نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" مقالا للمعلق نيكولاس كريستوف، اتهم فيه الرئيس جو بايدن بالوقوف مع الجوع في غزة.
وقال كريستوف: "في رده على الحرب في غزة قبل أكثر من 8 أشهر، بدا الرئيس بايدن ضعيفا وغاضبا بشأن الثمن الإنساني، لكنه لم يتحرك بقوة لخفضه". إلا أن بايدن كان حاسما بطريقة غير معهودة في حالة واحدة. فبعدما زعمت إسرائيل تورط وكالة تابعة للأمم المتحدة بالإرهاب، وهي وكالة تقع في قلب الجهود لمكافحة الجوع في غزة، قام بايدن سريعا بتعليق التمويل عن الوكالة، ومدد الكونغرس عملية التعليق. وأُفسد الأمر، على ما يبدو، لأن الحقائق وراء الاتهامات للوكالة لم تظهر أو كانت بعيدة المنال.
وأكد الكاتب: “هذا يؤلمني، لأن الولايات المتحدة في جهودها الضالة لفرض المحاسبة، تبدو وكأنها زادت من بؤس الشعب الجائع”.
وأضاف أن اليمين الإسرائيلي المتطرف يدفع باتجاه إلغاء وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) والتي توفر المدارس والعيادات والخدمات الأخرى للمنطقة. وتم تمرير مشروع قرار لحظر الأونروا كمنظمة إرهاربية في القراءة الأولى بالكنيست الإسرائيلي وسط شجب دولي. ووصفت منظمة “أطباء بلا حدود” التحرك بأنه “هجوم صارخ على المساعدة الإنسانية”، ووصف الاتحاد الأوروبي الأونروا بأنها “ضرورية ولا يمكن استبدالها”.
وقال كريستوف: “لقد قضيت يوما مع فريق الأونروا في الضفة الغربية، وبشكل أكبر في مخيم الجلزون للاجئين، ومن الواضح أن الوكالة توفر خدمات حيوية صحية وتعليمية وهي محاصرة”.
وقال مفوض الوكالة، عامل الإغاثة الإيطالي- السويسري إن “الأونروا ترزح تحت وطأة الهجمات”، وحذر من إمكانية “انهيارها” بطريقة “ستزرع الحقد والسخط والنزاع في المستقبل”. وقال إن الأرض حول مقر الوكالة في القدس الشرقية متفحمة، حيث قام المحتجون الإسرائيليون العنيفون بمهاجمة المجمع وأشعلوا النيران فيه مرتين. وهتفوا أثناء الهجوم التخريبي “لنحرق الأونروا”. وقال إنه سيارة للأونروا كان مسافرا فيها، مُنعت من المرور عند حاجز إسرائيلي، في وقت سُمح فيه للمركبات الأخرى بالمرور. وأخّرت إسرائيل منح تأشيرات لموظفي الأونروا ومنعت عملهم. والأكثر مأساوية هو مقتل حوالي 200 موظف في الوكالة نتيجة القصف وإطلاق النار في غزة.
وكانت إسرائيل عدوانية ضد الأونروا، لكن الاتهامات ضدها وصلت لمستويات أعلى بعد هجمات 7 تشرين الأول/ أكتوبر. وزعم وزير جيش الاحتلال الإسرائيلي يوآف غالانت أن “الأونروا هي حماس بعملية شد الوجه”. وفي كانون الثاني/ يناير، زعم المسؤولون الإسرائيليون أن 12 من موظفي الوكالة البالغ عددهم 30,000 شاركوا في هجمات 7 تشرين الأول/ أكتوبر.
وتصرفت الوكالة بمسؤولية كما يقول كريستوف، حيث أوقفت 10 من الموظفين المتهمين وأمرت بتحقيق مستقل وشجبت بأقصى العبارات الممكنة هجمات أكتوبر. وأطلقت إسرائيل اتهامات أخرى ضد الأونروا، حيث زعمت أن نسبة 10% من موظفيها غزة البالغ عددهم 13,000 هم أعضاء في حماس، وأن مدارسها تحرض على الكراهية. وفي واحد من بيانات الحكومة الإسرائيلية قالت: “حماس عصية على الإصلاح”.
