الضفة المحتلة وتجنب واقع غزة الكارثي

thumb (1).jpg
حجم الخط

الكاتب: أشرف العجرمي

 

تعيش مدن وقرى ومخيمات الضفة الغربية المحتلة وخاصة في الشمال واقعاً مأساوياً بسبب عمليات الاجتياح التي تنفذها قوات الاحتلال بشكل شبه يومي، وربما كانت العملية العسكرية الإسرائيلية التي سميت "مخيمات صيف" أعنفها وأكثرها دموية، حيث اجتاحت قوات جيش الاحتلال جنين وطولكرم وطوباس. وشملت كذلك محافظات نابلس ورام الله والخليل. واستمر العدوان الإسرائيلي على جنين لمدة عشرة أيام. وسقط نتيجة هذه العملية البربرية حوالى أربعين شهيداً بالإضافة إلى دمار واسع في البنية التحتية في معظم الأماكن التي تم اجتياحها. وفي لحظة معينة كانت الأحداث أشبه بما يجري في قطاع غزة خاصة مع استخدام الطائرات في عمليات القصف والتصفيات.
الاجتياح الإسرائيلي المتكرر لمختلف مناطق الضفة الغربية يأتي جزءاً من تنفيذ مخطط إسرائيلي بات واضح المعالم ويجري الحديث عنه علناً كما في الغرف المغلقة. وهو السعي لتهويد وضم الضفة الغربية أو غالبية مساحتها الجغرافية بدءاً بمناطق (ج) التي تشمل 60% من مساحة الضفة. وعملية التهويد والضم تتم من خلال تحويل حياة المواطنين في هذه المناطق إلى جحيم ودفعهم للهجرة ومغادرتها تحت ضغط الحاجة للعيش في ظروف إنسانية ملائمة. وفي نفس الوقت ضمان شل وقتل أي معارضة أو مقاومة للخطة الإسرائيلية التي كما يقول الوزير العنصري بتسلئيل سموتريتش تضع الفلسطينيين أمام ثلاثة خيارات: القبول بالعيش في دولة إسرائيل وتحت السيادة اليهودية كمواطنين بدون حقوق متساوية لا سياسية ولا غيرها. أو الرحيل أو الموت لمن يحاول المقاومة.
الخطة الإسرائيلية بحاجة لمقاومة واعية تستند بالأساس إلى تعزيز صمود المواطن على أرض وطنه، واستخدام كل الوسائل الفاعلة في مواجهة هذا المخطط. وهذه المقاومة لا تتم بالشعارات أو بالاستعراض بل بعمل منهجي متواصل يأخذ بالاعتبار الظروف التي يعيشها شعبنا في الوضع الراهن. ولكي يتم هذا، هناك حاجة ماسة لنقاش وطني عميق يفضي إلى التوافق على الأولويات الوطنية والأهداف المحددة في هذه المرحلة وكيفية تحقيقها بشكل يقلل الضرر والأذى في جانبنا ويزيده ويعاظمه في الجانب الإسرائيلي. وهذا للأسف لم يحصل حتى برغم عملية الإبادة التي يتعرض لها أبناء شعبنا في قطاع غزة والتي تنتقل بصورة ما إلى الضفة الغربية.
نحن بحاجة للمصارحة وأن نقف أمام الوقائع بدون إنكار أو تجاهل للمخاطر التي تحدق بنا. ومن بين هذه الأمور التي بحاجة لنقاش معمق، السؤال حول وسائل المقاومة الأنجع: هل الكفاح المسلح بطريقة ما يحصل في شمال الضفة، اليوم، على طريقة المجموعات المسلحة التي تعمل بصورة مكشوفة هو الوسيلة المناسبة لمواجهة خطط الاحتلال؟ يمكننا أن نجيب عن أن هذا الشكل ليس مناسباً لأسباب عديدة، منها أن الشبان الذين يتجولون بالسلاح في المخيمات والقرى والمدن معروفون للاحتلال ويشكلون هدفاً له. كما أن هذا الشكل لا يتيح لهم أن يقوموا بعمل مفاجئ أو قوي يجعل الاحتلال يدفع ثمناً باهظاً ويجعله يعيد النظر في مواقفه وخططه. أما الأمر الأخطر فوجود المسلحين العلني في منطقة محددة يعطي الاحتلال ذريعة لمهاجمة المنطقة وتدميرها بحجة القضاء على المقاومين. وعملياً، هذا ما يحدث تحت حجة "محاربة العنف والإرهاب" التي تستخدمها إسرائيل لاجتياح المناطق الواسعة في الضفة الغربية.
في الواقع، هناك مشكلة جوهرية لدينا ترسخت في الفترة الأخيرة وهي أن الناس يعتقدون أن المقاومة هي فقط المقاومة المسلحة التي بطريقة أو بأخرى أضحت هدفاً بحد ذاته وليس وسيلة لتحقيق أهداف وطنية كبرى كالتخلص من الاحتلال وإنجاز المشروع الوطني المتمثل في الحصول على الاستقلال الوطني وإقامة الدولة الفلسطينية وحل كافة قضايا الصراع. لدرجة أن المنتقد لعمل ما حتى لو خطأ سواء في الزمان أو المكان أو الأسلوب يبدو كمن يكفر بمسلمات أو معتقدات غير قابلة للنقاش. لقد أضحينا أسرى شعارات أكثر من كوننا نبحث عن حلول خلاقة لمشاكلنا وعلى رأسها مشكلة الاحتلال وسياسة الحكومة الإسرائيلية العنصرية التي تحاول جاهدة القضاء على إمكانية قيام دولة فلسطينية. بمعنى أننا الآن لا نخضع وسيلة الكفاح المسلح لنقاش جدي لرؤية ما يمكن أن نفعله بهذا السياق، وكيف يمكن البحث عن وسائل متكاملة للنضال ضد الاحتلال بحيث نجدد طاقات شعبنا ونجند الدعم الخارجي لقضيتنا سواء دعم الأشقاء أو الأصدقاء على مستوى الإقليم والعالم حتى من الممكن الوصول إلى قطاعات مهمة من المجتمع الإسرائيلي.
لدينا مشكلة تتعلق بعدم فهم ما الذي وصلنا إليه في قطاع غزة بسبب سوء تقدير أو مغامرات أو أجندات خارجية. وحجم الخسارة الهائلة التي لحقت بنا على مستوى الكم الهائل من المواطنين الذين قتلوا أو أصيبوا وعلى مستوى الدمار الرهيب والمعاناة التي لا يمكن تعويضها بأي حال والتي يجب تجنبها في الضفة الغربية أيضاً، حتى لا نكرر أخطاءنا وسوء حساباتنا وانجرارنا خلف شعارات بعيدة عن الواقع والقدرة على تغييره لصالحنا. وعليه يتوجب التفكير وإعادة النظر في كثير من الأمور التي يتم التعامل معها كنصوص مقدسة. فالشيء المؤكد هو أن كل شيء قابل للنقاش وقابل للتعديل والتغيير بما يفيد قضيتنا.