إسرائيل تدافع عن أميركا وفلسطين تدافع عن من؟

BGh5Q.jpg
حجم الخط

بقلم : طلال عوكل

 

المرشّحة السابقة للرئاسة الأميركية، وسفيرة الولايات المتحدة الأميركية السابقة لدى الأمم المتحدة نيكي هايلي، لم تفوّت فرصة التوقيع على قذائف مدفعية أميركية المصدر كتبت عليها «اقضوا عليهم.. أميركا تحبّ إسرائيل». 
كان ذلك خلال زيارة لها إلى الحدود مع لبنان اعترفت خلالها بأنّ إسرائيل تقاتل أعداء الولايات المتحدة، ولا تتوقّف حتى تنتصر.
تصريح السفيرة هايلي، سبقها ويرافقها سياسات وممارسات أميركية رسمية تؤكّد أنّ الولايات المتحدة هي من تقود الحرب، دفاعاً عن مصالحها، وإستراتيجياتها، ودفاعاً عن دولة الاحتلال، التي تحتل موقع الصدارة، بين الدول التي تحافظ وتحمي مصالح الولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط، وتنفّذ أهدافها الاستعمارية.
لم يكن المستهدفون، وهم الفلسطينيون والعرب والمسلمون، بحاجة إلى مثل هذا الاعتراف، حتى يغادروا منطق الصمت والتخاذل، والخوف إزاء ما ترتكبه الولايات المتحدة وإسرائيل بحق الفلسطينيين وقضيتهم، ولا نعتقد أنّ ثمة غموضاً إزاء الأهداف الأميركية التي تستهدف إعادة رسم خارطة الشرق الأوسط، بما في ذلك تمزيق الممزّق العربي، وإحكام السيطرة على الكلّ.
إذا لم يكن الخوف من الغضب الأميركي، فلا شيء يفسّر هذا الهوان العربي حتى بعد أن أفشل الفلسطينيون وحدهم المخطّطات والأهداف الأميركية و»الغربية» والإسرائيلية.
تقترب الحرب من إقفال شهرها الثامن ولا تحقّق أميركا ودولة الاحتلال، أيضاً، من أهدافها سوى القتل ومزيد من القتل والتدمير وارتكاب أبشع المجازر في القرن الحادي والعشرين.
تصريح هايلي يؤكّد أنّ أميركا تقف خلف بنيامين نتنياهو الذي يواصل التأكيد ليل نهار على أنّه لن يوقف الحرب، حتى يحقّق الانتصار الحاسم الذي تعترف أطراف كثيرة إسرائيلية وأميركية بأنّه بعيد المنال.
تختلف الإدارة الأميركية مع نتنياهو حول الطريق الأفضل والأسرع والأقلّ تكلفة لبلوغ الانتصار الحاسم.
في الحقيقة فإنّ الانتصار الحاسم، ليس سوى إنقاذ ماء الوجه للقوة العظمى والجيش الذي يدّعون أنّه لا يُقهر، فلقد حقّق الفلسطينيون الانتصار بكلّ الأبعاد الإستراتيجية منذ اليوم الأوّل للحرب الدموية في 7 تشرين الأوّل/ أكتوبر الماضي.
الحرب كان يُفترض أن تنتهي في غضون أشهر قليلة بحسب التقديرات الأميركية الإسرائيلية، وها هي تقفل شهرها الثامن، دون أن تحقّق الأهداف.
لم يحصل تهجير الناس إلى سيناء المصرية، ولم تنجح إسرائيل في الإفراج عن أيّ أسير إسرائيلي، ولم تنل آلة الحرب من عزيمة وقوّة المقاومة الفلسطينية التي لا تزال فاعلة وتكبّد جيش الاحتلال الإسرائيلي المزيد من الخسائر البشرية والمادية.
تعتقد إسرائيل أنّها، وقد أعلنت انتهاء مهمّتها بالقضاء على الأنفاق وتفكيك بنية المقاومة في شمال غزّة، وإذ بها تضطرّ للعودة لتواجه مقاومة أشدّ بأساً، وأكثر قدرة على تعظيم الحصاد.
لم ترتدع الدولة العبرية ولم تتعلّم الدرس، ولذلك من غير المستبعد أن تعود إلى خان يونس، التي انسحبت منها، بعد أن أعلنت انتهاء مهمّتها.
