إعلان الحرب الباردة الثانية في قمة ميونخ

2
حجم الخط

صرح رئيس الوزراء الروسي، ديمتري ميدفيديف، بوضوح أن العلاقات بين روسيا وحلف الناتو قد تراجعت “إلى مستوى الحرب الباردة”، وأضاف: “في بعض الأحيان لا أعرف إذا ما كنا في العام 2016 أم في العام 1962“.
جاءت هذه التصريحات بعد تراشق كلامي مكثف بين ممثلي أوروبا وحلف شمال الأطلسي وبين الكرملين في مؤتمر ميونخ الأمني للعام 2016، وهو المنتدى العالمي الأكثر أهمية للعلاقات الخارجية، والاستخبارات، والأمن. 
وما من أمر إلا وتخاصموا فيه، ملقين اللوم على بعضهم البعض لنفس الأسباب ولكن فقط ضد بعضهم البعض.
وبشكل عام أوحى المؤتمر بشعور عميق من اليأس في جميع القضايا التي نوقشت فيه تقريبا: اللاجئين في أوروبا، ومشاركة روسيا في أوكرانيا، والحرب في سورية. 
وإذا كان هناك أي شخص يحتاج إلى دليل على أن الروس يفعلون ما يريدون في الشرق الأوسط، فعليه فقط أن ينظر إلى كيفية انهيار الاتفاق بين القوى العالمية لوقف اطلاق النار في سوريا بعد فترة وجيزة من التوقيع عليه.
وقد أخبر مسؤولو استخبارات من الولايات المتحدة وأوروبا صحيفة «يديعوت أحرونوت» أن اتفاق وقف إطلاق النار بشكل واضح سوف ينهار في غضون أيام قليلة.
وفي الواقع، لم يكن لديه فرصة ابتداء في النجاح، ولكن الغرض منه، بحسب أحد المسؤولين، هو “اظهار مؤتمر ميونيخ في شكل جيد”.
بينما قال مسؤول آخر ان الاتفاق “يدل على سذاجة وزير الخارجية الأميركي، كما لو أنه من الممكن اقناع الروس بالكف عن استخدام القوة في سورية”.
وينص الاتفاق، من بين أمور أخرى، على أن الروس والأميركيين قرروا التوصل إلى الأهداف التي يمكن تحقيقها، والأهداف التي يجب على الروس الكف عنها. 
ولكن قبل أن يجف الحبر على ورق الاتفاق، استمر القتال وتم خرق الاتفاق. 
وقد أخبرتني المخابرات البريطانية ومسؤولون عسكريون أميركيون أن الجيش الروسي، بالتعاون مع سورية و»حزب الله» وإيران، لن يتوقف عن قصف المدنيين ولو للحظة واحدة.
ويأتي هذ الاتفاق كتتويج نهائي للفشل الذريع للسياسة الخارجية الأميركية في سورية. 
إذ يسمح للروس بمواصلة التدخل في شؤون بلد آخر، ويعترف بالضرروة بجيش بوتين ككيان مسموح له بالقتال على الأراضي السورية. 
وفي الوقت نفسه، فإنه لا يحدد ما الذي ستفعله الولايات المتحدة إذا لم تلتزم روسيا بتنفيذ الاتفاق.
وخلال عطلة نهاية الأسبوع، اتهمت الولايات المتحدة روسيا مرة أخرى، وهي محقة في ذلك مرات لا تحصى، بخرق الاتفاق، وما سوف يحدث هو بالضبط ما قد حدث مرات لا تحصى من قبل: لا شيء على الإطلاق.
وفي الوقت نفسه هناك خبران أحدهما جيد والآخر أقل منه، ينبغي أن يكونا ذات فائدة لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو فيما يخص مؤتمر ميونيخ.
ولنبدأ بالخبر الجيد، بقدر ما تعد السياسة الخارجية الإسرائيلية على الأقل معنية بالأمر: فقد بدأ المؤتمر وانتهى في أجواء صعبة يخيم عليها اليأس والفوضى والعداء.
ومع ذلك، خلافا لما حدث في بعض المؤتمرات الـ51 الماضية، فلم يلق أحد اللوم على إسرائيل بالتسبب في تلك الأجواء. 
وخلافا لبعض البيانات الإلزامية الصادرة عن عدد قليل من ممثلي العرب، لم يحاول أحد أن يدعي أن إسرائيل هي السبب في الاضطرابات العامة في العالم، أو في وجود تنظيم الدولة الإسلامية، أو العدوان الروسي على أوكرانيا وسوريا، أو أزمة اللاجئين.
إسرائيل هي أقل طرف لديه ما يمكن أن يقدمه في تلك الأمور، إذا ما كان لديها ما تقدمه على الإطلاق.
ولم تكن القضية الفلسطينية جزءا من جدول الأعمال المطروح في المؤتمر، وبصرف النظر عن تطرق وزير الدفاع، موشيه يعلون، في خطابه إليها، فلم يتم حتى ذكر هذه القضية. 
وإذا كان مؤتمر ميونيخ هو مقياس لما يحدث في مجال العلاقات الدولية والدبلوماسية، فإنه يمكن القول إن العام 2016 لن يهتم فيه أحد بالفلسطينيين. 
