هل تقود الصين تحالف الوساطة والسلام الدوليين؟

تنزيل (7).jfif
حجم الخط

بقلم د دلال صائب عريقات

نتناول اليوم الصين، إذ أن تموز يشهد ذكرئ تأسيس الحزب الشيوعي الصيني في مؤتمره التأسيسي في شنغهاي عام ١٩٢١، ومن هنا نسلط الضوء علئ مكانة ودور الصين في الشرق الأوسط والعالم.

استضاف الرئيس شي جين بينغ الرئيس محمود عباس في بكين حزيران 2023، وأكد استعداد الصين "للعب دور إيجابي"، لدفع محادثات السلام لقيام دولة فلسطينية مستقلة على أساس حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية. كما ناقش حشد الدعم الدولي لفلسطين، للحصول على عضوية كاملة في الأمم المتحدة، وهذا ما شهدناه مؤخرا.

عند متابعة الديناميكيات الجيوسياسية المتغيرة في الشرق الأوسط، خاصة بعد لعب الصين دور الوسيط لإعادة العلاقات بين المملكة العربية السعودية وإيران، بعد سبع سنوات من العداء. ومن المتغيرات الهامة اتساع تمثيل البريكس، فعلى مدار ١٥ عاماً، تشكل تحالف الـ "بريكس" من كل من البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب افريقيا، وتم الاتفاق على ضم ٦ دول جديدة هي مصر والإمارات والسعودية وإثيوبيا والأرجنتين وإيران، لتصبح ١١ دولة في هذا التحالف مع بداية ٢٠٢٤ الذي قد نشهد معه تحول النظام العالمي في القرن الواحد والعشرين من نظام أحاديّ إلى متعدد القطبية، ومن هيمنة الدولار إلى عملة أخرى ومن النيوليبرالية إلى اشتراكية جديدة متوسطة تجمع دول متقدمة في القارة الآسيوية والأفريقية وأمريكا اللاتينية. البريكس تحالف مثير، ومن المهم جداً لنا كفلسطينيين تعزيز الوجود بإيجابية وجاذبية لتقوية العلاقات الدبلوماسية مع هذه الدول المتحالفة.

 تقدم فلسطين بطلب الانضمام هو تخطيط استراتيجي دبلوماسي على أساس قاعدة الربح ربح في رسم خارطة السياسة الخارجية. موقف "بريكس" من القضية عادل وإيجابي، حيث طالب الإعلان الختامي للقمة الأخيرة، بدعم قرارات مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة، وكذلك مبادرة السلام العربية الهادفة إلى تنفيذ حل الدولتين، وإنشاء دولة فلسطين، وعبروا عن رفضهم للاستيطان وعنف المستوطنين المتصاعد، وأكدوا دعمهم لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين "الأونروا"، وتعهدوا بتقديم المزيد من المساعدات الدولية لتحسين الوضع الإنساني للشعب الفلسطيني.

مبادرات صينية

تاريخياً، طرحت الصين مبادرات ونظمت محادثات سلام بشأن القضية الفلسطينية عدة مرات خلال ولاية شي، لكن دون نتائج ملموسة. عام 2002، عينت الصين مبعوثاً خاصاً، وعام 2013، اقترح شي مبادرة سلام تقوم على حل الدولتين، ووقف الأنشطة الاستيطانية في الأراضي المحتلة، وتنسيق الجهود الدولية لحل الصراع. وعام 2017 خلال زيارة عباس للصين تمت الدعوة إلى حوار ثلاثي مع كل من الإسرائيليين والفلسطينيين، كما بادرت عدة مرات لتحقيق الوساطة وحل الانقسام الفلسطيني بدعوة ممثلي الفصائل لبكين إلا أن المحاولات لم تنجح.