وأضاف كريستوف أن تحقيقين مستقلين أجريا منذ ذلك الوقت، واقترحا وجود أشكال من الاتهامات الإسرائيلية ضد الأونروا والتي لا تقوم على أساس وبدون أدلة تدعمها. وقادت وزيرة سابقة للخارجية الفرنسية تحقيقا، واقترحت إصلاحات، لكنها برأت الأونروا من اتهامات التواطؤ في هجمات حماس. وقالت: “الوكالة لا يمكن استبدالها ولا غنى عنها” وهي “مهمة لتوفير المساعدات الإنسانية لإنقاذ الحياة”.
أما التحقيق الثاني، فقد نظر في الـ12 موظفا الذين زعمت إسرائيل مشاركتهم في الهجوم، ووجد أنه لا توجد أدلة كافية على أربعة منهم، ولا تزال تحقق في الثمانية المتبقين، وستة آخرين اتُهموا منذ ذلك الوقت. ولاحظ المحققون أن الأونروا تقدم قائمة بأسماء العاملين في غزة إلى إسرائيل. فلو فشلت الوكالة في فحص وجود متطرفين من حماس في صفوفها، فإن المخابرات الإسرائيلية فشلت هي الأخرى، كما يقول الكاتب.
وأحد رموز الأونروا البارزين والذي لديه خبرة عسكرية، لكن ليس مع حماس، هو مدير الوكالة في غزة، الأمريكي سكوت أندرسون الذي تقاعد من الجيش الأمريكي بعد خدمة استمرت 21 عاما.
ويقول كريستوف: “في زياراتي للضفة الغربية وغزة، كانت الأونروا قوة لتخفيض الاضطرابات لا إشعالها، ومدارسها هي من الأسباب لحصول الفلسطينيين على تعليم جيد نسبيا في العالم العربي. وتقوّي برامجها المرأة، ورواتبها تجعل الاقتصاد الفلسطيني عاملا”.
وقالت منار بشارات، منسقة الأونروا مخيم الجلزون: “تساعد الوكالة ماليا وتوفر التعليم والأدوية وتجعل المنطقة مستقرة” ولو “لم يكن لدينا مدارس، فسيكون هناك كابوس للجميع”.
وفي منطقة تعاني من الاستقطاب، وبطاقم غالبيته من الفلسطينيين، حاولت الأونروا التمسك بمبدأ الحيادية وعدم التعليق على السياسة. وأخبره عمال النظافة بأنهم يلتزمون بالتعليمات بشدة، ولا يعلقون على السياسة حتى في صفحات فيسبوك.
وبالنظر إلى أن الأونروا قوة استقرار، فمن الصعب فهم الحملة الإسرائيلية ضدها، إلا أنها محاولة لإسكات أصوات الفلسطينيين، وبهذه الطريقة ينظر لازاريني للحملة ضد المنظمة التي يديرها. وأخبر الكاتب: “في النهاية، هناك هدف سياسي لتجريد الفلسطينيين من وضعيتهم كلاجئين وإضعاف تطلعاتهم بحق تقرير المصير” و”هي طريقة لتقويض حل الدولتين”. ويقول إن هناك صعوبة لمنظمة إنسانية بالعمل في أماكن مثل غزة التي تديرها حماس. وشاهد المشكلة نفسها في كوريا الشمالية والسودان وجنوب السودان والكونغو.
ويحاول الكاتب موازنة تعاطفه مع الأونروا بتفهمه للموقف الإسرائيلي المصدوم من هجمات أكتوبر، ومحاولة تدمير وكالة أممية تخدم الفلسطينيين، إلا أن هذا لن يخدم إسرائيل ولا أي أحد آخر. كما أن قطع بايدن التمويل عن الأونروا يفاقم من الأزمة في المناطق الفلسطينية المحتلة. وعلى بادين الاعتراف بخطواته المتعثرة، ويجب على الولايات المتحدة دعم وكالة هي في قلب الجهود لمنع المجاعة في غزة لا تقويضها، وفق رأي كريستوف.