عن الحل في غزة: التقاطعات والخلافات بين إدارة بايدن وحكومة نتنياهو

تنزيل.jpg
حجم الخط

بقلم ماجد كيالي 

 

 


لا يوجد في الأفق ما يوحي بالتوصل إلى توافقات تفضي إلى وقف حرب الإبادة التي تشنّها إسرائيل ضدّ الفلسطينيين في غزة، بدعوى إنهاء "حماس"، أو إخراجها من المشهد السياسي الفلسطيني، وعلى الأرجح تلك هي الحقيقة المبطنة في مواقف الأطراف المعنيين.

في تفحّص موقف الإدارة الأميركية، مثلاً، يمكن ملاحظة أن الرئيس جو بايدن لم يقدّم خطة واضحة تُنهي الحرب حقاً، فخطته تتحدث عن وقف نار مرحلي أو متدرّج (ستة أسابيع في مرحلة أولى)، في مقابل صفقة جديدة تفرج فيها "حماس" عن عدد من الرهائن الإسرائيليين، باعتبار أن ذلك يشكّل أولوية أميركية. ثانياً، الخطة تتحدث عن انسحاب إسرائيلي من المناطق المأهولة، وليس عن انسحاب كامل للجيش الإسرائيلي من غزة، وإن تضمنت وعداً بانسحاب كامل باشتراطات معينة. ثالثاً، انتهج بايدن في خطته "الغموض" في تحديد مفهومه لـ"اليوم التالي"، الذي يتضمن إنهاء الحرب، وتحديد مستقبل غزة من الناحية السياسية، إذ إن الإدارة الأميركية لا تخفي اتفاقها مع إسرائيل بأن لا وجود لـ"حماس" كسلطة في غزة مستقبلاً، وهذا في الحقيقة الشرط الشارط لكل ما يجري، وهو ما أفصح عنه مؤخّراً وزير الخارجية الأميركي أنطوني بلينكن (إبان زيارته للدوحة) بأنه من غير المسموح لحركة "حماس" أن تقرّر مصير المنطقة.

في أية حال، ولاستكمال الصورة، يجدر تفحّص الدوافع التي تكمن وراء طرح بايدن خطته، وهو الذي يعتبر نفسه صهيونياً وإن لم يكن يهودياً، ويتمثل أهمها في الآتي: أولاً، التخلص من حال الإحراج التي لحقت بالولايات المتحدة لدعمها حرب الإبادة الإسرائيلية في غزة، إن في الداخل الأميركي، أو إزاء الرأي العام العالمي، لا سيما في الدول الغربية، ما كان من نتائجه تصويتها وحدها في الجمعية العامة للأمم المتحدة (مرّتين) ضدّ قرار يتضمن التعاطف مع الفلسطينيين وإدانة إسرائيل؛ ما يفسّر طرح خطتها على مجلس الأمن وتحويلها إلى مطلب دولي.
ثانياً، اضطرارها إلى تحسين صورتها إزاء أصدقائها العرب لإضفاء قوة دفع جديدة على خطتها لهندسة المنطقة، مع تطبيع وجود إسرائيل فيها، وهو المسار الذي أصابه الشلل بعد حرب غزة، وذلك بتقديمها خطابات مرنة، والتخفيف من دعمها لإسرائيل، بتقديم خطط تتضمن كبح حكومة بنيامين نتنياهو في حربها الهمجية ضدّ غزة، مع تسهيل المساعدات للفلسطينيين، وإبداء معارضة لاستهداف الجيش الإسرائيلي للمدنيين الفلسطينيين.

ثالثاً، محاولة بايدن تحسين فرصه في الانتخابات الأميركية المقبلة، لا سيما بالنظر إلى التوازن القائم بينه وبين منافسه (دونالد ترامب)، ما يجعل من تصويت أي مجموعة إتنية أو سياسية، مهما كان عددها، حاسماً، علماً أن الحديث هنا يدور عن مجموعة باتت تمتلك قاعدة أوسع من السابق، وبالتالي أكثر تأثيراً في الانتخابات. وهذه باتت تشمل ذوي الأصول العربية والإسلامية، وقطاعات من أصول أفريقية وآسيوية، ويساريين وليبراليين، وحتى جماعات يهودية تستنكر دعم الإدارة الأميركية حكومة نتنياهو.

مع ذلك كله، فإن خطة بايدن تلك، مع الدوافع التي تكمن وراءها، لم تخفف من دعم الإدارة الأميركية لإسرائيل، سياسياً وعسكرياً ومالياً. فحتى الآن، ما زال ثمة مسؤولون يرفضون توصيف ما قامت به إسرائيل من قتل وتدمير وتهجير وتجويع كحرب إبادة ضدّ الشعب الفلسطيني، على الرغم من أن العالم كله بات يوصّفها على هذا النحو. والإدارة الأميركية لم توقف إطلاقاً شحنات الأسلحة والذخيرة لإسرائيل، على الرغم من حديثها عن رفض استهداف المدنيين الفلسطينيين. أيضاً، واظبت الإدارة الأميركية على رفض مطالبات وقرارات الأمم المتحدة ومحكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية من إسرائيل، حتى إنها لم تفعل شيئاً إزاء قيام إسرائيل بجريمة حرق مخيم رفح للنازحين بمن فيه، بل أبدت إعجابها بتحرير الجيش الإسرائيلي 4 رهائن إسرائيليين مقابل استهداف 1000 من الفلسطينيين، ضمنهم 276 لقوا مصرعهم في تلك العملية التي تمّت في خضم مفاوضات تشارك فيها الولايات المتحدة بكل مسؤوليها.

