الشرق الأوسط في مرحلة توتر وغليان، وليس من المبالغة القول إن عامي 2013 و2014 سيكونان من الأعوام الفاصلة والحاكمة في تشكيل مستقبل المنطقة، والأحداث تتالى بمعدلات أسرع يوماً بعد يوم، وتفكك مواءمات كان يتجنب تجاوزها عبر عقود طويلة من الزمن.
وشهد الأسبوع الماضي تحديداً والأيام القليلة السابقة عليه مباشرة أحداثاً ومفاجآت عديدة، أهمها:
- استولت إسرائيل على المعبر الفلسطيني في رفح، ورفعت الأعلام الإسرائيلية عليه في مواجهة المعبر المصري، على رغم التحذيرات المصرية بخصوص التوسع في رفح.
- هدد وزير إسرائيلي رئيس وزرائه بالانسحاب من الحكومة إذا لم تقر الحكومة قبل نهاية الأسبوع الأول من يونيو (حزيران) 2024 خطة متكاملة للتعامل مع الأوضاع في غزة عقب وقف الاقتتال.
- اتهم وزير خارجية إسرائيل مصر بغلق معبر رفح وحملها مسؤولية فتحة، وهو ما ردت عليه الخارجية المصرية وفندته بصورة حادة وقاطعة.
- إعلان تعثر المفاوضات الخاصة بوقف إطلاق النار وتبادل الأسرى بين إسرائيل و"حماس" تحت رعاية مصرية قطرية، وتم تسريب أخبار تحمل مصر مسؤولية الفشل على أساس أنها غيرت من الصياغات المتفق عليها، ولم تنقل مضمونها بصورة سليمة بين الأطراف.
- تواصل إسرائيل عملياتها العسكرية في رفح على رغم التحذيرات الأميركية، وأعلنت الولايات المتحدة عن صفقة سلاح جديدة تتجاوز البلايين، على رغم أنها أعلنت منذ فترة وجيزة أنها ستؤجل تسليم إسرائيل بعض القنابل الثقيلة إزاء تجاوزات تل أبيب المميتة ضد آلاف المدنيين في غزة.
- تسربت أخبار عن تعديل إسرائيل خطة عملياتها في غزة، وأن الخطة المعدلة تحظى برضاء ضمني من أميركا، وقد تفتح الباب لاستئناف مفاوضات وقف إطلاق النار والإفراج عن الرهائن.
- تقدم المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم أحمد خان بطلب توجيه الاتهامات ضد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع يواف غالانت، كما تقدم أيضاً بطلب توجيه الاتهامات ضد قيادي "حماس" يحيى السنوار، ورئيس كتائب القسام محمد ضيف، ورئيس المكتب السياسي إسماعيل هنية.
- اعترفت إسبانيا وإيرلندا والنرويج بدولة "فلسطين".
- سقطت في شمال غربي إيران طائرة مروحية إيرانية عائدة من أذربيجان، قتل فيها الرئيس إبراهيم رئيسي، ووزير الخارجية أمير عبداللهيان، وهي المروحية الوحيدة التي سقطت من الطائرات الثلاثة، التي كانت تقل وفداً رسمياً إيرانياً بعد المشاركة في افتتاح سد يوم الـ19 من مايو (أيار) 2024، وأسرعت أميركا وإسرائيل لنفي أية صلة بتلك الحادثة، فيما تتكاثر الإشاعات والتسريبات وروايات مختلفة عن الحادثة من السابق لأوانه التعرض إليها، عدا الإشارة إلى أن عدم الاستقرار بإيران في ظل شرق أوسط متوتر لا يطمئن أو يبشر بالخير.
- حضر عدد من القيادات الدولية المراسم المرتبطة بالضحايا الإيرانيين، واشترك فيها وزير الخارجية المصري على رغم العلاقات المحدودة بين البلدين.
- على رغم توتر الأوضاع في قطاع غزة إزاء الممارسات الإسرائيلية، قام مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان بزيارة جديدة إلى كل من إسرائيل والسعودية، وهو المتخصص بمتابعة المفاوضات الأميركية السعودية حول العلاقات الاستراتيجية.
- تسربت تصريحات نسبت إلى وزراء إسرائيليين بأن الولايات المتحدة تعلم جيداً أن إقامة دولة فلسطينية لم تعد فكرة مقبولة أو مجدية.
- أصدر وزير الخارجية الأميركي تصريحاً يحمل إسرائيل المسؤولية، ويعلن فيه صراحة أن عليها أن تقرر إذا كانت تريد سلاماً مع العرب أم لا، والتنويه الضمني هنا إلى سلام مع السعودية، والمتمسكة بأن السلام لا يتحقق على حساب القضية الفلسطينية.
- أعطت "الجمعية العامة للأمم المتحدة" عدداً من المزايا للوفد الفلسطيني، واقترب من حقوق ومسؤوليات الدول الأعضاء، بعد أن استخدمت الولايات المتحدة حق النقض (فيتو) ضد مشروع قرار باعتبار فلسطين دولة عضواً.
- عقدت القمة العربية بحضور قيادات مهمة، واجتمعت بصورة نمطية، ولم تخصص وقتاً كافياً لأية مناقشات معمقة، وخرجت بمناشدات ومطالبات عديدة من المجتمع الدولي، من دون اتخاذ العرب أية إجراءات جديدة تجاه إسرائيل ومؤيديها، على رغم تفاقم الأوضاع وتعثر كل الجهود لوقف إطلاق النار أو لتأمين توافر وتوزيع كميات كافية من المساعدات الإنسانية.
