شُبهة اغتيال رئيسي خيالية!

D2EE8231-76C0-4BE1-866C-C276BEEBC922-e1601304572733.jpeg
حجم الخط

بقلم : عبد المجيد سويلم


 

ليس سهلاً على الإطلاق أن يُجازف الكاتب برأي من قبيل هذا العنوان في ظلّ ما تعجّ به وسائل الإعلام بشتّى أشكالها، من مقالات وأفكار وتحليلات وتقارير وفيديوهات، إمّا بالتأكيد على أنّ الطائرة التي كانت تقلّ الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي قد جرى إسقاطها عمداً بطريقة أو بأُخرى، أو بترجيح أن رئيسي ومرافقيه كانوا ضحيّة صراعات داخلية بين أجنحة ومراكز قوى داخل النظام، وخصوصاً ما أُشير حول دور أحد أبناء المرشد علي خامنئي في "التخلُّص" من الشخصيات القوية التي يمكن أن تنافسه على إحكام سيطرته على مقاليد الحكم في إيران مستقبلاً.
من حيث المبدأ يمكن إرجاع أسباب سقوط ايّ طائرة مروحية أو غيرها إلى الاحتمالات التالية:
أوّلاً، الأسباب الخارجية، وفي هذا الإطار يمكن الحديث عن تعرُّض الطائرة لضربةٍ صاروخية، أو قنبلة زُرعت فيها في مرحلةٍ معيّنة، أو أنّه قد جرى تعطيل كلّ اتصالاتها الملاحية بالتشويش المباشر، أو بهجوم "سيبراني"، أو غيرها من الأساليب التي نعرفها، وأُخرى لا نعرفها.
ثانياً، الأسباب الفنّية، في هذه الحالة، وحسب الإحصاءات المعروفة لكلّ متابع فإنّ تعطّل المحرّكات هو السبب الأكثر شيوعاً، كلّها أو بعضها، سواء كان هذا العطل كلّياً أو جزئياً، أو تعطّل الاتصالات في ظروفٍ استثنائية مثل الأحوال الجوية، ما يسبّب "العمى" الكامل، حين لا يعود ممكناً الاستناد إلى معطيات دقيقة حول "الأخطار" المحيطة بالطائرة من ارتفاع الجبال والقمم، أو درجة المطبّات الهوائية، أو سرعة الرياح واتجاهاتها، وما تُحدثه من ضغطٍ على جسم الطائرة، وغيرها الكثير الكثير من المعطيات التي تتصل بالعوامل الفنّية.
ثالثاً، الأخطاء البشرية، في هذا المجال فإنّ الخطأ البشري لا يعود للنوم أو السهو أو الإهمال، طالما نتحدث عن طاقمٍ يعمل على طائرة الرئيس، وبرفقته وزير خارجيته، وشخصيات هامّة أخرى، وعلى درجاتٍ وظيفية عُليا.
الخطأ البشري هنا يتعلّق بدرجة "المغامرة" التي يمكن للطيار أو الطيارين أن يُقدموا عليها أثناء تعرّضهم لحالات طارئة، وقد يتعلّق الأمر هنا بسوء تقدير، أو بثقة زائدة بالنفس، أو محاولة إثبات قدرات عالية على تجاوز الصعاب، أو غيرها من مثل هذه الاعتبارات والاحتمالات.
هذا كلّه، وغيره من حيث المبدأ، وحسب ما استطعتُ أن أجمعه من معلومات خلال الثلاثة أيّام التي تفصلنا عن ساعة العثور على الطائرة المحطّمة.
أما الأسباب التي دفعت بالكثيرين للمسارعة إلى "تأكيد" أنّ حادث تحطّم طائرة رئيسي كان بفعل فاعل، أو أنّه مؤامرة حِيكَت ضده في الخفاء، وأنّ الأمر يتعلّق باغتيال "مكتمل" الأركان، حسب بعص المصادر والأوساط فمرّده للأسباب التالية:
أوّلاً، هناك من سارع للإعلان عن مؤامرة داخلية قبل التأكّد من وفاة رئيسي، ومن كان برفقته بروح الشماتة والتشفّي، وهؤلاء لا يمكن من الزاوية السياسية الاعتداد برأيهم، أو حتى أخذ آرائهم على محمل الجدّ، أو حتى الإصغاء لما حاولوا أن يتبنوه دون أن يملكوا الحدّ الأدنى من موضوعية الطرح، أو وجاهة وجهة نظرهم من أيّ زاوية.
وثانياً، هناك في ظلّ أجواء الحرب التي تسود في المنطقة، وفي ظلّ الدور الإيراني المعلن لإيران في دعم المقاومة في قطاع غزة، ومن إسنادٍ واضح من قبلها لكلّ أطراف "محور المقاومة" من سارع إلى الاعتقاد أنّ "الانتقام" الإسرائيلي يصبح وارداً، بل ومرجّحاً، خصوصاً وان طائرة رئيسي كانت قريبة من الحدود الأذربيجانية، ودولة الاحتلال لها تواجد "ما" هناك.
