هنية أحد رجال أربعة كان يمكنهم صناعة السلام

لقطة الشاشة 2024-07-26 114618.png
حجم الخط

بقلم د. طلال الشريف

 

 

 اول الخاسرين في إغتيال إسماعيل هنية هم أولئك القلة من الإسرائيليين المؤمنين والمؤيدين للسلام مع الفلسطينيين بعد تقلص أعداد السلاميين كثيرا في اسرائيل وضعف مواقفهم بعد تغير الثقافة هناك وطغيان المتطرفين وازدياد أعدادهم ودورهم.

رحم الله إسماعيل هنية الرجل الذي أحبه وقدره حتى أشد معارضي حماس وكان يفرض بأدبه وإلتزامه واحترامه بما يتحدث وبما يعد دون مراوغة مع الصغير والكبير، في العلاقات العامة وفي عمق المواقف السياسة، صادق كريم وطيب الروح والمنشأ والمسيرة وقوي الصمود والصبر والشكيمة والتمسك بموقف حزبه دون تشنج أو عنف وتلك صفات لا تجتمع إلا في نوادر الرجال الذين يحترفون السياسة.

إسماعيل هنية كان أحد أربعة رجال قادة كبار كان يمكنهم صناعة السلام بتكوينه العام المعتدل دينيا ووطنيا واجتماعيا ولهؤلاء القادة الاربعة من الصفات المشتركة التي تمنحهم صفات صانعي السلام وكذلك لهم من الصفات المختلفة التي تميزهم عن بعضهم.

إن أهم الصفات اللازمة لقائد يستطيع صنع السلام في فلسطين قبل كاريزميته وصفاته الشخصية تكمن في كبر حجم حزبه وعدد مؤيدي هذا الحزب في الخارطة السياسية الفلسطينية، في الوقت الذي يضم المجتمع الفلسطيني قادة سياسيين آخرين ذوي كاريزما وصفات قيادية وازنة يمكنهم صنع السلام من المستقلين وذوي الأحزاب الصغيرة لكنهم لا يمكن ان يحظوا بدعم كبير من المجتمع كما يحظى به صانعي السلام من قادة حركتي فتح وحماس.

١- الرئيس ياسر عرفات رحمه الله كان الشخصية الوطنية الكاريزمية الأولى التي كانت قادرة على صنع السلام بتكوينه الشخصي وتاريخه الطويل وقيادته لاكبر حزب حركة فتح في فلسطين منذ البدء وحتى الآن وقيادته لإئتلاف منظمة التحرير الفلسطينية والثورة الجديد منذ العام 1965، وتم إغتياله وخسرت إسرائيل رجلا فريدا كان يمكنه إحلال السلام وقد بدأه فعلا ولكن!!

٢- الرئيس محمود عباس الداعي للسلام بتكوينه المعتدل والجانح إلى السلام فكريا وقناعة ورغم هذه القناعة إلا أن الإسرائيليين خذلوه زمنا طويلا وواجهته تحولات دراماتيكية في المنطقة وفي إسرائيل نفسها المتحولة منذ زمن نحو التطرف وصعود اليمين الصهيوني والديني للسلطة ما دمر عملية السلام التي تبناها وعمل من أجلها كل الجهد وواجهت الرئيس محمود عباس قضايا خلافية في المجتمع الفلسطيني ناواته بشدة في قناعاته لعملية السلام واولها تصاعد نفوذ الحركات الإسلامية مثل حماس والجهاد والأخطر الإنقسام وغياب السلطة المركزية التي يقودها عن قطاع غزة لعقدين من الزمن ما أضعف مواقفه بمجملها وكذلك بالإضافة لتصاعد التيار الإسلامي الرافض لعملية السلام كان هناك جزء لا يستهان به من التيار الوطني والحزب الثاني في منظمة التحرير وهو الجبهة الشعبية التي رفضت منذ البدء عملية السلام واتفاق أوسلو وتقدم الرئيس عباس في العمر وحيثيات أخرى وهي سوء إدارة الشان العام وقطع الرواتب عن مؤيدي السلام من فتح وغياب القضاء النزيه وغياب العدالة في الوظيفة العامة والفساد المالي والحد من الحريات العامة ووجود جماعات للمقاومة من كل الأحزاب في الضفة الغربية تعارض نهج عباس وتغير المجتمع الفلسطيني نحو تأييد المقاومة قبل وبعد طوفان الأقصى والأهم من كل ذلك عدم إلتزام إسرائيل باتفاق اوسلو وتغييبه كليا وتصاعد هجمات المستوطنين بشراسة لتحقيق أحلام دولة إسرائيل واحتلال الأرض كلها، وهذا كله قوض إمكانية الرئيس عباس من إكمال عملية السلام.

٣- محمد دحلان المعتدل وطنيا والداعي دوما لسلام الدولتين او الدولة الواحدة وذو العلاقة العربية والأقليمية والدولية الواسعة والشخصية الكاريزمية شعبيا القادرة على صنع السلام والقائد وعضو اللجنة المركزية في حركة فتح وعضو المجلس التشريعي الذي يقود تيار الإصلاح الديمقراطي في حركة فتح ولم يخرج منها رغم خلافاته مع الرئيس عباس على إدارة الشان العام والشأن الفتحاوي والذي تعرض للفصل التعسفي ومحاولة إنهاء دوره الوطني والحزبي لكنه مازال مثابرا وأقوى من السابق وتياره ممتد في غزة والضفة الغربية والخارج وأصبح الشخصية الوطنية الأقوى على الساحة، ودحلان يحظى بخبرة عميقة بحكم عمله الامني السابق وعمله السياسي الممتد وحضور الكاريزما العملياتية التي يتمتع بها لحل أي نزاع كما فعل بشجاعة في العلاقات التي كانت قطيعة وخطرة مع حماس واستطاع حل جزء من الإنقسام بينه وبين حماس وقدم لغزة ومواطنيها الكثير مما يستطيع من مساعدات قبل الحرب وبعدها وأنهى الخلاف مع حركة حماس الذي لم ينته حتى الآن بين رام الله وغزة ودحلان رجل عملياتي دون تفريط في الحق الفلسطيني ومعرفته العميقة بالشأن الإسرائيلي ومعرفته الكبيرة بالسياسات الخارجية وهو رجل معتدل سياسيا وملتزم بالحق الوطني والحزبي دون تفريط ويتمتع بدبلوماسية قوية وقادرة على الإنجاز وقادرة على صنع السلام في فلسطين.

٤- الرجل الرابع كما ذكرنا في البدء هو المرحوم إسماعيل هنية القائد الإسلامي قائد حركة حماس والأكثر إعتدالا في مجمل التيار الإسلامي الذي تمتع بعلاقات بعلاقات إجتماعية وفصائلية فوق العادة وهو في تقديري ملتزم بقضيته الوطنية وحقوق الشعب الفلسطيني وكان رجل قادر على صنع السلام لو كان هناك من يريد السلام في إسرائيل.