بدأت العلاقات الدبلوماسية الصينية الإسرائيلية في 1992 عندما اعترفا ببعضهما البعض رسمياً. عندما يتعلق الأمر بالعلاقات التجارية، فإن إسرائيل أكثر قيمة بكثير من فلسطين، التجارة الصينية الإسرائيلية أكبر 35 مرة من علاقات الصين التجارية مع الفلسطينيين، حيث تجاوزت صادرات إسرائيل إلى الصين أربعة مليارات دولار، وتجاوزت صادرات الصين إلى إسرائيل 16 مليار دولار، وبلغت الصادرات الصينية إلى فلسطين 248 مليون دولار، والصادرات الفلسطينية إلى الصين 337 الف دولار. في حين أن الاستثمارات الصينية مع الإسرائيليين أكبر 40 مرة من الاستثمارات مع الفلسطينيين: 4.1 مليار دولار مع إسرائيل، مقابل 102 مليون دولار مع البنك الدولي وغزة.

العلاقات الفلسطينية الصينية تاريخية، حيث كانت بكين مؤيداً قوياً لحقوق الفلسطينيين في تقرير المصير، وكانت أول دولة غير عربية تعترف بمنظمة التحرير الفلسطينية. أعلنت بكين استعدادها لتسهيل محادثات السلام بين إسرائيل والفلسطينيين، في الماضي، وأعلنت الصين استعدادها لكنها لم تكن جريئة بما يكفي للعمل. في عام 2015، يجب علينا ان نذكر أن بكين أرسلت طلبا إلى مواطنيها وعمالها المهاجرين إلى إسرائيل بعدم العمل في المستوطنات! أمر لم تتم الإشارة إليه لاحقا.

التحولات الديموغرافية

لقد تغير الزمن مع التحولات الديموغرافية في المنطقة، ونجحت الصين في كسب القبول العربي بعد جهودها الناجحة لرعاية التقارب الإيراني السعودي، وتم توقيع شراكات وعقود اقتصادية بمليارات الدولارات، من خلال مبادرة الحزام والطريق الصينية التي تهدف إلى زيادة الترابط من خلال جلب رأس المال والعمالة مع الحكومات الشريكة لتنفيذ مشاريع البنية التحتية مثل المطارات، والطرق، والموانئ، والسكك الحديد، والاتصالات السلكية واللاسلكية. تريد الصين تعزيز علاقاتها مع العالم العربي، والسعودية في الطليعة وتتفهم موقف المملكة مقارنة بالدول الأخرى التي انجرفت وراء التطبيع، على عكس السعودية التي لا تزال متمسكة بمبادرة السلام العربية التي طرحتها منذ عام 2002. إن سجل الصين في الأمم المتحدة في دعم الحقوق الفلسطينية يكاد يكون مثالياً. ولكن على الرغم من أن الصين عضو دائم في مجلس الأمن، فإن موقفها لم يترجم للواقع.

تعدد الأقطاب

في عالم براغماتي هناك مجال لتعدد الأقطاب من خلال العلاقات الاقتصادية الدولية وبناء الشراكات من أجل التنمية والأمن والتكنولوجيا التي ستحد من هيمنة الولايات المتحدة. وتنظر الشعوب العربية إلى الصين ودول البريكس كمنفذ جديد، وتأمل في لعب دور حقيقي في القضية الفلسطينية.

تغيير سلوك الصين تجاه الشرق الأوسط والقضية الفلسطينية مرتبط بصفقة تشمل الشرق الأوسط، أي بانفراج كبير قد يأتي على شكل علاقة تطبيع بين المملكة العربية السعودية وإسرائيل، بما يضمن معادلة ربحية لجميع الأطراف مع الفلسطينيين على الطاولة. 

ومع تزايد وضعها الحالي كقوة صاعدة في المنطقة والعالم، فإن الصين في وضع جيد للتوسط في هذه الصفقة الكبرى، ولكنها تحتاج للمحفز ليس بالضرورة لتحل محل أمريكا، ولكن لتقود تحالف للوساطة والسلام الدوليين.

العلاقات الفلسطينية الصينية تاريخية، حيث كانت بكين مؤيداً قوياً لحقوق الفلسطينيين في تقرير المصير، وكانت أول دولة غير عربية تعترف بمنظمة التحرير الفلسطينية.