من جهة إسرائيل، فهي لم تعط موقفاً واضحاً، لا إيجاباً ولا سلباً، من الخطة، في تعمّد منها للمراوغة، وإظهار "حماس" بمظهر الرافض أمام العالم (بعدما أقرّها مجلس الأمن الدولي)، ما ينسجم مع موقف الإدارة الأميركية، أيضاً، كما برز في تصريحات مسؤولين أميركيين، لا سيما بلينكن إبان زيارته المنطقة مؤخّراً.

ما تقدّم لا يعني أن لا خلافات بين الإدارة الأميركية وحكومة نتنياهو، لكنها ليست بين دولتين، إنما بين حكومتين، ما يفيد بأن دعم إسرائيل، في كل المجالات، هو من ثوابت السياسة الأميركية، ولا يمكن أيّ إدارة أن تخلّ به، أو أن تتسبب بما يُضعف إسرائيل، ويشمل ذلك التوافق على شطب "حماس" من المشهد السياسي في المنطقة، وترسيخ هيمنة إسرائيل من النهر إلى البحر، وتعزيز مكانتها على الصعيد الإقليمي في الترتيبات الشرق أوسطية الجديدة.

أما الخلافات، وهي مهمّة، فتتمحور، أولاً، حول ضرورة تخفيف إسرائيل استهداف المدنيين، علماً إن الولايات المتحدة تحرّكت في هذا الاتجاه، بعدما باتت تعتقد أن إسرائيل شبعت من انتقامها من الفلسطينيين، كردّ على عملية "حماس" في 7 تشرين الأول (أكتوبر) 2023، وإن الأوان آن للاكتفاء، والتوجّه لحصد الأثمان السياسية، بعدما هيمنت إسرائيل على غزة، وحوّلتها إلى مكان بائس غير صالح للعيش، إذ لا يمكن الحل العسكري أن يستمر إلى الأبد.

في المقابل، فإن حكومة نتنياهو وسموتريتش وبن غفير تصرّ على الذهاب حتى النهاية في حربها ضدّ الفلسطينيين، بحجة مقاتلة "حماس"، مع طموح بنقل ما فعلته في غزة إلى الضفة، بحسب ما يقتضي الأمر.

ثانياً، تعطي الإدارة الأميركية تحرير الرهائن أو الأسرى الإسرائيليين الأولوية. وترى حكومة نتنياهو، بعدما عجزت عن تحريرهم عسكرياً، أن أي هدنة ستفضي إلى تخفيف الضغط عن حركة "حماس" وإظهارها منتصرة، وهذا لن يكون في صالح نتنياهو وحكومته، مع تركيزها على فكرة أن أي هدنة لن تكون إلاّ موقتة؛ وهذه مشكلة لحركة "حماس".

ثالثاً، في حين أن الإدارة الأميركية تعتقد بضرورة إيجاد بعد سياسي فلسطيني لمستقبل غزة، من خلال السلطة الفلسطينية، تجاوباً مع الأطراف العرب الأصدقاء، فإن إسرائيل ترفض ذلك أو تمانعه، إن بدعوى إيجاد مرحلة انتقالية، أو بدعوى إيجاد قوات دولية في غزة، لكسب الوقت، في محاولاتها قطع الطريق على أي مسعى لقيام دولة فلسطينية. من ذلك كله، يظهر أن ثمة خلافات إسرائيلية - أميركية لكنها ليست جوهرية، ولا تمسّ بثوابت العلاقات الثنائية بينهما.

رابعاً، ما تقدّم يشمل لبنان، بمعنى أن إدارة بايدن، في الظروف الأميركية والدولية والعربية الراهنة، وفي ظرف حربي أوكرانيا وغزة، لا تجد نفسها معنية بحرب جديدة في لبنان، وهو ما يحاوله نتنياهو لأسباب تتعلق بعقيدته السياسية وإطالة عمره السياسي.

وفي ما يخص "حماس"، وباختصار، فإن تلك الحركة، في هذا الظرف الدولي والإقليمي والعربي غير المؤاتي للفلسطينيين، باتت في وضع حرج وصعب وخطير، في كل الحالات. فهي لا تستطيع تغيير المعادلات السياسية ولا العسكرية، وهي مضطرة، أيضاً، لإدراك أن غزة، مع مليوني فلسطيني فيها، بحاجة إلى مساعدات دولية وعربية للإعمار وللبقاء، أكثر من حاجتهم لـ"حماس" أو "فتح" أو أي فصيل، لذا الأفضل لتلك الحركة أن تُظهر إسرائيل كمن يرفض خطة بايدن (الدولية)، فبالنسبة لها، فإن الحالين كلاهما مرّ، استمرار الحرب أو وقفها موقتاً، بينما بالنسبة للفلسطينيين في غزة فإن أيّ توقف ولو موقت للقتل والتدمير قد يشكّل فرصة للحياة والبقاء، وربما يفضي إلى تغيير في المعادلات.