خلف الوجهِ البشوشِ، والروحِ المرحةِ أمام الكاميرات، تتوارى رحلةٌ شاقةٌ من العملِ للفنَّانةِ المصريَّة الصاعدة هدى الإتربي، سواءً على المستوى الشخصي والمهني، أو فتراتِ التعرُّف على الذات، أو محاولةِ التصالحِ مع الأزماتِ والمتاعبِ التي مرَّت بها على مدى أعوامٍ طويلةٍ. في لقائنا معها، شاركتنا هدى هذه الجوانبَ، التي لا تُظهرها للناس، وآراءها للمرَّةِ الأولى. توغَّلنا كذلك في أفكارها، ومشاعرها، خاصَّةً بعد عودتها إلى خطفِ الأضواء بدورها الذي لاقى شعبيَّةً كبيرةً في مسلسل «العتاولة»، وما رافقه من ضجةٍ إيجابيَّةٍ وسلبيَّةٍ في آنٍ واحدٍ.
وجه الشبه الوحيد
تسبَّب دور «دينا» في مسلسلِ «العتاولة» في ضجةٍ كبيرةٍ، كيف تابعتها؟
بسعادةٍ بالغةٍ. شاهدت أمامي أعواماً من التعبِ، تؤتي ثمارها أخيراً بعملٍ، كنت واثقةً من نجاحه، وحاولت فيه تقديمَ شخصيَّةٍ جديدةٍ علي، فتاةٌ «دلُّوعةٌ»، أفسدها دلال والديها لها، وتسبَّبا في تحويلها إلى شخصٍ، يتعجَّلُ الثروةَ، ويسلكُ أقصرَ الطرقِ للحصولِ عليها، مستغلةً في ذلك أنوثتها وشكلها.
هل هناك عاملٌ مشتركٌ بين شخصيتكِ الحقيقيَّة وبين «دينا» في «العتاولة»؟
أعتقدُ أن وجه الشبه بيني وبين «دينا»، هو حبُّها للدلالِ والفرحِ، وامتلاكها حسَّ دعابةٍ، يسيطرُ على تعليقاتها، وطريقتها في التحاورِ مع الناس.
هل سلبتكِ بعض التعليقاتِ السلبيَّة وعناوين أخبارٍ فرحةَ نجاحِ الدور؟
كلا. تعلَّمتُ في الأعوامِ الماضيةِ كيف أمنعُ أي شخصٍ من أن يسرقَ مني فرحتي بنجاحي. تعلَّمتُ كذلك ألَّا أتعاملَ مع التعليقاتِ السلبيَّةِ بشكلٍ شخصي، وبناءً عليه، أعدُّ شراسةَ بعض كارهي شخصيَّة «دينا» في «العتاولة» دليلاً على نجاحي في أداءِ الدور، وقدرتي على الإقناع. أمَّا أصحابُ العناوين الصحفيَّة الذين اختصروا تغطيتهم لدوري في شكلي، ووزني، وطبيعةِ قوامي! فهؤلاء يستغلُّون الاهتمامَ الذي يحظى به العملُ للرواجِ المؤقَّت على حسابي!
كيف تردِّين على التركيزِ الشديدِ على مظهركِ؟
مع الأسف، هذه طبيعةُ بعض الأشخاصِ في مجتمعنا، إذ يحاولون باستمرارٍ ربطَ النجاحِ بأي شيءٍ آخرَ غير مهارتك ومجهودك ومحاولاتك للتقدُّم! مثل الجمالِ، أو العلاقاتِ، أو أي مبرِّرٍ آخر، ليحصلوا على نصيبٍ من الضوءِ المسلَّط عليك.
كيف تحافظين على معنوياتكِ مرتفعةً، وحالتكِ النفسيَّة جيدةً، مع تجنُّب الآثارِ السلبيَّةِ التي ترافق الأضواءَ والترند؟
أتوجَّه للمختصين، إذ أتابعُ مع «مدربِ حياةٍ»، يساعدني في ترجمةِ مشاعري، والعملِ عليها بشكلٍ صحِّي، كما يعلِّمني كيف أتفاعلُ بإتقانٍ مع المعطياتِ من حولي، والمصاعبِ الشخصيَّة، ولعل أهمَّ ما تعلَّمته منه ألَّا أتخذ أي قرارٍ وأنا تحت تأثيرٍ موجةِ مشاعرَ قويَّةٍ، فذلك يحجِّمُ رؤيتي للأشياء على حقيقتها.
نتاج مجهودي
أطلقي لقباً على الفترةِ الجاريةِ من حياتكِ، وعلى عام 2024؟
على الفترةِ الجاريةِ من حياتي، أطلقُ لقبَ «إزاي تعرفي نفسك»، فحالياً أتعرَّفُ على نفسي أكثر، وأقدِّسُ وقتي الخاصَّ معها، وأنظِّمُ مشاعري. أمَّا 2024، فهو بالنسبةِ لي عامُ الحصاد، العامُ الذي أرى فيه نتاجَ مجهودي بعد فترةٍ طويلةٍ لم أكن أحصلُ فيها على النتائجِ التي أستحقُّها.
على طريقةِ «مدرّبي الحياة»، قدِّمي نفسكِ بثلاثِ صفاتٍ، تسعين إلى تحقيقها في المستقبلِ القريب؟
هدى ناجحةٌ، هدى حصلت على المكانةِ التي تستحقُّها، وهدى لا تسمحُ لأحدٍ باستغلالها.