أوروبا لديها قضايا خاصة أكثر إلحاحا بكثير من المهم ومن الصعب أن يتم التعامل معها.
ومن الصعب أن نتصور أنه في هذا العالم الذي يتشكل حاليا، يوجد أي شخص في الغرب – فضلا عن الولايات المتحدة – سوف يكون لديه الوقت أو الموارد أو حتى الرغبة في الضغط الحقيقي على إسرائيل.
كما تضمن خطاب رئيس الوزراء الروسي أيضا نوعا من الإنجاز بالنسبة للدبلوماسية الإسرائيلية.
فقد دعا ميدفيديف العالم إلى الاتحاد في الحرب ضد الإرهاب، وذكر عدد من الحوادث كأمثلة يجب أن يجتمع الجميع في مكافحتها مثل “إسقاط الطائرة الروسية في سيناء، والهجمات الإرهابية في باريس، ولندن، وإسرائيل، وباكستان، والعراق، وغيرها من الدول“.
وكانت هذه واحدة من المرات الأولى التي يتحدث فيها مسؤول دولة كبير غير أميركي عن الهجمات الإرهابية في إسرائيل مقرونة في نفس الوقت بالهجمات التي يشنها تنظيم الدولة الإسلامية، وهي المقارنة التي تحرص إدارة نتنياهو في كثير من الأحيان على عقدها.
من ناحية أخرى، أدى هذا المناخ القاتم الناجم عن الفشل الذريع للسياسة الخارجية الأوروبية والأميركية تجاه روسيا وسورية إلى الخبر السلبي الآخر بالنسبة لإسرائيل والذي تمخض عنه المؤتمر. 
فقد أدى الفشل في سورية إلى الضغط على الأميركيين والأوروبيين من أجل تسليط الضوء على نجاحاتهم، أو على نحو أدق، ما يُتوقع أن يكون نجاحهم الوحيد وهو: الاتفاق النووي مع ايران.
فقد أشاد جميع المتحدثين (باستثناء وزير الدفاع يعلون والسناتور الاميركي جون ماكين) – بدءا بوولفغانغ إيشنجر رئيس، المؤتمر وأحد أكثر الشخصيات أهمية في مجال العلاقات الدبلوماسية - بالاتفاق باعتباره إنجازا كبيرا، وانتصارا للدبلوماسية على الحرب، وهي خطوة ذكية من قبل دبلوماسيين من العديد من البلدان المختلفة التي بذلت جهدا كبيرا غير مسبوق لمنع الصراع، ونجحوا في ذلك.
وهذا ما يقال من قبل أولئك المهتمين فعلا بصفقة إيران. وكان نجم آخر مؤتمرين هو محمد جواد ظريف، وزير الخارجية الإيراني، وهو شخص مفوه وأنيق ومبتسم ويتحدث إلى الغرب بلغته الخاصة، وهو يختلف كثيرا عن سابقيه العابسين، قليلي الإدراك من العقليات الناكرة للمحرقة.
وكان المشروع النووي الإيراني أهم موضوع على جدول أعمال المؤتمرات، وخاصة بالنظر إلى العقوبات القاسية المفروضة على إيران، والخسائر الفادحة للشركات الغربية، والتهديد بالهجوم على إسرائيل. 
ودار حديث كثير في المؤتمر حول اتفاق إيران، وعلى سبيل المقارنة، حازت مناقشة أزمة اللاجئين في العام الماضي على قليل اهتمام بشكل محرج.
وعلى الرغم من ذلك، انقلب هذا العام رأسا على عقب. وكانت مناقشات أزمة اللاجئين هي ما حصلت على أكبر قدر من الاهتمام.
وعلى الرغم من ذلك، حاول رئيس المؤتمر، وولفغانغ إيشنجر، أن يعطي ظريف وقتا هامشيا  – وقتا مبكرا بعد ظهر يوم الجمعة – حيث كانت القاعة تقريبا نصف فارغة.
المشروع النووي الإيراني، الذي تم تعريفه من قبل أجهزة الاستخبارات الإسرائيلي على أنه التهديد رقم واحد للدولة اليهودية، لم يعد يثير اهتمام العالم، انه شيء من الماضي جاء وذهب. وموضة قد انتهت.
وعدم الاكتراث العام من قبل المجتمع الدولي بالبرنامج النووي الايراني له معنى مزدوج لإسرائيل. 
الأول هو بقدر ما ترغب إسرائيل في مواجهة إيران بكل الوسائل المتاحة لها، فسوف تضطر أن تفعل ذلك وحدها. حيث تم التحقق من صحة هذا القلق في المؤتمر الذي عقد في ميونيخ. وفي المحادثات التي أجريتها مع مسؤولين استخباراتيين رفيعي المستوى سواء أميركيون أو أوروبيون، فقد أشاروا إلى أنهم يهتمون بهذه القضية، ولكنها لم تعد تحتل رأس قائمة أولوياتهم.
ثانيا، تراجع الاهتمام بالقضية النووية الإيرانية في الغرب يعد دليلا آخر على الهوة المتزايدة بين مخاوف حكومة إسرائيل («حزب الله» و»حماس» وإيران)، ومخاوف الحكومات المناظرة في الغرب (روسيا، و»الدولة الإسلامية»، واللاجئين).