هل هناك من حل آخر؟
الجواب، هو انسحاب قوات الاحتلال من شمال غزة، بعد إكمال التدمير والقتل، والنتيجة استمرار المقاومة، والمزيد من القتلى والجرحى وعطب الدبابات الغازية، وكسر ما تبقى من هيبة لها، وكسر ما تبقى من بقية من الخلق العسكري، حتى باتت متندرا لجيوش العالم، ودرسا لنهاية الاحتلال.
فإذا ما هزت المعارضة الإسرائيلية حكومة ائتلاف اليمين المتطرف، وأسقطتها، في الكنيست، فليس أمام القادمين إلا وقف الحرب ــ العار، لكن كيف يكون ذلك والمعارضة والحكومة من طينة واحدة، فقد ترسخ اليمين المتطرف منذ اغتيال اسحق رابين على أيديه، وهو اليمين الذي قاد حكومات إسرائيل من أواخر السبعينيات، ليبدأ ترسيخ بقاء الاحتلال في الضفة الغربية، لنفي أي حلّ سياسي مستقبلا.
منذ اليوم الأول، عرفت أهداف الاحتلال الغازي، جعل قطاع غزة مكانا غير صالح للعيش، لكنه بالرغم من كل ما حدث له من تدمير، فقد ظل صالحا لا للعيش فقط، بل للمقاومة.
إسرائيل، حكومة ومعارضة، تدرك أكثر من غيرها، أن هدف إنهاء مقاومة الاحتلال في فلسطين صعب، لأن الشعب الفلسطيني حيّ، ولن يستسلم. كما تدرك أن هدف تحرير الأسرى الإسرائيليين لن يتم إلا من خلال صفقة تبادل الأسرى، فلم تعد السذاجة متوفرة إلا في صفوف القتلة المحتلين.
لم يعد لدى إسرائيل الدولة خطوط حمراء، ومعنى ذلك أنها كتبت مصيرها بنفسها، فلم يعد من السهولة بمكان قبولها لا كدولة ولا حكومة، ولا يمكن التطبيع مستقبلا مع ساسة تقطر أيديهم من دماء المدنيين في فلسطين.
ولأنه لن تخلص إسرائيل نفسها، لا حكومة ولا معارضة، فقد صار لزاما على حلفائها أن يخلصوها، والدور مناط بالولايات المتحدة المدللة الكبرى للاحتلال.
إنهاء الحرب في سياق عقد الصفقة، وليس عقد الصفقة في سياق وقف الحرب، فقد صار المطلب العالمي هو وقف الحرب ـــ العار. بل إن عقد الصفقة يمكن أن يساهم في إنزال القتلة من على أشجار العناد.
إسرائيل ليست لا بريطانيا ولا فرنسا ولا الولايات المتحدة حتى وإن حالفتها، وهي تدرك والحلفاء أن الاحتلال إلى زوال.
عناد الاحتلال يلغي الاستماع إلى العقل، ولا يعني ذلك إلا أن قادة المشروع الصهيوني اليوم، هم قادة إنهائه.
ولعلنا نكتفي بهذا القدر من الحديث السياسي، لنستمع إلى نبوءة شاعرنا الجميل سميح القاسم:
"تقدموا تقدموا
كل سماء فوقكم جهنم
وكل ارض تحتكم جهنم"
رحم الله شاعرنا الذي منذ 3 عقود ونصف العقد قد حسم أمر الاحتلال:
"يموت منا الطفل والشيخ ولا يستسلم
وتسقط الأم على أبنائها القتلى ولا تستسلم
تقدموا بناقلات جندكم وراجمات حقدكم
وهددوا وشردوا ويتموا وهدموا
لن تكسروا أعماقنا لن تهزموا أشواقنا
نحن القضاء المبرم"
صدقت يا سميح القاسم، إن الشعوب تأبى أن تتلاشى، وتنهض دوما من جديد، فكيف وشعب الأسطورة؛ طائر الفينيق ينهض من الرماد.
وليس وراء الاحتلال إلا الرحيل، بل وإنهاء نظامه الكولونيالي العنصري في فلسطين، "فالأرض واسعة" كما كانت دوما والدتي رحمها الله تردد، لكن تضيق فقط على الاحتلال العنصري. ولعل المثل الشعبي الفلسطيني العربي الحضاري المتجذر حكمة "أهل الوجي بجوها وجي"، هو المثل والمثال لإنهاء النزاعات والصراعات العائلية والقبلية والدولية أيضا.
يضرب الاحتلال رفح، ثم يعود إلى شمال غزة، يضرب في طولكرم ويعود إلى جنين، يقتل شابا في البيرة، لرفضه الاحتلال، فلم يعد الغزاة يبحثون عن مبررات قتل الشعب الفلسطيني بمنتهى القسوة والغطرسة.
"فما الذي يدفعكم من جثة لجثة
وكيف يستدرجكم من لوثة للوثة
سفر الجنون المبهم"
هو كذلك جنون سياسي وأيديولوجي يحتاج فقط شيئا واحدا: لجم الاحتلال والوصاية عليه، لا الوصاية على الشعب الفلسطيني البطل والمبدع، ويكفي ما يقوم به أطباء غزة في معالجة عشرات الآلاف من الجرحى، فعلى من تجب الوصاية؟
كشفت الحرب على غزة المستور من كذب، وشهد العالم من أعمار مختلفة، خصوصا الأطفال والشباب ما أجرمت به دولة الاحتلال، التي لم تخجل من التجسس على محكمة العدل الدولية، وهكذا تتحقق نبوءة سميح القاسم:
"حرامكم محلل حلالكم محرم
تقدموا بشهوة القتل التي تقتلكم
وصوبوا بدقة لا ترحموا وسددوا للرحم
ان نطفة من دمنا تضطرم
تقدموا كيف اشتهيتم واقتلوا
قاتلكم مبرأ قتيلنا متهم
ولم يزل رب الجنود قائما وساهرا
ولم يزل قاضي القضاة المجرم
فكل شوق وله نهاية وكل حبل وله نهاية وشمسنا بداية البداية
في العام الأول للانتفاضة الفلسطينية الأولى الباسلة، كتب سميح القاسم قصيدته الشهيرة الخالدة، والتي فيها ذكر غزة:
غزة تبكينا لأنها فينا
ضراوة الغائب في حنينه الدامي للرجوع
تقدموا من شارع لشارع من منزل لمنزل من جثة لجثة
يصيح كل حجر مغتصب
تصرخ كل ساحة من غضب يضج كل عصب
الموت لا الركوع موت ولا ركوع
وفيها ذكر جنين ونابلس من أجل بهاء القدس:
"تقدمت أبواب جنين ونابلس
أتت نوافذ القدس
صلاة الشمس والبخور والتوابل
تقدمت تقاتل"
ليختتم القصيدة بما بدأها:
"تقدموا
كل سماء فوقكم جهنم
وكل ارض تحتكم جهنم"
تلك السيرورة والصيرورة، فلا انتصار للاحتلال مهما امتلك من أسلحة التدمير والقتل.
وقف الحرب على غزة وفقط وقف الحرب هو بداية الحل في سياق رحيل الاحتلال، بربكم هل من حلّ آخر!
الشرق الأوسط بين وقف النار ووقف الحرب
29 نوفمبر 2024