وثالثاً، هناك من وسائل الإعلام من هي محسوبة على بعض أوساط المعارضة الإيرانية في الخارج، وأُخرى في الداخل الإيراني، وكذلك من هي محسوبة على بعض الأنظمة العربية التي تناصب إيران الخصومة والعداء، حتى وإن كان هذا العداء لم يعد سافراً كما كان عليه قبل "تطبيع" العلاقات الإيرانية السعودية، وقبل خُمود الحرب في اليمن، وهناك أوساط محسوبة في المجال الإعلامي على دولة الاحتلال، وعلى أميركا، وعلى "الغرب" عموماً من حاولوا "الاستثمار" في حادثة سقوط الطائرة لتأجيج الصراعات الداخلية في إيران وإشاعة كلّ ما من شأنه أن يطعن في استقرار نظامها السياسي، وفي تماسك مكوّناتها وتيّاراتها، بما في ذلك الأجنحة والتيّارات الموجودة في تركيبة النظام السياسي نفسه.
وخلاصة القول هنا، وبعد كلّ ما ذكرناه فإنّ الغالبية السّاحقة ممّا ورد في وسائل الإعلام حول حادثة سقوط الطائرة راح كلّ من زاوية رؤيته السياسية، ومن زاوية خصومته مع الدولة الإيرانية، ومن زاوية رفضه واعتراضه على سياساتها في هذا البلد أو ذاك، أو في عموم الإقليم، أو من زاوية تحالفه مع "الغرب"، أو حتى مناصرة ما تقوم به الدولة العبرية ضد الشعب الفلسطيني من حرب إبادة إجرامية وتجويعية نكايةً بالسياسات الإيرانية ودورها، راح يفسّر ويبرّر ما جرى وكأنّه سيناريو باتجاه واحد ووحيد، معدّ بإحكام تام لا يرقى إليه أيّ شكّ، أو تشوبه أيّ شائبة.
قليلة، وقليلة للغاية المقالات والتعليقات والتقارير التي وضعت الأمور في نصابها الموضوعي، وحاولت جاهدةً أن تتوخّى الدقّة في إصدار الأحكام المسبقة، وأن تبتعد عن أجواء التهريج، أو التهويل أو الإثارة المغرضة.
وهذه القلّة القليلة في مواجهة الإعلام الأصفر عملت ما بوسعها لتوضيح أهميّة انتظار التحقيق، وعدم التسرُّع باستنتاجات لا تتوفّر لها ما يكفي من المعطيات والمقدّمات، ولا تستند إلى ما هو ضروري من وقائع مدعومة بالحقائق وليس الافتراضات.
لا تستطيع أميركا، ولا إسرائيل أن تغامر بالإقدام على خطوة على هذه الدرجة من الخطورة والحساسية، وخصوصاً في ظلّ ما يسود في منطقة الإقليم كلّه من حربٍ مفتوحة على كلّ الاحتمالات، بما فيها الحرب الإقليمية الشاملة، حيث ثبت بالوجه القطعي أنّ أميركا ليست مجرّد غير راغبة فيها، وإنّما ليست قادرة عليها، لكي لا نتحدث عن العجز الإسرائيلي للذهاب إليها من دون الولايات المتحدة.
الإقدام على مغامرة من هذا النوع، وعلى هذه الدرجة ليست واردةً أو مرجّحة، إن لم نقل إنّها مستبعدة بالكامل.
أمّا فيما يتعلّق بالمعارضة الداخلية فإنّ "الصراع" بين أجنحة وتيّارات النظام السياسي في إيران باتت محصورة بين أقطاب "الجناح المحافظ" نفسه، وذلك بعد تراجع دور "التيار الإصلاحي"، وعدم وجود أيّ مؤشّرات سابقة من قبل هذا التيار لأيّ ممارسات من هذا القبيل، هذا على صعيد المعارضة في داخل النظام.
أمّا المعارضة الداخلية من خارج النظام السياسي في إيران فهي وكما يعرف الجميع ليست على هذه الدرجة من القوّة والتأثير، ولا يمكن البتّ بأنّها قادرة بسهولة على "ترتيب" حادثة مدبّرة بهذا المستوى، وأغلب الظنّ أنّ ما ذهبت إليه بعض الأوساط الإعلامية لم يكن سوى ضرب من التمنّيات الخيالية، وأمّا رئيسي وعبداللهيان ورحمتي وآل هاشم فهم جميعاً من التيار المحافظ، وهم من أقرب المقرّبين من خامنئي، ولا يوجد من الوقائع السابقة ما يثبت أو يشير بصورةٍ جادّة إلى ما أُشيع حول دور ابن خامنئي في المستقبل السياسي لإيران.
كما أنّ كل الوقائع تثبت على مدار سنواتٍ طويلة أنّ إيران لديها درجة معيّنة، وخاصة من المؤسّساتية الدستورية التي تسمح بهوامش معقولة من الصراع الداخلي بين أجنحة ومكوّنات النظام السياسي، دون أن يصل هذا الصراع إلى تهديد وحدة وتماسك النظام على ما تبدو عليه الأمور.
وأغلب الظنّ أنّ حادثة سقوط طائرة رئيسي لم تكن سوى خطأ بشري في ظروفٍ جوّية استثنائية، في ظلّ مواصفات فنّية متقادمة للطائرة.