الأسرى في دائرة الاستهداف الإسرائيلي

تنزيل (3).jpeg
حجم الخط

الكاتب: هاني عوكل


 

لا يمكن للتقارير الإعلامية والحقوقية مهما كانت مهنية وصادقة، النقل الحرفي للحقائق والوقائع الصعبة التي يتعرض لها الأسرى الفلسطينيون في السجون الإسرائيلية، واستخدام القوة المفرطة بحقهم ومعاقبتهم خارج إطار القوانين والأعراف الدولية.
إسرائيل قامت على الاستيطان الإحلالي ونهب أرض وتاريخ الشعب الفلسطيني، وجنّدت كل طاقاتها وسياساتها العنصرية لمصادرة حقوق الفلسطينيين وجعل حياتهم صعبة ولا تُطاق، حتى تنكسر شوكتهم ولا يعودوا قادرين على مقارعة الاحتلال.
سياسة ملاحقة واعتقال الفلسطينيين وتعذيبهم كانت وظلّت واحدة من أكثر الأدوات القمعية والوحشية الإكراهية التي يمارسها الاحتلال منذ عشرات السنين، ولم تتوقف أبداً لا في أيام الحرب ولا حتى في أيام سلام أوسلو، ولم يحدث مطلقاً أن جرى تبييض السجون الإسرائيلية من الأسرى الفلسطينيين.
بعد عملية «طوفان الأقصى» في السابع من تشرين الأول الماضي، أخذ موضوع أسر الفلسطينيين منحى مختلفاً كنتيجة للعقاب على ممارسات حركة حماس في قطاع غزة، وجرت تعبئة السجون بأعداد هائلة من الأسرى ومن مختلف الفئات العمرية.
حتى الأسرى الذين كانوا معتقلين منذ سنوات، جرى تشديد الخناق عليهم وتعذيبهم واستشهد عدد منهم داخل السجون، وزاد الطين بلة أن وزير الأمن القومي المتطرف إيتمار بن غفير المسؤول عن السجون الإسرائيلية، دعا إلى تغليظ العقوبات ضد الأسرى الفلسطينيين.
يوجد في إسرائيل حوالى 27 سجنا ومركز توقيف وتحقيق، وسجن «سديه تيمان» الذي أنشأه الاحتلال بعد عملية «طوفان الأقصى»، يعتبر واحداً من أوحش السجون التي تعج بالحكايات المأساوية التي تعرض لها المعتقلون الفلسطينيون من قطاع غزة.
السجن يقع في قاعدة عسكرية بالقرب من مدينة بئر السبع في صحراء النقب، وخُصص لاحتجاز وتعذيب الفلسطينيين الذين اعتقلوا خلال العدوان المتواصل على غزة، واستشهد فيه أكثر من 30 معتقلاً في ظروف سرية صعبة للغاية جرى التستر والتعتيم الإسرائيلي عليها.
مؤخراً، فاحت الرائحة النتنة لهذا السجن بسبب كثرة أساليب التعذيب الوحشي الذي يمارسه السجانون الإسرائيليون بحق الفلسطينيين، إلى درجة تسجيل انتهاكات جسيمة متعلقة باعتداء جنسي بحق أسير من قبل عساكر إسرائيليين ملثمين، وكالعادة، خرجت تل أبيب للعالم باختراع قصة التحقيق في وقائع الانتهاكات.
أكبر كذبة في تاريخ البشرية حينما نسمع أن إسرائيل تفتح تحقيقاً مع جنودها بشأن انتهاك قوانين والتنكيل بالأسرى الفلسطينيين، لأن مصير هذا التحقيق هو التستر على السجّان ومجرد تهدئة للرأي العام العالمي الذي ترده مثل هذه الأخبار، بالإضافة إلى أن التحقيق لم يصدر عن جهة دولية محايدة أو هيئة أممية، وإنما من نفس الجلاّد الذي سيقرر في النتيجة أن «القرد في عين أمه غزال».
حينما يخرج بعض الصحافيين الإسرائيليين إلى الإعلام ولا يعترضون على أساليب التعذيب لأن الأسير الفلسطيني بنظرهم ليس بشراً ولا يستحق الحياة، فهذا دليل على مستوى التدهور الأخلاقي والقيمي للمجتمع الإسرائيلي الذي يتطرف يوماً بعد يوم نحو معسكر اليمين.
الإسرائيلي حينما لا يجد ضالته في عدوانه المفتوح على غزة والضفة، يصبُّ جام غضبه على المعتقلين ويمارس سياسات اعتقال دورية منتظمة وممنهجة ضد كل الفلسطينيين، حتى كبار السن والصغار والنساء جميعهم يتعرضون للاعتقال غير المبرر وبدون اتهامات، وتمارس بحقهم فظائع كثيرة.
في كل يوم، يدخل معتقلون فلسطينيون سجون الاحتلال، والهدف من هذه السياسة ممارسة الضغط على الشعب الفلسطيني وعلى «حماس» تحديداً بهدف إضفاء مرونة في الجولات التفاوضية التي تقوم بين الوقت والآخر، وصولاً لاتفاق وقف التصعيد في غزة يحقق الأفضلية للطرف الإسرائيلي.
أكثر من عشرة آلاف فلسطيني موزعون حالياً في سجون الاحتلال المكتظة عن بكرة أبيها بالمعتقلين، وفي الوقت الذي يخرج فيه أسير يدخل آخرون في عملية أشبه بالتعبئة «الأوتوماتيكية» التي تهدف إلى التحقيق مع كل الفلسطينيين وإبقائهم تحت المجهر الإسرائيلي.
في غزة، أن تكون فلسطينيا فأنت هدف بالنسبة للاحتلال الإسرائيلي، وحصل أن جرى اعتقال الآلاف من الفلسطينيين في ظروف جد صعبة وقاسية ومهينة تهدف لإذلالهم وكسر صمودهم، من قبيل خلع ملابسهم وعصب أعينهم وتقييدهم في أيديهم وأرجلهم.
والأنكى أن الاحتلال الذي يمارس كل أنواع التعذيب بحق هؤلاء ويفرج عنهم في وقت لاحق، يستهدفهم بالقصف اليومي كما حدث مع حالة الشهيد الصحافي إسماعيل الغول، الذي تعرض للأسر وأطلق سراحه ثم جرى استهدافه بصاروخ مباشر أرداه شهيداً.
واهم من يعتقد أن هناك فقط عشرة آلاف فلسطيني أو أكثر في سجون الاحتلال، فهذا الرقم غير صحيح على الإطلاق، والأصح أن كل الشعب الفلسطيني في أرضه المحتلة هو أسير لدى إسرائيل. يحدث هذا في الضفة الغربية التي تمتلئ بالحواجز الإسرائيلية التي تقيد حركة الفلسطينيين وتعتقل العشرات منهم يومياً، عدا عمليات التوغل واقتحام مختلف المحافظات الفلسطينية.
ويحدث أيضاً في قطاع غزة الذي يعاني حصاراً إسرائيلياً خانقاً منذ سنوات طويلة، لكنه زاد مئات المرات في الأشهر العشرة المنصرمة، والفلسطيني هناك لا يمكنه التحرك بحرية ولا حتى العيش بأمان والتنفس الطبيعي والحق في الغذاء والدواء إلا بأمر الإسرائيلي.