الولايات المتحدة هي واحدة من أربع دول لم تُعد النظر في قرارها إعادة تمويل منظمة الأونروا، بعدما لم يجد تحقيق رفيع المستوى أي دليل على الادعاءات الإسرائيلية بشأن الأونروا، وتورط موظفيها مع حماس أو هجمات السابع من أكتوبر.
الموقف الأمريكي بالتوقف عن دعم الأونروا والاستمرار في تقديم الدعم المالي العسكري لإسرائيل، في ظل جريمة الإبادة مجرد دليل أساسي آخر على أن الولايات المتحدة ليست قلقة حقًا بشأن ما إذا كانت الأونروا متورطة بالفعل أو لها أية علاقة مع حماس. لكن وبدلاً من ذلك، فإن الولايات المتحدة تشعر بقلق حقيقي بشأن مهمة عمل الأونروا، والتي تتعلق باللاجئين الفلسطينيين. إن هدفهم هو تخليص إسرائيل والمجتمع الدولي بشكل منهجي، خاصة الولايات المتحدة، من المسؤولية عن هؤلاء اللاجئين، وهذا يأتي استكمالاً لما جاء في عهد دونالد ترامب الذي أسقط ملف اللاجئين والقدس. لا أعتقد أن هذه الحرب هي مجرد حرب ضد مؤسسة تابعة للأمم المتحدة، بقدر ما هي حرب ومنهجية ضد فكرة ضرورة وجود حل للاجئين وحق العودة، والتي قد تنطوي على مسائل التعويض والعودة العملية. وهذا بالطبع لا يتماشى مع المشروع الاستعماري الاستيطاني، حيث يفترض أن يتحول الفلسطينيون إلى أقليات، وليس إلى شعب يتمتع بحقه في تقرير المصير والدولة والكرامة.
إن الدعم العسكري والمالي الأمريكي لإسرائيل، والذي استمر خلال حرب الإبادة الجماعية هذه، وعلى الرغم من جرائم الحرب الموثقة المستمرة في غزة لأكثر من عشرة أشهر، يعد بمثابة دليل على تواطؤ الولايات المتحدة في جرائم الحرب هذه. ويشير أيضًا إلى أن الولايات المتحدة ليست جادة في تحقيق وقف إطلاق النار أو حل الدولتين السلمي في المنطقة. ويمكن اعتبار الدعم العسكري الأمريكي بمثابة تواطؤ في جرائم الحرب هذه. ولا يقتصر الأمر على حماية إسرائيل في المحافل الدولية والدبلوماسية من عواقب هذه الجرائم فحسب، بل يوضح أيضًا عدم رغبة الولايات المتحدة في العمل نحو حل الدولتين أو فرض أي حل سلمي.
وفيما يخص اتفاقية صفقة التبادل ووقف إطلاق النار، فإن الوضع الإقليمي قد بلغ مرحلة حرجة تتطلب بشكل عاجل إبرام صفقة تبادل ووقف إطلاق النار خاصة بعد حقيقة الضغط الذي مورس من الأمريكان والوسطاء القطريين والمصريين واللاعبين الإقليميين لمنع الرد الإيراني على اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية، قد يقود لإتمام صفقة التبادل مقابل وقف الرد الإيراني، ووقف التصعيد في المنطقة، وهنا تستفيد حركة حماس في تقوية موقفها في المفاوضات وحصولها على مطالب أكبر تتعلق بأسماء أو أرقام أو تفاصيل مختلف عليها. إسرائيل تصر على أن الصفقة تركز أساساً على عملية التبادل فقط، بينما تطالب المقاومة وحركة حماس بوقف إطلاق النار بشكل كامل، وهنا ضروري وجود ضمانات والبناء ومتابعة الجرائم التي ارتكبت أمام المحاكم الدولية، حتى إذا توقفت الحرب وأبرمت الصفقة لأنها جرائم موثقة.
الرئيس الأمريكي جو بايدن يسعى جاهداً لإتمام الصفقة قبل مغادرته البيت الأبيض، وذلك لترك أثر قبل مغادرته البيت الأبيض، ولتعزيز موقف الحزب الديمقراطي في الانتخابات الرئاسية المقبلة. جو بايدن يمتلك القدرة على ممارسة الضغوط على نتنياهو، رغم تعنته خلال الأشهر الماضية. لقد قدم له الضوء الأخضر والدعم المالي والمادي والعسكري والاستراتيجي، وقدم له الغطاء القانوني في المنصات الدولية ما أخر استصدار مذكرات الاتهام بحقه. كما لا ننسئ أن إدارة بايدن والحزب الديمقراطي لم تدعم إسرائيل فقط منذ السابع من أكتوبر، بل منذ تقلده الرئاسة وبرغم الوعود العلنية، لم تتم إعادة فتح القنصلية الأمريكية في القدس، ولم تتم إعادة فتح مكتب منظمة التحرير في واشنطن، وتوقف دعم الأونروا إضافة للدعم الأعمى لجريمة الإبادة.
من مصلحة بايدن الآن إيقاف الحرب، وإتمام الصفقة قبل مغادرته البيت الأبيض، حيث يسعى لتأكيد نجاحه في هذا الملف قبل انتهاء ولايته. لقد تمكن بايدن من إيقاف الحرب الإقليمية ضد إسرائيل، وحمايتها من الانخراط في حرب تفوق قدراتها العسكرية من خلال الضغط على إيران، وهذا ما سيأخذه بعين الاعتبار في التعامل مع نتنياهو. لقد بذل بايدن جهوداً سابقة لوقف الحرب الإقليمية، وهذا ما يمكن استثماره في الضغط على نتنياهو لتحقيق تقدم في المفاوضات. وهذا ما يفسر عدم الرد الإيراني حتى الآن على اغتيال هنية، بأنه نتيجة للحراك الأمريكي الهادف إلى وقف اندلاع الحرب الإقليمية، وهو ما يصب في مصلحة إسرائيل أولاً، ودول الإقليم ثانياً.
الولايات المتحدة سواء بقيادة ديمقراطية أو جمهورية تعتبر الحليف الاستراتيجي لإسرائيل، والدعم المالي العسكري سيستمر بحجة أمن إسرائيل. وحتى الرئيس باراك أوباما رفع الدعم السنوي لـ ٣٫٨ مليار في عهده. التراجع في الموقف الأمريكي تجاه حقوق الشعب الفلسطيني، والاكتفاء بالشعارات، وعدم تقديم عملية سلام متكافئة لطرفي النزاع، باتت واضحة من كلا الحزبين، وهنا يبقى التعامل العسكري الأمني هو ما يحكم العلاقة مع أمريكا. ضروري إعادة تصحيح مسار هذه العلاقة والتعامل مع ما فرضه ترامب من حقائق، بما يضمن حق الشعب بتقرير المصير وعلاقة الشعبين بإعادة فتح القنصلية بالقدس، والتوقف عن التعامل مع الفلسطينيين كأقلية وبشكل أمني.
التراجع في الموقف الأمريكي تجاه حقوق الشعب الفلسطيني، والاكتفاء بالشعارات، وعدم تقديم عملية سلام متكافئة لطرفي النزاع، باتت واضحة من كلا الحزبين، وهنا يبقى التعامل العسكري الأمني هو ما يحكم العلاقة مع أمريكا.