بقلم: أبراهام بورغ*
كانت التهديدات الكبرى على مستقبل اسرائيل في العقود الاولى من وجودها تتعلق بحصانتها الأمنية والاقتصادية. فماذا عن اليوم؟ رغم القوة العسكرية والاقتصادية، الانجازات العلمية، الثقافة العبرية المزدهرة، واستيعاب ملايين المهاجرين، الذين يضمنون الأغلبية اليهودية لسنوات جيل، يحوم في الهواء إحساس بالآنية. في بداية 2016 خلود (دولة) اسرائيل زائف. فالطبقة الرقيقة من الحالة الرسمية المصطنعة التي غطت على الانكسارات الداخلية تمزقت ولم تعد. فاسرائيل منقسمة الى جماعات ثانوية، ولم تعد لها قصة عليا منظمة. لم تعد هناك اسرائيل واحدة، ولم يعد هناك تعريف متفق عليه للخير المشترك لكل الاسرائيليين. فكل أنواع الافكار الغريبة والخطيرة تسود تحت القبة. العنف السياسي، الغرابة الايديولوجية، والانشقاقات الاجتماعية ولدت الخطر الوجودي الحقيقي جدا على مستقبل اسرائيل – التهديد على حصانتها الديمقراطية.
عندما يتحدث الرئيس رؤوبين ريفلين عن القبائل الاربع وعن الحاجة الى توفر لغة اسرائيلية مشتركة بينها، فليس ذلك كل شيء، وذلك لأنه ليس بوسع أي قبيلة ان تقترح حلا للعموم الاسرائيلي. كل واحدة منها حبيسة داخل نفسها، وغير قادرة على أن تتسامى بصيغة لخير اسرائيلي مشترك. في الصهيونية الدينية «اسرائيل» معناها شعب اسرائيل اليهودي، وليس الامة المدنية العموم اسرائيلية. القبيلة الاصولية لم تدعِ ابدا تمثيل العموم اليهودي، فما بالك غير اليهود. الاقلية العربية مقصاة من الاغلبية اليهودية ومتورطة في ازدواجية دائمة بين الانتماء الوطني والانتماء المدني. القبيلة العلمانية، المؤسسة، ممزقة وضائعة. قسمها الجابوتنسكي الذي في اليمين – مثل ريفلين، يوجد في حالة الدفاع، وقسمها الذي في اليسار لم ينتعش من فقدان الحكم في العام 77 ومن اغتيال رابين في العام 1995. وهو يتحرك بانعدام للوسيلة بين الهرب والاعتذار. والنتيجة: إسرائيل المهددة دوما من الخارج مشلولة من الداخل، وتقف على شفا انهيار داخل ثقوبها السوداء خاصتها.
تستوجب الازمة تفكيرا جديدا، يصلح التعالي، التفريق، نزعة القوة، التمييز البنيوي وسيطرة الجهات المتطرفة على التقاليد، الهوية والانتماء لليهود. ولكن الويل، ليس لدى أمة الاستحداثات أفكار. في الماضي كان في اسرائيل ثلاثة مفجري افكار. سياسة الخصومة الايديولوجية داخل الاحزاب وبين الاحزاب اثارت وخلقت افكارا وحلولا، وأثرت فيما وراء الاحزاب. والى جانبها كانت وسائل اعلام مختلطة رافقت الفعل السياسي ونقلته الى الجمهور. ومن فوقهما كانت الاكاديميا، التي شاركت في المشروع الاسرائيلي، واثرت فيه وتأثرت به.
جاءت الانتخابات الداخلية في الاحزاب وثقافة التغطية الاعلامية فصفتا سياسة الافكار ومنحت اولوية مطلقة للنجوم على المضامين. وأدت ثورة الانترنت الى أزمة شديدة في الصحافة المفكرة. واحتلت مكانها وسائل الاعلام الجديدة، التي تفر من القيم ومن المواضيع الاليمة، وتوفر الثرثرة والهذر. وماذا عن الاكاديمية؟ منذ سنين وهي منغلقة في أبراجها العاجية، وتكاد لا تؤثر بقدراتها الرائعة على القواعد القائمة في حياتنا.
يبدأ الاصلاح بتشخيص الخطر: نهاية الديمقراطية الاسرائيلية قريبة وملموسة، ومعها نهاية دولة اسرائيل. ليس لأي من الايديولوجيات قدرة على أن تقترح منطلقا فكريا متفقا عليه للحياة المشتركة. ولا يتمكن من ذلك سوى الاطار الديمقراطي، بالكاد. وعليه، فان الامن الديمقراطي يجب أن يصبح العنصر الحرج لمستقبل إسرائيل الجديد.
ان الكفاح في سبيل روح الديمقراطية يفترض الانتقال من الافكار الى الافعال، ومن المنافسة الى التعاون. توحيد الذوات السياسية، تعاون منظمات المجتمع المدني، والتفكير المشترك بين المختلفين ولكن القلقين. يوجد في اسرائيل الكثير من المنظمات، النشاطات، والمبادرات في مجالات الديمقراطية. لا يوجد عمل مشترك يجعل الضعفاء مؤثرين. وعليه فمن الواجب العودة معا الى الالف باء للافكار الديمقراطية، من اجل تصميم مجال مشترك من الوضوح، العمل والمعارضة للروح الآنية يتم فيه ادخال مفكرين ونشطاء من كل أطياف المجتمع.
يجمع هذا المجال قدرات ثقافية، علمية وبحثية، تجربة عملية والتزاماً انسانياً – لكل الملتزمين بتثبيت الحصانة الديمقراطية لاسرائيل. في مثل هذا المكان يتم تطوير خلاف معافى، منه تولد مسلمات الجيل التالي، ويتبلور فكر مدني جديد يتضمن فهما حديثاً لجوهر الديمقراطية، فحصا نقديا لرؤى الماضي، وترسيم المؤسسات الاجتماعية القائمة والناقصة. في مكان كهذا ستثور بشجاعة المشاكل وتقترح الاتجاهات للحل. وهو سيؤهل جملة متنوعة من الزعماء من ابناء كل القبائل؛ نواب ورجال دين، دبلوماسيين ونشطاء اجتماعيين، مبدعين ومربين. وسيكون مصنعا للافكار والاعمال في دوائر اجتماعية، فكرية وسياسية متسعة. معملا للمبادرات الديمقراطية.
سيكون هذا «وزارة الأمن الديمقراطي» لإسرائيل. رأيها القاطع سيكون معروفا للجميع: السعي للديمقراطية ولقاعدة الحريات التي في اساسها ضمانة وجود اراء مختلفة بل متضاربة. ستكون هذه «كابنيت» المواطنين ومن أجلهم، الملتزمة بقدسية الديمقراطية بصفتها الفكرة الوحيدة المشتركة بين كل الاسرائيليين.
عن «هآرتس»
* الرئيس الأسبق للكنيست.