية الانتظار خمسة اشهر يقوم البدو في نهايتها بنقل الخيام الى خارج المنطقة العسكرية. وحسب اقوال السكان فانه يمكنهم تمويل الانتقال بعد فترة الشتاء والخريف والربيع التي يبيعون فيها الكثير من منتجات الجبن. وكان الرد يوم الثلاثاء عن طريق الهدم. تحدث رضوان من خربة طانا عن التحرشات بقريته: "في 1967 أطلق اليهود النار على الخراف. وفي 1971 أخذوا الرعاة في المروحيات الى أريحا. ودفعنا غرامة لاطلاق سراحهم. في 1973 أخذوا الخراف في أريحا ودفعنا المال من اجل استرجاعها. وبعدها جاء الهدم". تم تنفيذ الهدم في التسعينيات في ظل عملية اوسلو وانتشار ظاهرة البؤر الاستيطانية.
في 2011 هدم الجيش والادارة المدنية 12 مغارة قديمة. والدعوى في محكمة العدل العليا أدت الى وقف هدم المغارات واقترح القضاة أن تتوصل الاطراف الى حل وسط وطلبت الدولة من السكان اخلاء بيوتهم واراضيهم والحصول على موافقة للدخول الى مناطق زراعية وللرعي لكن بدون مبيت. لكن رفض السكان. وقال مقدم الدعوى، المحامي توفيق جبارين، للصحيفة إن القضاة لم يهتموا بأقواله حول السكان ونمط حياتهم التي ترتبط بمناطق الرعي وبأنهم كانوا موجودين قبل قيام الدولة وقبل الاعلان عن المناطق العسكرية المغلقة. وقد تم استفزاز القضاة فقط من المعلومات التي قدمها عن البؤر الاستيطانية التابعة لمستوطنة ايتمار والتي توجد ايضا في "المناطق" العسكرية المغلقة. وقالت الدولة إنها قامت باخلاء بؤرة استيطانية معروفة باسم "منطقة ايتمار كوهين". وزعمت أن بؤرا اخرى، خصوصا المعروفة باسم تلة 777 أو تلة أرنون، التي أقيمت فيها مبان ثابتة في 1998 والموجودة في مناطق عسكرية مغلقة وعلى قمة تلة، لهذا هي لا تؤثر على التدريبات. وحسب شهادة جاءت في تقرير "حديقة مغلقة" لسكان قرية فلسطينية اخرى في المنطقة، منذ بناء ايتمار كف الجيش عن التدريبات في تلك المنطقة وانتقل الى مناطق اخرى. وبسبب البؤر لا يستطيع الفلسطينيون العودة والعمل في اراضيهم. كان رد الدولة على الدعوى التي قدمها جبارين، عن طريق المحامي روعي شويكة وهو نائب رفيع المستوى في الدولة، أن "مناطق التدريب هي مصادر البناء الاساسية لقوات الامن ولا سيما الجيش... مع تطوير وسائل قتالية متطورة مع مدى اطلاق أكبر، هناك حاجة الى مناطق واسعة... سواء في اسرائيل أو في يهودا والسامرة تعتبر الاراضي مصدر غير متوفر... رغم ذلك، التدريبات الامنية تحتاج الى مناطق واسعة لتدريب وحدات الجيش". وبذلك قام القضاة اليكيم روبنشتاين وسليم جبران وعوزي فوغلمان بشطب الدعوى في تشرين الثاني. وعرف السكان منذئذ أن عليهم تهيئة أنفسهم للهدم الذي سيتم قريبا. وجاء من الادارة المدنية رد بأنه حسب صلاحياتها "تقوم بتطبيق القانون ضد المباني غير القانونية وحسب الاولويات". ولم تجب الادارة على سؤال اذا كان تسريع الهدم، وخصوصا المباني التي هي بتمويل اوروبي، هو نتيجة الضغط الذي تستخدمه اللجنة الفرعية. ولم تستجيب لطلب منحنا معطيات الهدم التي توجد لديها.
عن "هآرتس"