على مرمى حجر كبير.. مراوغات تبدو معها الثعالب وديعة

lFDcS.png
حجم الخط

بقلم حمدي فراج

قد تنزل إيران عند المماطلة والمخاتلة الأمريكية في مفاوضات الصفقة التي تجري في الدوحة بمسؤولية متقدمة من الوسطاء. مردّ هذه المسؤولية يتجاوز دخول "الحرب" شهرها الحادي عشر، بتجاوز عدد ضحاياها الأربعين ألفا، (بمعدل قرابة 140 شهيداً كل يوم)، إلى الوقوف على مرمى حجر كبير من قدح شرارة الحرب الحقيقية الإقليمية في هشيم مهيّأ للاشتعال الذاتي.
قد تقبل إيران إرجاء ردّها على اغتيال هنية بضعة أيام أخرى، ستطلبها أمريكا لزوم إنجاح الصفقة المتعثرة، رغم معرفتها أنه أسلوب استعماري قديم يرمي إلى المماطلة والتسويف والمراوغة "دوخيني يا ليمونة"، مراوغة أوصلتنا إلى ما يقارب السنة من القصف والتدمير والقتل، بمعدل إزهاق حياة نحو 140 إنساناً مع طلعة كل شمس، مراوغة تبدو أمامها الثعالب وديعة. لم تكن هذه المدة الطويلة جداً في حساب أحد، بمن فيهم أمريكا نفسها، ولا إسرائيل ولا حزب الله أو المقاومة؛ بضعة أسابيع، وفي الحد الأقصى بضعة أشهر، هكذا خططوا وهكذا حسبوا.

فجأة، فجأة مفاجئة جداً، تجد أطراف الصراع المقررة والمؤثرة نفسها، أمام خيارين محددين، وربما وحيدين، الطرف الإسرائيلي، وخيار السلام الكاذب والذي تقريباً استنزف كل ألاعيبه وأحابيله، لم يعد ينطلي على الفلسطينيين، وسيضعها هذا الخيار أمام الاقتراب من دولة فلسطينة، باعتراف منها أو بدون اعتراف، يحرمها من أطماعها التوراتية المقدسة، بمصادرة الأرض الموعودة من الله لشعبه المختار، "يهودا والسامرة"، بدون شعب "العماليق" الكنعاني، وبعدها ببضع سنوات أو أقل، سيشنون علينا طوفاناً آخر يحمل اسماً مختلفاً، عن ما حمله طوفان السابع من أكتوبر 2023. الخيار الآخر، خيار الحرب، نقضي فيه على ما تبقى من الفلسطينيين، ننهي أحلام دولتهم المستقلة إلى الأبد، نقضي على حزب الله في الجنوب اللبناني قضاءً مبرماً، نتخلص من مفاعل إيران النووي، بحيث لا تستطيع التفكير في بنائه مجدداً لخمسين سنة قادمة.
أما إيران فتجد نفسها بدورها أمام خيارين، الأول، وقف العدوان الإبادي البربري على شعب غزة الفقير المظلوم المحاصر، وفق ما توافق عليه حركة حماس باسم فصائل المقاومة، ولكنه الآن "يحيى السنوار"، الذي يتطلع إلى أكثر وأعمق مما كان يتطلع إليه أي زعيم حمساوي/ إخواني، من أن إسرائيل لا تريده، ولا تريد من سبقه إسماعيل هنية، ولا حتى الشيخ القعيد أحمد ياسين، ولا أي فلسطيني مقاوم ولا مساوم، "لا فتحستان ولا حماسستان"، "لا حماس ولا عباس"، وإنها بعد مرور أسابيع الهدنة، وحصولها على أسراها، ستسأنف عدوانها على غزة، وتعمقه في الضفة وعلى الأقصى وربما القيامة، وهذه ليست نوايا مخفية، بل معلنة ومكررة، وهي ليست مقتصرة على إسرائيل، وحليفتها الاستراتيجية أمريكا، بل وعلى بعض العرب المؤثرين والفاعلين .
خيار إيران الثاني التي تجد نفسها أمامه، وقد اقتربت أكثر من أي وقت مضى من تحقيق أهدافها العقائدية في "محو إسرائيل عن الخارطة" الذي يلامس شغاف الغالبية من شعوب الأمة. هل ستكون سوريا في منأى؟ بالطبع لا، ولا مصر ولا الأردن ولا السعودية.

الطرف الإسرائيلي، وخيار السلام الكاذب والذي تقريباً استنزف كل ألاعيبه وأحابيله، لم يعد ينطلي على الفلسطينيين، وسيضعها هذا الخيار أمام الاقتراب من دولة فلسطينة، باعتراف منها أو بدون اعتراف.