قدِّمي لنفسكِ نصيحةً، كنتِ تودِّين سماعها قبل عشرة أعوامٍ؟
أتمنَّى لو أخبرت نفسي، أن تخفِّف من شعورها بالمسؤوليَّةِ والذنبِ عن كلِّ مشكلةٍ، وموقفٍ صعبٍ يحدث في حياتها. لقد أمضيت أعواماً عدة أحمِّلُ نفسي مسؤوليَّة أي خذلانٍ، أو استغلالٍ، تعرَّضت له في حياتي.
من عالم الفن ما رأيك بالاطلاع على هذا اللقاء مع الممثلة مريم الخشت
خطوةٌ في غاية الأهميَّة
قبل دخولكِ عالمَ الفن، كنتِ تعملين في المحاماة. تخيَّلي أنكِ عدتِ لممارسةِ المهنة، لكنْ تخصَّصتِ في مساعدةِ زملائكِ الفنَّانين، ما أوَّلُ نصيحةٍ قانونيَّةٍ ستقدِّمينها لعملائكِ من هذا الوسط؟
كتابةُ كلِّ تفاصيلِ العملِ في العقد، وعدمُ التوقيعِ عليه دون تسلُّمِ كاملِ السيناريو. يجبُ أن يُكتبَ العملُ بالكامل، وأن يعرفَ الممثِّلُ دوره جيِّداً، وكلَّ ما يتطلَّبه هذا الدور. الأمرُ الثاني، أن تُذكرَ في العقدِ مدةُ التصوير، وهي خطوةٌ في غايةِ الأهميَّة ففي بعض الأعمال، يحدثُ أن يتسبَّب عجزُ الميزانيَّة، وسوءُ التخطيط في طولِ فترةِ التصوير، ما يعني تغيُّر شكلِ الممثِّل، وتغيُّر أجره، وحتى ذوقه في اختيار أدواره.
في رأيكِ، هل تحصلُ النساءُ على أدوارِ بطولةٍ كافيةٍ، وهل تُناقشُ قضايا المرأة بشكلٍ وافٍ في الدراما العربيَّة؟
الأهمُّ من حصولنا على أدوارِ بطولةٍ، أن نقدِّمَ للجمهور قصَّةً، تكون بطلتها الحقيقيَّةُ، هي المرأة. البطلُ في الروايةِ، هو محرِّكُ الأحداث، وصاحبُ المشكلةِ والعقدة، وكثيرٌ من الأعمالِ الحاليَّة، تقدِّمها بطلاتٌ، لكنَّ قليلاً منها، يسلِّطُ الضوءَ على قضايا النساءِ ومشكلاتهن في المجتمع.
ما القضيةُ، أو المشكلةُ التي تتمنِّين مناقشتها في عملٍ درامي؟
الضغطُ الدائمُ على الفتياتِ بشأنِ تأخُّر سنِّ الزواجِ والإنجاب، والأثرُ النفسي والمجتمعي السيِّئ لتوبيخهن، وربطُ نجاحهن في الحياةِ بالإنجابِ فقط! شاهدتُ في حياتي عديداً من الزيجاتِ الفاشلة التي انتهت بشكلٍ كارثي على رأس الفتاةِ وحدها، وما كانت لتقبل بهذا الزواجِ لولا الضغطُ الرهيبُ الممارسُ عليها من الأهل.
مسلسلي الجديد «نقطة سودة»
بعد نجاحكِ في «العتاولة»، ما أحدثُ أعمالكِ الفنيَّة؟
أستعدُّ لعرض مسلسلي «نقطة سودة» خلال شهر مايو، وألعبُ فيه دوراً عزيزاً على قلبي، لذا كنتُ في أسعدِ لحظاتي وأنا أصوِّر مشاهده. سيراني الجمهورُ في دورٍ مركَّبٍ ومعقَّدٍ، وسيحتار بين التعاطفِ مع الشخصيَّة وبين كرهها، وهو من نوعيَّةِ الأدوارِ التي يتمنَّاها أي ممثِّلٍ، ليُظهر فيه قدراته.
ما أصعبُ مشاهدكِ في «نقطة سودة»؟
لا أظنُّ أني صادفتُ مشهداً صعبَ التنفيذ، فقد ذاكرتُ الشخصيَّةَ فترةً طويلةً، واستعنت بمدربِ تمثيلٍ لهذا الدورِ المهم، وساعدني في فهمِ دوافعِ الشخصيَّة، وإتقانِ دوري.
مهنةُ «مدرب التمثيل»، بدأت بالظهورِ أخيراً في الوطنِ العربي، ما سرُّ رواجها في نظركِ؟
المهنةُ موجودةٌ ومعترفٌ بها في هوليوود منذ أعوامٍ طويلةٍ، لكنَّ المخرجين العرب، كانوا يقومون بهذا الدورِ في السابق، نظراً لطولِ فترةِ التحضير لدينا، لكنْ مع تسارعِ إيقاعِ التصوير، لم يعد هناك متَّسعٌ من الوقتِ للمخرجِ للقيامِ بالدورِ فوق دوره الأساسي، وهو إخراجُ العملِ بكلِّ عناصره، لذا ظهرت الحاجةُ إلى مدربٍ، يضبطُ إيقاعَ العملِ مع الممثِّل، ويتخصَّصُ في التركيزِ على نقاطِ ضعفه، ويقومُ بتنميةِ مهاراته وفقاً لمتطلباتِ كلِّ دورٍ.