هل نقترب من الدولة الفلسطينية الموعودة؟

تنزيل (3).jpeg
حجم الخط

بقلم : هاني عوكل

 

مع اشتداد الحرب الإسرائيلية على غزة منذ السابع من تشرين الأول الماضي، وشعبية تل أبيب تتآكل يوماً بعد يوم، وتفقد مصداقيتها في العالم وتحديداً بين أهم حلفائها في الاتحاد الأوروبي الذين يتحرك البعض منهم للاعتراف بحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره.
إسرائيل التي تتلقى العديد من اللكمات سواء في غزة، أو على مستوى العالم من الحراك الجامعي وملاحقتها في محكمتي الجنائية والعدل الدوليتين، تلقت صفعة قوية حديثاً من ثلاث دول أوروبية تمضي للاعتراف بالدولة الفلسطينية المستقلة.
إسبانيا والنرويج وإيرلندا قررت الاعتراف بالدولة الفلسطينية، بما ينطوي على ذلك من مضامين تؤكد موافقة هذه الدول على حق الشعب الفلسطيني في أن يكون له دولة مستقلة قابلة للحياة، بعيدة عن كل الإجراءات التعسفية الإسرائيلية التي تلحق الأذى بمبدأ حل الدولتين.
منذ الخامس عشر من تشرين الثاني 1988 لحظة إعلان رئيس منظمة التحرير الفلسطينية آنذاك المرحوم ياسر عرفات قيام دولة فلسطين، واظبت إسرائيل على منع ولادة هذه الدولة، وفعلت المستحيل حتى تُعمّق استيطانها في الضفة بما يقضي تماماً على حلم الدولة الفلسطينية.
وكذلك جنّدت كل حلفائها لملاحقة منظمة التحرير ووأد الدولة الفلسطينية في مهدها، ومن ثم جاءت اتفاقية أوسلو التي افترضت قيام الدولة العام 1999، ولم يحصل ذلك في ظل حكومات إسرائيلية تعاقبت على توسيع الاستيطان بهدف إفشال مبدأ حل الدولتين.
إسرائيل لم تؤمن يوماً بمبدأ حل الدولتين، وظلت تماطل كل الوقت لتهويد الضفة الغربية وإجراء حسابات ومخططات تسمح بالتهام أجزاء كبيرة منها لصالح الاستيطان، وفي المقابل الدخول على خط الاقتتال الداخلي الفلسطيني الذي وقع العام 2007 لإطالة أمد الانقسام ومنع قيام دولة فلسطينية مستقلة.
وعلى الرغم من كل هذه التحركات الخبيثة للتحويط على الضفة الغربية واستحالة إنفاذ مبدأ حل الدولتين، إلا أن الحرب الطاحنة على قطاع غزة تشي بأن إسرائيل مصممة على نسف حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، وتريد له أن يرزح تحت الاحتلال.
المشكلة أن الأميركيين وبعض الأوروبيين انسجموا مع الموقف الإسرائيلي الذي يدعو لمبدأ حل الدولتين بناء على المفاوضات، ومنذ أوسلو حتى هذه اللحظة لم تكن تل أبيب جدية أبداً في أي مفاوضات تنتهي في ذات الطريق الذي يرغبه الفلسطينيون.
على الأرض، لم تتوقف النشاطات الاستيطانية أبداً، حتى أن الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما تململ من سياسة تل أبيب آنذاك وانتقدها بحدية، ورأى أن نهج حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو يبتعد عن حل الدولتين.
ما يجري الآن على الساحة الأوروبية من اعتراف ثلاثي للدول المذكورة أعلاه بالدولة الفلسطينية، يضغط على إسرائيل ويضعها في مأزق حقيقي، خصوصاً أنها تتنصل من قرارات الشرعية الدولية التي تؤكد على قيام دولة فلسطينية على حدود العام 1967.
في قطاع غزة، أوضحت إسرائيل للعالم أنها تعمل ضد الفلسطينيين ودولتهم الموعودة، والدليل أنها تحركت فوراً على ضوء إعلانات إسبانيا والنرويج وإيرلندا، وقررت إلغاء قانون فك الارتباط بشمال الضفة، بما يعني عودة المستوطنين إلى أربع مستوطنات أخليت العام 2005 هي «غانيم وكاديم وحوميش وسانور».
في كل الأحوال، لم تكن تل أبيب تحتاج إلى مثل هذا القرار الذي أعلنه وزير الدفاع يوآف غالانت لإلغاء قانون فك الارتباط بشمال الضفة، لأن إسرائيل لم تحد يوماً عن مخططها الاستيطاني الذي يهدف إلى تهويد الضفة الغربية.
لكن خطوة غالانت الانتقامية جاءت حتى تضرب بلاده بعرض الحائط كل الخطوات التي تقوم بها إسبانيا والنرويج وإيرلندا للاعتراف بالدولة الفلسطينية، وكأن لسان حال وزير الدفاع الإسرائيلي أن القيادتين السياسية والعسكرية ستقف بقوة لأي خطوات أوروبية لاحقة تستهدف الاعتراف بحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره.
في الحقيقة، يمكن القول، إن خطوات الدول الثلاث على رمزيتها وأخلاقيتها، تُشكّل قيمةً مُضافةً للفلسطينيين وتستلهم قوتهم للدفاع عن حقوقهم والتصدي للاحتلال بكل صلابة وحزم، هذا عدا أنها قد تشكل مقدمة و»فاتح شهية» أمام مضي دول أوروبية أخرى للاعتراف بالحقوق المشروعة للفلسطينيين.
كذلك هي صرخة في وجه إسرائيل أن عليها التوقف عن عدوانها واحتلال غزة ووقف كل الأعمال الاستيطانية في الضفة الغربية، ومن شأن الاعتراف الأوروبي هذا أن يفضح إسرائيل أكثر فأكثر ويعريها أمام المجتمع الدولي، ويحولها إلى دولة منبوذة.
في النهاية، سيحصل الفلسطينيون على دولتهم المستقلة، لكن هذا الطريق لا يزال غير واضح، وهو طريق مُعبّد بالدم والتضحيات التي يدفع ثمنها شعبنا في الضفة والقطاع، وكلما تمادت إسرائيل في عنصريتها وقسوتها اقتربت شمس الحقيقة وأصبح الفلسطيني قاب قوسين أو أدنى من موعد قيام الدولة الموعودة.