كل يوم يشبه سابقه، تمر الأيام بطيئة وثقيلة، محملة برائحة الموت والبارود. تكرر الأحداث نفسها يوميا، مجازر ودمار في كل لحظة، حتى بات هذا الواقع جزءاً من حياة الفلسطينيين في قطاع غزة على مدار الأشهر العشرة الأخيرة، بفعل حرب الإبادة الإسرائيلية الإجرامية.
أطفال غزة يجابهون ويلات العدوان بعزم وإرادة إعجازية، يبحثون عن الفرح واللعب في الأزقة، وخلال اللحظات القليلة التي تتوقف فيها غارات جيش الاحتلال وصواريخه التي تقتل المدنيين الأبرياء، يصارعون الجوع، والخوف، والألم، والتشريد.
رغم الصمود الأسطوري، إلا أن ذلك الواقع خلق لهؤلاء الأطفال أزمات نفسية حادة، في ظل انعدام الأمان وتوقف كل مناحي الحياة. تركوا بلا تعليم، وحرموا من حقهم باللعب وممارسة أنشطتهم الترويحية، ما فاقم من حدة آثار الحرب عليهم، نفسياً وجسدياً وصحياً.
الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم، عمل على تحدي الظروف المأساوية، وبدأ العمل على إحياء النشاط الرياضي والكروي بعد توقفه منذ بدء العدوان، عبر إطلاق مبادرة تدريب كرة القدم للأطفال النازحين في مواصي خان يونس.
وتهدف المبادرة إلى الحفاظ على المواهب الكروية الناشئة، والتفريغ النفسي عن الأطفال من عمر 9-13 عاماً، وصقل شخصية الأطفال من النواحي الكروية والتربوية السليمة، وتشكيل نسيج اجتماعي ورياضي جديد للأطفال النازحين، والحفاظ على نموهم وصحتهم.
كما عمل اتحاد الكرة على توفير الألبسة الرياضية للأطفال الملتحقين بالمبادرة، وقام بتوزيعها عليهم، إضافة لتوفير بعض المستلزمات الرياضية الأخرى رغم كل تعقيدات الحصار والعدوان، لكن طواقم الاتحاد العاملة في قطاع غزة تحدت الظروف، وعملت بكل جهودها لإدخال الفرحة والبسمة على وجوه الأطفال، والإعداد لجيل كروي قادم سيمثل فلسطين في المستقبل.
بدأت الفكرة بفعل تواجد عدد كبير من الأطفال المنتسبين للأكاديميات والنوادي في مخيمات النزوح، بالإضافة لعدد كبير من المدربين الحاصلين على شهادات التدريب من الاتحاد الدولي لكرة القدم "الفيفا" والاتحاد الفلسطيني لكرة القدم، وكانت الرؤية استغلال المساحات الواسعة في منطقة المواصي، التي يتواجد بها عدد كبير من خيام النازحين، وتضم عدداً كبيراً من الأطفال داخلها.
الرياضة والمنافسة شكلت مصدر تفريغ لأكثر من 80 طفلاً انضموا بالمرحلة الأولى من المبادرة، في محاولة من القائمين لسرقة ساعات الهدوء وتوقف القصف خلال ساعات اليوم، لإجراء التدريبات خلال ثلاثة أيام في الأسبوع، بواقع ساعتين لكل يوم.
رغم الإمكانيات الشحيحة في ظل الحصار، إلا أن الإصرار على تنفيذ المشروع تجاوز كل المعيقات، كما جاء بمباركة الأهالي في تلك المخيمات، حيث أقيمت ملاعب التدريب الترابية بين خيام النازحين.
هذا ويتم العمل على إنشاء ملاعب تدريب أخرى في مناطق جديدة من قطاع غزة، وتخصيص مدرب لكل ملعب، وتوفير بعض المستلزمات الرياضية من كرات وأقماع تدريب، بالإضافة إلى البحث عن مواقع جديدة لتنفيذ المبادرة، فالهدف هو أن تنتشر في جميع مناطق تواجد النازحين في القطاع المكلوم.
يذكر أن العدوان الإسرائيلي المستمر منذ مطلع تشرين الأول 2023، أدى إلى استشهاد 357 رياضيا، منهم 245 شهيدا في كرة القدم، بواقع 69 طفلاً، و176 بالغاً، فيما دُمرت 57 منشأة رياضية، منها 49 لكرة القدم، بواقع 42 منشأة في قطاع غزة، و7 منشآت بالضفة الغربية.
كما اعتقلت قوات الاحتلال 9 رياضيين من كرة القدم في الضفة الغربية، فيما لا تتوفر إحصائيات نهائية من قطاع غزة نظرا لقلة المصادر، ووجود آلاف المفقودين.