يهرع الناس نحو الحرب، كما لو أنهم يهرعون إلى حفلة، كأن الحروب التي عايشوها أو شاهدوها لم تكن كافية أو شافية كي يرتدعوا. وتسهم في هذا الاندفاع وسائل إعلام مريضة، مهووسة بالحرب، ناهيك عن وسائل إعلام أخرى معنية بها، فهي تنطق باسم أنظمة حكم شمولية، لها مصلحة في هذه الحرب.
في منطقتنا، الشرق الأوسط، عدا عن الحروب المباشرة مع إسرائيل، شهدنا حروبا ذاتية، لا تكاد دولة عربية لم تحترب مع غيرها، أو تحترب مع ذاتها، كحروب الربيع العربي التي طالت واستطالت في بعض الأقطار عشر سنوات.
الحرب القادمة التي على الباب، ستكون حرباً أخرى، حرباً من نوع آخر، قد لا تكون طويلة إلى حد عشر سنوات، لكنها ستأكل الكثير من أخضر المنطقة ويابسه على سواء. وسيكتوي بنارها الناس الذين لطالما ينتظرونها ويستعجلونها كما لو أنها حفلة. هؤلاء في غالبيتهم من الرعاع، الذين نزلوا مؤخراً إلى الشوارع يرقصون ويتعابطون لسماعهم خبر مقتل إسماعيل هنية في طهران، لكن المشكلة الحقيقية هي في رعاتهم، الذين يوفرون كل ما يلزم لاندلاع شرارة الحرب. نفهم أنهم قتلوا قائداً بارزا في حزب الله، ليس الأول منذ الطوفان، لكن ليس في العاصمة اللبنانية بيروت، نفهم أن يستهدفوا محمد ضيف في غزة، لكن ليس إسماعيل هنية في طهران، وهو الذي تفاوضه إسرائيل وأمريكا من خلال الوسيطين العربيين لانجاز صفقة تحرير رهائنهم .
الآن سترد إيران رداً مباشراً بعد أن جربت الرد الأول بعد قصف قنصليتها في دمشق نيسان الماضي، الرد الثاني، ولن يكون الأخير، سيكون بالتأكيد أكثر بلاغة لأنه استهدف عاصمتها طهران، ووفق حسن نصر الله، استهدفوا شرفها. وأعلن في خضم تشييع القيادي الكبير فؤاد شكر أنه يغادر مرحلة القتال الإسنادي ليدخل المرحلة الثانية من هذه الحرب المفتوحة "الرد على الرد" الذي سيدخل المنطقة برمتها في الحرب الشاملة.
كثير من أنظمة المنطقة "رعاة الرعاع" من يتطلع إلى تحقيق مكاسب من هذه الحرب، أهمها ما يتعلق بجيرانه في معارك لم يكن بالإمكان حسمها. الأمثلة كثيرة، كالسودان الذي انقسم إلى قسمين، والآن يبحث عن انقسام ثالث، اليمن الشمالي والجنوبي، والحرب عليه في حكم المؤجلة، الصراع على مياه النيل، الخلافات الخليجية مع قطر، لبنان الطائفية، صراع الأخوة الأعداء في فلسطين، سوريا وتركيا .... إلخ ، ولأن المنطقة برمتها نهب للراعي الكبير، "راعي رعاة الرعاع"، أمريكا التي استضافت نتنياهو كبطل قومي في كنغرسها، لا كمجرم حرب، تطارده العدالة الدولية والمحلية الإسرائيلية، وصفقوا له على مدار 55 دقيقة، بمعدل مرة كل دقيقة، حتى ضاق بهذا التصفيق ونهرهم بقوله: لا تصفقوا. كان هؤلاء أكثر رعاعاً من رعاع شعوبنا، واستقبل من بايدن الخرف المنبوذ وترامب المجرم الجنائي ومن هاريس الواعدة، وكانوا رعاة ينزلون عند رغبة رعاعهم بذريعة الانتخابات. عشرة أشهر وآلة القتل في غزة لم تتوقف في حين لو توقفت لتوقف كل هذا القتال. ( إنها الحربُ/ قد تثقل القلبَ/ لكن خلفك عار كل العرب/ فلا تتوخَّ الهرب!).
لماذا يهتم العرب بانتخابات أمريكا اكثر من انتخابات بلدانهم؟
30 أكتوبر 2024