لمن لا يعرف غزة كيف كانت تستعد لتصنع الفرح في كل عام مع قرب إعلان نتائج الثانوية العامة، أي ما قبل حرب الإبادة التي نعيشها الآن، فهي المدينة الصامدة والعظيمة بتضحيات أبنائها تتميز بحبها للحياة، ولديها طقوسها الخاصة التي تتعدى طقوس الأعياد، حيث كان يسودها أجواء الفرح وتوزيع الحلوى والأغاني هنا والزغاريد هناك والناس تتبادل التهاني والتبريكات ولا انقطاع للبسمات، فلا أبالغ لو قلت أننا بهذه المناسبة كنا نعيش أجواء عيد من أعياد الله في الأرض.
قساوة هذا العام على الطلبة والتهديدات التي يعيشونها جراء ويلات الحرب الدموية ليومها 297 على التوالي، أدت لحرمان نحو 39 ألف طالب وطالبة من تقديم امتحانات "التوجيهي"، لذلك أصبح الوضع على غير المعتاد وتحولت حياة هؤلاء المظلومين إلى جحيم.
حيث أخذت هذه الحرب الدموية أبعاد خطيرة على الصعد كافة من خلال التدمير الممنهج لحياة الإنسان الفلسطيني الذي يدفع ضريبة تمسكه بأرضه ودفاعه عن حقوقه الغير قابلة للتصرف.
فكان للجانب التربوي أو التعليمي نصيبٌ من هذا الواقع المزري الذي نعيش ذروته باستهداف المؤسسات والمراكز التعليمية وحرقها وتدميرها من قبل جيش الاحتلال النازي ومنها 117 مدرسة وجامعة دمار كلي، و332 دمار جزئي، وحرمان آلاف الطلبة من حقهم في التعليم من خلال قتلهم معنويا وجسديا، والقضاء على المُعلمين أصحاب الرسالة الأخلاقية السامية في بناء المجتمعات ويصل عددهم أكثر من 400 شهيد، و107 شهيد من العلماء والباحثين واساتذة الجامعات، حيث أفاد المتحدث باسم وزارة التربية والتعليم العالي بأن 450 من طلبة التوجيهي استشهدوا هذا العام، بينهم 20 من الضفة وبقية الشهداء من غزة.
ما حدث اليوم من إعلان نتائج الثانوية العامة في الضفة المحتلة يعكس الواقع الذي فرضه الاحتلال بسياساته الإرهابية في حرمان شعبنا من التمتع بحقوقه في حريته ووحدة أراضيه وإقامة دولته المستقلة بعاصمتها القدس، في الوقت الذي يرزح فيه آلاف الطلبة داخل خيام النازحين ويبكون بصمت على سوء أحوالهم وضياع مستقبلهم باعتبار تدمير البنية التعليمية هدفا استراتيجيا لدى الاحتلال في هذه الحرب.
الجدير ذكره أن هناك أكثر من 12500 طالب جريح في قطاع غزة منذ بداية العدوان الإسرائيلي، بينهم 2500 أصبحوا من ذوي الإعاقة، كما أنه منذ السابع من أكتوبر لم يتمكن 630 ألفا من طلبة المدارس و88 ألفا من طلبة الجامعات في غزة من ممارسة حقهم الطبيعي في الدراسة.
للأسف مظاهر حب الحياة، وحب العلم، الذي يقود للتفوق والنجاح، والتي اعتادت غزة أن تقدم خلالها نموذجا رائدا ومميزا أمام العالم كله، وأدتها حرب الإبادة الوحشية، وغزة التي كانت تتوشح بكل هذا الجمال أصبحت مأتماً.