من أهم دلالات تلك الأحداث والمتناقضات أن هناك تقارباً أميركياً - إسرائيلياً حول استمرار العمليات العسكرية في غزة، وحول صورتها وحدتها، وهو ما يجب أن يحتاط منه عربياً، لأنه يعني استمرار التوتر والعمليات العسكرية في القطاع مع تخفيف حدتها، أي عمليات مستمرة ومعاناة لا تنتهي.
واتصالاً بذلك، هناك مؤشرات على وجود توافق أميركي - إسرائيلي للسيطرة على المعابر عامة، ومعابر البضائع والسلع تحديداً، وأن يتم ذلك من خلال الرصيف العائم الأميركي الذي بدأ تشغيله أخيراً، أو من المعابر بين إسرائيل وقطاع غزة، بما يعني وضع غزة الآن وصاعداً داخل حصار أمني إسرائيلي محكم، حتى إذا سمح بمرور محدود لبعض الأفراد من معابر أخرى.
وهناك حملة ممنهجة للضغط علي الجانب المصري لتليين موقفه أو الحد من ردود فعله تجاه التصرفات والتجاوزات الإسرائيلية المحتملة والمتوقعة لعدم ثقة الولايات المتحدة في نتنياهو والتزامه بما تعهد به.
في المقابل، ارتفعت حدة التصريحات المصرية وتحذيراتها، ومن الواضح أن التصرفات الإسرائيلية تجاوزت المقبول مصرياً، وأن الرأي العام المصري استشاط غيظاً من ازدواجية المعايير الأميركية، وغاضب بشدة من العجرفة الإسرائيلية، ويدفع نحو اتخاذ إجراءات دبلوماسية محددة وأكثر شدة، وأعتقد أن تنامي الاتصالات المصرية مع إيران قبل الحادثة والمشاركة المصرية على المستوى الوزاري في مراسم الجنازة مؤشر على رغبة مصرية باتخاذ مواقف أكثر استقلالية في الشرق الأوسط عامة.
وإذا كان هناك شبه توافق أميركي - إسرائيلي حول نمط المرحلة المقبلة من العمليات العسكرية والمعابر بالقطاع، فإن التباين لا يزال قائماً بينهما حول منهجية بل وجدوى التحرك نحو حل الدولتين، والذي لا توافق عليه إسرائيل الآن حتى كبديل جدلي، مما يشكل عقبة حقيقية للولايات المتحدة، لذا أطلق بلينكن تصريحاته نحو إسرائيل، إذ يهم الولايات المتحدة تحقيق تقدم نحو السلام العربي - الإسرائيلي، الذي ترفض السعودية أن يكون على حساب هذا الهدف.
وفي إسرائيل، هناك غليان وتوتر سياسي من زواية مختلفة انعكس في تصريحات صدامية بين المسؤولين، وتنامى الاستعداد للتصادم اللفظي العلني حتى مع أقرب الأصدقاء مثل الولايات المتحدة، فضلاً عن التصريحات الصادرة عقب إعلان بعض الدول الغربية الاعتراف بدولة فلسطين، وبعد صدور طلبات المدعي العام لـ"المحكمة الجنائية الدولية" بخصوص بعض مسؤوليها.
وأسباب الغليان والفوران الإسرائيلي عديدة، أولها أنها دولة خارجة عن القانون، وعاصية ومغرورة، اعتادت أنها محصنة ولا تحاسب دولياً لأنها تحظى بغطاء سياسي غربي، وعلى قمته الولايات المتحدة، حتى عندما تمارس العنصرية والإبادة الجماعية والتهجير القسري. وفجأة، وجدت نفسها شبه معزولة، ومحل محاسبة كدولة ومسؤولين أمام محاكم دولية، فيما تتصاعد الدعوة إلى تحقيق حل الدولتين مرة أخرى، وعدد الدول المعترفة بفلسطين يتزايد حتى بين أصدقاء إسرائيل.
أعتقد أن تطورات الأيام الأخيرة عكست أن الرأي العام للمجتمع الدولي فاض به الكيل ولم يعد يقبل بهذا القدر من التجاوزات الإسرائيلية أو الازدواجية في المعايير على حساب الفلسطينيين قانونياً وإنسانياً، وهو ما يجب أن يستثمر فلسطينياً وعربياً.
وختاماً، علينا مصارحة أنفسنا، فالعالم العربي لا يريد أن ينجرف إلى حروب وصدامات ويتطلع إلى شرق أوسط آمن ومستقر، وهو الداعي الرئيس والصادق للسلام العربي الإسرائيلي الشامل، بما في ذلك إقامة دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشرقية، كهدف استراتيجي وموقف جوهري، إلا أن عليه مراجعة ممارساته وآلياته إذا لزم الأمر، لأن التعامل مع الأوضاع على أنها نمطية أو تقليدية وعدم اتخاذه مواقف وإجراءات إزاء التجاوزات الإسرائيلية يحد من مصداقيتنا جميعاً، ويغلب قانون الغابة في نمط الممارسات بالمنطقة، وهو أمر جد خطير.