"كنت كمن يجبر ان يأكل فأرا"

lFDcS.png
حجم الخط

بقلم حمدي فراج

من بين أكثر الأمور وضوحا ، و لا تحتاج الى توضيح او تفكيك او لوسائل إيضاح و تظهير كالمجهر او تقوية الإضاءة ، موضوعة "وقف اطلاق النار" في غزة ، رغم الانخراط الرسمي للنظام العربي في مجمله ممثلا في دولتين وازنتين بالاشراف المباشر على تخليص هذه المسألة بإشراف مباشر من قبل الدولة "الأعظم" في العالم . استغراق ذلك ثمانية أشهر و دخولنا في الشهر التاسع ، يعني ان المهمة في جوهرها ليست وقف اطلاق النار ، بل عدم وقفه ، أي استمراره حتى و هو يحصد المزيد المزيد من أرواح أبرياء فلسطين و خاصة أطفالهم ونساءهم ، ومزيد المزيد من التدمير و التجويع ، و مزيد المزيد من المقابر الجماعية ، و مزيد المزيد من قصف المستشفيات لكي لا تنجح في معالجة الجرحى و قد ناهز تعدادهم على المئة ألف .

لم نكن بحاجة الى عقل اينشتاين او نيوتن لكي نكتشف هذه الحقيقة البسيطة العارية ، ففي إسرائيل التي هاجمت غزة ، لكي تجتث حماس ، لا يوجد من هو ضد هذا الهدف ، بمن في ذلك أهل المحتجزين ، هم يريدون تخليص أبنائهم و من ثم القضاء على حماس . و في المستوى السياسي الحاكم ، هناك من يرى في استمرار الحرب خلاصه الذاتي ، و في اليمين المتشدد من يرى في استمرار الحرب بما في ذلك قتل المزيد من الأطفال واجب توراتي ، و خطوة أولى في إبادة الشعب الفلسطيني كله بدءا من حوارة و مرورا بشعفاط و انتهاء بجباليا و رفح . أما أمريكا بايدن و بلينكن و اوستين و بيرنز و جرينفيلد ، الذين يطرحون انفسهم كوسطاء او حتى ضامنين ، فهم ينادون علنا بالقضاء على حماس ، ولكنهم يختلفون مع نتنياهو في التوقيت ، و لهذا نرى لربما من المرات القليلة في التفاوض ان لا يقوم الوسيط بالاجتماع مع طرفي الصراع ، لأنه ما زال يعتبر حماس و كل اطراف محور المقاومة منظمات إرهابية ، و سيضم اليها على ما يبدو محكمة الجنايات الدولية .

النظام العربي في المجمل متماه مع الموقف الأمريكي من حماس ، ليس لأصولها الاخوانية ، فلطالما ارتبط هذا النظام بهذه الحركة ، و لطالما دعمها بالمال و طباعة المصاحف ، و لطالما قامت الحركة بتعيين أميرها الفخري من لدن القصر ، لكنه اليوم يناصبها العداء لأنها أصبحت مقاومة ذات بعد تحرري ، وطني وقومي واجتماعي .

من بين القضايا الواضحة الأخرى التي لا تقل وضوحا عن مسألة عدم وقف اطلاق النار في غزة ، مسألة السلام بين السلطة الفلسطينية و إسرائيل ، هذا السلام الذي لم يتحقق خلال حقبة السلام التي امتدت لثلاثين سنة ، فكيف له أن يتحقق بعد طوفان السابع من أكتوبر .

أيها الفلسطيني في الضفة الباحث عن السلام في مزامير داوود ، و الفلسطيني في غزة الباحث عن وقف النار في مزامير "صفقة" بنيامين و بايدن ، ما قاله مظفر النواب في مأثرته الرائعة "بحار البحارين" : اقبل قبل فوات الفرصة صفقتنا / لك الثلث من المركب إن أوصلت حمولتنا / و يبقيك المالك ومن شئت ، في خدمته أبدا / وتفردت بهم : أولاد الإفك / يبيعونك نصف سفينة عمرك / ثم يمنون عليك بان تخدم سيدهم / كنت كمن يجبر ان يأكل فأرا / ابصق ثانية / هذا والله مكان البصق ..