ومقابل ذلك، يزلزل الشعب الفلسطيني ومقاومته كلّ أركان الكرة الأرضية بما في ذلك في أميركا، والدول الغربية الشريكة، وبالتأكيد في إسرائيل، إلى أن أصبحت الأخيرة دولة منبوذة، وأميركا دولة معزولة.
يحاصر الشعب الفلسطيني ومقاومته، الشركاء «الغربيين»، وشركاء الحرب، دولة الاحتلال، وأميركا، قانونياً، وأخلاقياً، وسياسياً وشعبياً، بصرف النظر عمّا إذا كانت إسرائيل ستلتزم وهي لم تلتزم بقرارات مجلس الأمن، ومحكمة العدل الدولية، والمحكمة الجنائية الدولية.
العالم كلّه يتّهم إسرائيل ومن وراءها بارتكاب جرائم إبادة جماعية وجرائم ضد الإنسانية، وجرائم بحق القانون الدولي، وهي تنتظر قراراً من الأمين العام للأمم المتحدة، لوضعها في القائمة السوداء بارتكابها جرائم ضدّ الأطفال.
ثلاث دول أوروبية هي: إيرلندا والنرويج وإسبانيا، هي بداية خط إنتاج المزيد من الاعترافات بدولة فلسطين على الأراضي المحتلة العام 1967. وماذا بعد، هل يمكن لأحد تجاهل الأثمان الباهظة التي تدفعها دولة الاحتلال من قتلى وجرحى وانقسامات سياسية ومجتمعية وهجرة معاكسة واقتصاد وهجرة داخلية وانكسار هيبة الجيش والأجهزة الاستخبارية؟. سيكون حساب قيادة الحرب عسيراً، من قبل الإسرائيليين الذين سيكتشفون حجم ما أصابهم.
تُكابر الإدارة الأميركية، وتتخبّط قراراتها وإعلاناتها وادّعاءاتها بالحرص على المدنيين الفلسطينيين، وضرورة فتح المعابر، وإيصال المساعدات لمستحقّيها ولكن الواقع يفضح كلّ هذه الادّعاءات.
تقول الإدارة الأميركية إنّها تعارض هجوماً إسرائيلية واسعاً على رفح، ولكن الوقائع على الأرض تؤكّد أنّ الهجوم الواسع قد بدأ منذ وقت.
المعابر مغلقة، والممرّ البحري متوقّف بحجّة ارتفاع الأمواج، وجيش الاحتلال يمنع وصول المساعدات منذ كثير من الوقت، وأيضاً يقوم باستهداف المستشفيات، وفرق الدفاع المدني، وموظفي المؤسّسات الدولية، ما يعني أنّ أميركا شريكة في حرب التجويع.
قوات الاحتلال الإسرائيلي وصلت إلى وسط مدينة رفح، واحتلّت ثلثي «محور فيلادلفيا»، بالإضافة إلى معبر رفح، وتواصل ارتكاب مجازر جماعية في مجمع الخيام غرب رفح، في المنطقة التي يسمّونها آمنة، بينما تدّعي الإدارة الأميركية أنّ دولة الاحتلال لم تتجاوز الخطّ الأحمر.
لم تتجاوز قوات الاحتلال الخطّ الأحمر الأميركي وكأنّ الأمر يتعلّق بمكان وصول الجنود والدبابات، دون حساب لدور الطيران الحربي، والمدفعية البرّية والبحرية، التي تغطّي كلّ أنحاء رفح وجوارها.
إنّ كلّ ما تريده وتسعى إليه إدارة جو بايدن، هو الإفراج عن الأسرى الإسرائيليين والحصول على وقت قصير لإتمام «صفقة التطبيع» مع السعودية، ثم لتتابع دولة الكيان حربها لتحقيق بقية الأهداف.
ولكن عبثاً تحاول، فالمقاومة لا تزال قوية ميدانياً، وحذِرة سياسياً، والوقت لا يعمل لصالح التحالف الأميركي الإسرائيلي.
الانتخابات الأميركية على الأبواب، و»مجلس الحرب» الإسرائيلي على كفّ عفريت، ولن تنجح كلّ محاولات الطرفين في وقف المحاكمات الدولية، التي تدفع الطرفين إلى مزيد من العزلة الدولية، باعتبارهما يهدّدان الاستقرار والسلم العالميين، ويهدّدان منظومة القيم الدولية والشاطر من النظام الرسمي العربي من يستدرك ضعفه وتخاذله وصمته.

 

 

 

 

 

  •