ماذا وراء مشروع خطة بايدن التي قدمها كخارطة طريق ؟
فقد أصاب خطابه الجميع بدهشة حد عدم فهم سياقاتها هل كانت أميركية بامتياز ؟ فالولايات المتحدة تكتب كل حرف مع إسرائيل وقد ألقى بايدن خطابه مكتوباً أي أنه كان قد مر على الهيئات الأميركية التي تدقق بكل حرف، هل كانت أميركية إسرائيلية ؟ فالدهشة التي بدت على الإسرائيليين والتصريحات الغامضة التي علقت باستخفاف تشكك بذلك.
هل يمكن للإدارة الأميركية أن تتقدم بمبادرة دون التشاور مع إسرائيل ؟ مشكوك في ذلك لأكثر من سبب وكل تلك الأسباب مجتمعة تتلخص بالموقف الأميركي الذي لا يريد لإسرائيل أن تهزم مهما كلف الثمن ليس محبة بإسرائيل فقط، بل لأن في الهزيمة الإسرائيلية وفقدانها للردع ما يشجع خصومها على استمرار ضربها، وهذا يعني مزيداً من الحروب ومزيداً من الأزمات للولايات المتحدة. فهي تعتقد أن إسرائيل قوية تشكل ضماناً للاستقرار وبصرف النظر عن خطأ هذا الاعتقاد لكنها هكذا ترى الأمور.
وإذا كانت المبادرة أميركية كيف ستجد الإدارة نفسها في حال تم رفضها إسرائيلياً ؟ سيكون الرئيس مدعاة للسخرية على أبواب الانتخابات وهناك شك بأن هذه الإدارة التي وضعت كل حرف في الخطاب يمكن أن تضع نفسها في موقف كهذا خاصة أن حكومة نتنياهو - سموتريتش ومعها الجيش ترفض أي نهاية للحرب «قبل تحقيق أهدافها «وتعتبرها هزيمة للدولة.
هناك غموض في ما قاله الرئيس أحدث حالة من البلبلة لدى المتابعين والمراقبين، وأساس ذلك أن الولايات المتحدة شريك كامل لإسرائيل في هذه الحرب تخطيطاً وتمويلاً ورعاية في المؤسسات الدولية وتسليحاً وتوافقاً في الأهداف، وهي لم تخفِ أن هزيمة حماس هدف لها وكذلك عدم السماح بهزيمة إسرائيل.
هنا بدا الأمر بحاجة إلى تفسير ولكن الولايات المتحدة في أكثر من موقف كان ينكشف دورها وتواطؤها في التخطيط وإنقاذ إسرائيل. ففي بداية الحرب البرية وقف البيت الأبيض معارضاً، لم يكن الهدف كذلك بل كخطة متقنة للرجعة إذا ما فشلت إسرائيل في دخول غزة ستتراجع وتقول استحابة للموقف الأميركي «الصارم».
كانت اللعبة الأميركية مكشوفة سابقاً عندما رفضت ذات مرة كوندوليزا رايس تدخل أحد في الحرب مع حزب الله وبأن شرق أوسط جديداً يتولد من هذه الحرب، وحين تعثرت إسرائيل كانت تسارع لإنقاذها في مجلس الأمن بوضع تصور نهاية الحرب في القرار الشهير، أما في هذه الحرب لم يعد هناك أحد يشك بهذا التماثل والتطابق والتكامل التام بين تل أبيب وواشنطن.
ما يعزز الشك هو الكراهية التامة بين نتنياهو الماكر وبايدن العجوز الطيب، والوضع الذي وجد بايدن نفسه أمام مجموعة خسارات كان نتنياهو يستدرجه بمكره لها منذ بداية الحرب تمهيداً لصديقه المرشح الجمهوري.
وقد بلغ التحدي بنتنياهو أن يهين نتنياهو الرئيس الأميركي ويتعمد ذلك لأن في هذا التحدي ما يقدمه للشارع الإسرائيلي كزعيم قوي قادر على مواجهة أقوى دولة في العالم كردة فعل على عدم قدرته على مواجهة قوة محلية صغيرة كحركة حماس يوم السابع من أكتوبر.
فهل نزع بايدن القفازات في مواجهة نتنياهو بعد أن ورّطه الأخير ووضع مستقبله على المحك ؟ أم أن بايدن العجوز قام بترتيب الأمر مع إسرائيل ؟ ومع أي إسرائيل تم ترتيب الأمر فهل تجاوز عصابة نتنياهو وقام بالتنسيق مع مؤسسة الأمن القومي ؟ مشكوك في ذلك فالمؤسسة المجروحة لا تختلف كثيراً عن هدف نتنياهو إلا بصفقة لتستأنف الحرب بعدها، وحده اليساري يائير غولان الزعيم الجديد لحزب العمل يطالب بوقف الحرب بينما هناك إجماع كبير في إسرائيل على الاستمرار.
إسرائيل بوضعها الحالي يصعب عليها التوقف عند هذا الحد، فهي تعتقد أن وقف الحرب يمكن إذا ما تمكنت من القضاء على رئيس حركة حماس ورئيس جناحها المسلح وإعادة الأسرى وضمان ألا تطلق صواريخ على غزة حتى تتمكن من العودة للمواطن الإسرائيلي، ولكن قبل ذلك تبدو المسألة صعبة وما زال قائدا حماس المذكوران يقودان المعركة، وما زال الأسرى بعيدين عن الاستعادة وما زالت الصواريخ تنطلق، والأهم أن لإسرائيل مشاريع استراتيجية ترى في الحرب فرصة لتمريرها وأن مصلحة الحكومة الحالية هي تمديد الحرب. وكان الأكثر وضوحاً في التعبير عن الموقف رئيس مجلس الأمن القومي تساحي هنغبي الذي قال إن الحرب ستستمر لسبعة أشهر أخرى أي حتى نهاية العام الذي يحمل متغيرات كثيرة على الصعيد العالمي، ويعطي لإسرائيل ما تحتاج من الوقت لتهيئة المناخات لتنفيذ مشاريعها الكبرى.
وبصرف النظر عن طبيعة اللحظة المبهمة في مقترح الرئيس بايدن لكن لا يمكن الوثوق بالولايات المتحدة الشريك الكامل في هذه الحرب وأهدافها النهائية بتحقيق انتصار لإسرائيل وهزيمة أي ممانعة للاحتلال وكسر شوكة معارضيه أينما كانوا.
هذا ربما يعطي قدراً من الوضوح وسط هذا الغموض الدامي فلا يمكن بعد هذا التاريخ الفادح في غزة الوثوق بواشنطن فهي شريك كامل لحرب إسرائيل وأهدافها وبالتفاصيل.