هل تنجح جهود اللحظة الأخيرة التي تقوم بها إدارة بايدن في الضغط لإنجاز صفقة يتم بموجبها وقف الحرب؟ الديمقراطيون يريدون هذا باستماتة لأنه سيعني الكثير بالنسبة لناخبيهم وهم يحاولون التمسك بالمكتب البيضاوي، في ظل المنافسة التي تبدو صعبة في وجه شعبوية ترامب.
من الصعب الجزم ومن الصعب تخيُّل أن لدى أي طرف القدرة على فرض حل أو تسوية على أي طرف، لأن الأمر يحتاج إلى إطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين في غزة، ويتطلب سحب القوات الإسرائيلية من محور صلاح الدين ومحور مفترق الشهداء. لا أحد يستطيع أن يفرض شيئاً على أحد، فعلى اعتبار أن حماس تريد الصفقة فإن نتنياهو الذي لا يريد لن ينجح أحد في الضغط عليه، ففي النهاية الجيش يتلقى أوامره منه وليس من واشنطن. وعليه فإن جهود اللحظة الأخيرة لن تعمل شيئاً اكثر من ممارسة الضغط وتحسين صورة الديمقراطيين في صراعهم الانتخابي، فهم لم يفعلوا شيئاً جدياً لوقف الإبادة بحق شعبنا، وكان يمكن لهم أن يفعلوا الكثير في البداية. والمؤسف أن مثل هذا الضغط الذي كان يمكن أن يكون مثمراً لو تم في وقت سابق يأتي ضمن نزاع وصراع أميركي داخلي ورغبات وأمنيات أميركية خاصة، وكل هذا على حساب دمائنا. ولكن أيضاً ثمة هامشاً معقولاً دائماً أن تسير الأمور في اتجاهٍ ما، وضمن نسق تداعيات اللحظات الأخيرة كل شيء ممكن.
ولكن لفهم كل ذلك لا بد من الوقوف على حقيقة الواقع الذي تسير فيه جهود اللحظة الأخيرة هذه. في البداية كان ظاهراً ان هزيمة ترامب أمر محقق، خاصةً بعد أن اقتنع الرجل العجوز بأن يترك المنافسة لنائبته المرأة الأكثر حيوية ونشاطاً وقدرةً على المناظرة. لم يكن الأمر سهلاً لبايدن المخضرم أن يترك الحلبة، لكنه اقتنع بعد أخطاء كثيرة أو تم الضغط عليه ليس مهماً، المهم ان المرشحة الجديدة بدت قادرة على الإطاحة بأي منافس آخر. وأصبحت الاستطلاعات كما الانطباع العام تشير لهزيمة واضحة لترامب. لكن الأمر ليس بهذه السهولة، فثمة خشيةٌ حقيقية من نجاح الرجل في انتزاع الفوز منها وهذا قد يحدث، وعليه فإن القلق من نجاح ترامب يدفع الديمقراطيين للمزيد من العمل من أجل كسب المزيد من النقاط من أجل ضمان الفوز.
في المقابل، فإن ترامب لا يريد لمثل هذه الصفقة أن تتحقق في عهد الديمقراطيين بأي حال، لأن هذا سيعني نجاحاً صعباً في ملفٍ أكثر صعوبةً، وبالتالي سيكون مؤشراً على قدرة الإدارة الجديدة في إعادة الاعتبار لدور واشنطن الذي انتهى تقريباً في عهد بايدن ولم يبقَ منه إلا الشكليات. ترامب يعرف أهمية تحقيق اختراق في اللحظات الأخيرة أيضاً، على مجموعة كبيرة من قطاعات الناخبين الذين يريدون للحرب التي تتم بسلاح يدفعون ثمنه من ضرائبهم أن تنتهي، لذلك فإن كل ما يطلبه من نتنياهو هو المزيد من الصبر. ولم تكن الدعوة الخاصة التي حظي بها نتنياهو من ترامب خلال تواجده في الولايات المتحدة إلا ضمن هذا الضغط المضاد. ترامب يريد أن يتم الأمر في عهده، هذا لا يعني انه يريد للحرب أن تنتهي، ولكن إذا كانت لا بد أن تنتهي فهو القادر على فعل ذلك، قال: الأمر يحتاج مكالمة. بهذه البساطة عبّر عن الأمر، وهذه المكالمة هو مَن سيقوم بها وسيُنهي الحرب، لكنه لن يضغط على نتنياهو من اجل أن تنتهي، فهو أيضاً يريد أن يواصل فرض صورته في المنطقة غير آبه بمصالح الشعوب الأخرى. علينا أن نتصور آراءه المختلفة في الصراعات الأخرى خاصة الحرب في أوكرانيا وموقفه من تسلح كوريا. عموماً للرجل مواقف خلافية كثيرة، لكنها حين تتعلق بالحرب على غزة ستكون على يمين نتنياهو.
بالنسبة للأخير فإنه سيواصل عناده في رفض أي صفقة، فهو أيضاً لن يهدي بايدن المزعج في شهوره الأخيرة نصراً لا يستحقه بالنسبة له. وبايدن من جهته لا يستطيع أن يفعل شيئاً في المقابل للضغط عليه. هل سيهدد بالاعتراف بالدولة الفلسطينية؟ لن يقوم بذلك وليست في وارد فكر الديمقراطيين في هذه المرحلة، وكان يمكن أن تكون ورقة مساومة لو بحثنا عنها من البداية، ولكن ليس في هذه الساعات الأخيرة من عمر إدارته. هل سيقوم بوقف شحنات الأسلحة أو خفض التمويل؟ أيضاً لا يستطيع فهو بحاجة لموافقة الكونغرس، وسيدخل في صراع شديد مع حزبه قبل أي طرف آخر. لن يستطيع بايدن فعل شيء للضغط على نتنياهو، لأنه كان يستطيع التهديد بذلك قبل سنة ولكن ليس الآن. الرجل يبدو متحمساً لوقف الحرب لدواعٍ انتخابية، فالأمر ليس قناعة والقصة ليست أخلاقاً نزلت عليه من السماء فجأة.
نتنياهو يعرف كل هذا ويحفظه عن ظهر قلب، يعرف أن الرجل العجوز عاجز ويعرف أن ثمة فرصاً كثيرة في انتظاره بغض النظر عن الفائز في الانتخابات الأميركية. فإلى حين دخول الرئيس الجديد البيت الأبيض ثمة وقت معقول يكون فيه قد حقق، كما يرى، بعض الأهداف وتقدّم قليلاً في ملف الأسرى ودمر المزيد من غزة ولم يُبقِ فيها شيئاً، وإذا كان لا بد أن يقوم بعمل شيء فلن يهديه للرئيس الذي بات راحلاً في عرف السياسة، بل للرئيس القادم سواء كانت هاريس أو كان ترامب. الأمر لا يهم عندها لأنه سيطلب ثمناً باهظاً من الرئيس الجديد الذي يريد أن يبدأ حياته بإنجازاته. انتبهوا هذا في حال أراد نتنياهو أن يقدم شيئاً، بل على العكس قد يواصل الحرب دون أن يلتفت لأحد. تذكّروا أن العالم عاجز عن فعل أي شيء، وهو ليس عادلاً إلى هذا الحد كما كتبت هنا قبل أشهر، ولن نصحو من النوم لنجد ضميره وقد استيقظ مثل طفل بريء.
ماذا وراء مقترح الفرصة الأخيرة الأمريكي
08 سبتمبر 2024