إسرائيل تبحث عن انتصار في محور «فيلادلفيا»

تنزيل (3).jpeg
حجم الخط

بقلم : هاني عوكل

 

ما الذي يدفع الاحتلال الإسرائيلي للسيطرة العملياتية على محور صلاح الدين "فيلادلفيا" الواقع جنوب قطاع غزة مع  مصر، وهل يعني ذلك بداية تحقيق الأهداف الإسرائيلية المتمثلة في القضاء على حركة "حماس"؟
في البداية ينبغي التأكيد على أهمية هذا المحور الممتد من معبر كرم أبو سالم شرقاً إلى شاطئ البحر المتوسط غرباً بطول 14 كيلومترا وعرض يصل إلى 100 متر تقريباً، كونه ممراً حدودياً يفصل بين مصر وقطاع غزة وفيه معبر رفح الذي يعتبر الشريان الوحيد لأهالي القطاع إلى العالم الخارجي.
إسرائيل التي سيطرت على قطاع غزة وشبه جزيرة سيناء بعد احتلال العام 1967، وقّعت اتفاقية سلام مع مصر عام 1979، ومقابل هذا السلام انسحبت من شبه جزيرة سيناء، وجرى حينها نزع سلاح المنطقة الحدودية بين البلدين.
وحين أعلنت إسرائيل عن خطة فك الارتباط أحادية الجانب عن قطاع غزة عام 2005، أنهت حكمها العسكري هناك تحت وطأة التكاليف الاقتصادية والعسكرية والأمنية لمستوطناتها الـ21، وفي إطار خطة أشمل تستهدف فيها زيادة الاستيطان في الضفة الغربية وتهويد القدس.
الآن لماذا تعود إسرائيل إلى محور "فيلادلفيا"، وما الذي يعنيه سيطرتها على هذا المحور؟ وهل ستتأثر علاقتها بمصر، خصوصاً وأن هذا الإجراء العسكري يحمل رسائل سياسية، وينافي جوهر اتفاقية السلام مع مصر بشأن ضمان ما يسمى سلامة المنطقة العازلة من أي تواجد عسكري على الحدود بين القوتين؟
في الحقيقة يمكن القول إن تل أبيب لم تحقق أياً من أهدافها العسكرية في قطاع غزة، إذ لم تفرج عن أسراها لدى "حماس"، ولم تتخلص من الأخيرة، وليس لديها أي مشروع حقيقي بشأن مستقبل إدارة القطاع بعد الحرب، وحتى لم تحقق أي انتصار سياسي واضح في عدوانها المفتوح على قطاع غزة.
إعلان السيطرة من جانب إسرائيل على محور "فيلادلفيا" فيه رسالة للمجتمع الإسرائيلي، أن قيادته السياسية والعسكرية تمكنت من تحقيق نوع من الانتصار بالوصول إلى هذا الممر الحدودي المهم، وهي رسالة أخرى للمجتمع الدولي أن إسرائيل ماضية في تحقيق أمنها الاستراتيجي حتى لو كلها ذلك المزيد من العزلة.
كذلك في موضوع احتلال هذا الممر العازل، فضلاً عن معبر رفح الحدودي، تحسين موقفها التفاوضي في الجولات التي تجرى بشأن احتمالية الوصول إلى اتفاق وقف إطلاق النار مع حركة "حماس"، ولا ترغب إسرائيل دفع الكثير من الأثمان والتنازل للحركة وكأنها الطرف المهزوم في هذه المعادلة.
في كل الأحوال يجب ملاحظة أن إسرائيل في عمليتها العسكرية على رفح، سوّقت للعالم أن هذه العملية محسوبة ومدروسة ومحددة الجغرافيا، ولن تتجاوز كامل تراب المحافظة، وهذا جاء للتخفيف من الضغط الدولي الذي دعاها كل الوقت للامتناع عن توسيع العدوان على رفح.
العدوان ابتدأ بقصف متواصل على مناطق شرق رفح، ثم التوغل باتجاه الجنوب نحو معبر رفح الذي احتلته قوات الاحتلال بالفعل، ومن ثم تحركت غرباً ووصلت إلى تلة زعرب ثم إلى ما يسمى الخاصرة الرخوة للمناطق الآمنة في مواصي رفح.
تحاول إسرائيل الضغط على "حماس" والفلسطينيين في غزة بجغرافية رفح، من حيث منعهم التام من السفر وتحصيل أي مساعدات إنسانية تأتي عبر معبر رفح البري، وكذلك دفعهم للتقدم من المنطقة الآمنة في مواصي رفح جنوباً إلى امتداد هذه المنطقة في خان يونس ودير البلح، والتوسع العدواني شيئاً فشيئاً بدون إحداث جلبة كبيرة.
وبالنسبة لمحور "فيلادلفيا"، تُسوّق أنه ملغوم بالأنفاق الموصلة من رفح إلى الأراضي المصرية، مع أن القاهرة أبلغت إسرائيل عدم وجود أي أنفاق من غزة تصل أراضيها، وسبق لها أن شنت حملة مكثفة على الأنفاق أدت إلى تدمير حوالي 1500 نفق على الحدود مع غزة.
بالنسبة لاحتمالية تصاعد التوتر السياسي والعسكري بين إسرائيل ومصر، هذا الأمر قد يكون جائزاً على المستوى السياسي ويحصل في هذه الأثناء، لكن من المستبعد أن يحدث تصعيد عسكري بمستوى يؤدي إلى مواجهات مباشرة ومفتوحة بين الطرفين.
إسرائيل في السيطرة على محور "فيلادلفيا"، غير معنية بمصر في هذه الحرب ويهمها أن تبقى على علاقة جيدة مع القيادة المصرية، لكنها تريد أن تمسك باليد على هذه المنطقة العازلة لعزل قطاع غزة أكثر فأكثر عن العالم الخارجي، والضغط على "حماس" للقبول باتفاق يلبي 
شروطها ويرمم صورتها المنكسرة في هذه الحرب.